نعم.. هناك فقر وفقراء
منيرة فخرو
الضجة التي أثارها تقرير فضائية الـ ''CNN'' بشأن موضوع الفقر في البحرين لم تهدأ بعد، وقابلها هجوم كاسح على المحطة الفضائية من أقلام معينة اصطفت كلها لتفند ما ذكره التقرير وتنكر وجود الفقر في البحرين. وشحذ الكتاب إياهم أقلامهم للدفاع عن ''كرامة'' البحرين التي أهدرتها المحطة الأميركية. المقابلة لم تقتصر على إبراز مناطق الفقر ولكنها استجوبت قيادات رسمية مثل وزيري الإسكان والتنمية الاجتماعية. وركزت المذيعة الحسناء هالة قوراني في مقابلاتها على التناقض الذي يميز البحرين بوجود مظاهر الغنى إلى جانب بؤر الفقر. وقد شاهد البرنامج أعداد كبيرة من المواطنين وتم عرضه على الإنترنت لمن لم يتمكن من مشاهدته على التلفاز. ربما الخطأ الذي ارتكبته مقدمة البرنامج هو اقتصارها على وجود الفقر بين الطائفة الشيعية من دون السنية على رغم إقرارنا أن بؤر الفقر تنتشر خصوصا في قرى البحرين وفي المدن الصغيرة. وللعلم فإن متوسط دخل الفرد في البحرين هو 17 ألف دولار وهو معدل يعتبر عالياً نسبياً إذا علمنا أن متوسط دخل الفرد في المملكة العربية السعودية أقل من ذلك بكثير.
وقد عرّف البنك الدولي الفقير بأنه الشخص الذي ينخفض معدل دخله عن 600 دولار في السنة، إلا أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي يضيف معايير أخرى تعبر مباشرة عن مستوى رفاهية الإنسان ونوعية الحياة أي أن هناك نحو 45% من الفقراء يعيشون في مجتمعات غير منخفضة الدخل. وحتى في الولايات المتحدة يوجد 30 مليون فرد (15% من السكان) يعيشون تحت خط الفقر ولكن الولايات المتحدة لا تنكر ذلك بل تسعى للحد من هذه الظاهرة.
نعم هناك فقر وهناك فقراء كثر في البحرين على رغم اعتبار بلدنا دولة غنية. تلك النتيجة التي وصلنا إليها نتجت من اعتبارات كثيرة أهمها ما يأتي:
* فساد كبير ينتشر وعمولات تدفع من جانب القطاع الخاص صاحب المصلحة.
* تجنيس مكثف ازدادت وتيرته في السنوات الأخيرة مما يبتلع كثيرا من الموازنة لتوظيف المجنسين ومنحهم السكن واستهلاكهم للخدمات المتعددة التي بالكاد تستوعب المواطنين.
* تركيز على زيادة موازنة الدفاع والداخلية وتجميد لموازنات وزارات الخدمات كالصحة والإسكان والتربية والتنمية الاجتماعية.
* البطالة المنتشرة خصوصا بين صفوف الشباب نتيجة عدم تناسب مخرجات التعليم مع متطلبات سوق العمل.
* عدم وجود سياسة سكانية لتنظيم الأسرة وإرشاد الأمهات إلى تحديد عدد الأطفال كي تتم العناية بهم بصورة أفضل.
* عدم العناية بالبيئة البرية والبحرية، والأخيرة تعد مصدر رزق للآلاف من الأسر البحرينية.
كما لا ننسى متطلبات العولمة التي دخلنا فيها ووقعنا الاتفاقات لتنفيذ بنودها من دون احتساب نتائجها وأهمها ازدياد أعداد الفقراء، لذلك لابد من استمرار الدعم الحكومي لبعض السلع الأساسية للمواطن إذ ربما يؤدي إلغاؤها إلى نتائج اقتصادية واجتماعية غير متوقعة.
إن الفقر يمثل في نهاية الأمر الإقصاء والتهميش والمس بكرامة الإنسان وبدلاً من إنكاره علينا الاعتراف بوجوده والتفكير بإيجاد أفضل الطرق للحد من انتشاره، ولكننا نرى المسؤولين يصرون على اتهام المواطنين بأنهم سبب الفقر، مثلما اتهم وزير الكهرباء المواطنين بأن استهلاكهم اللامحدود وغير المرخص هو الذي أدى إلى تدهور خدمات الكهرباء، ومثلما ذكر زميله وزير العمل أن شباب البحرين كسول ويريد وظائف مريحة. إن أول وسائل الإصلاح تبدأ بإصلاح التعليم والتركيز على التدريب للأعمال المتوافرة في البحرين خصوصا بالنسبة إلى فئة الشباب الذي طال انتظاره للحصول على وظيفة تضمن مستقبله ولكن قبل كل ذلك يجب أن تتوفر الإرادة السياسية للإصلاح.
** باحثة وناشطة سياسية