أرادها " قمة تاريخية " لبحث همومه الخاصة المتعلقة برؤيته لما طاب له أن ينعته ب"سخرية التاريخ القاسية"... الهموم والرؤية الأميركية، أو رؤية الدولة النووية الأولى والوحيدة التي افتتحت الزمن النووي الكوني وحقبته المرعبة باستخدام القنبلة النووية لإفناء جزء ممن قررت إبان الحرب العالمية الثانية إفناءه من سكان المعمورة... القمة التاريخية الأوبامية التي دعت واشنطن إليها قادة أربعين دولة منتقاة من العالم ليشاركوا في تدشين عملية إطلاق أميركي لخطرين وهميين يهددان البسيطة ومن عليها، وهما، تسلح ما يدعى "الإرهاب" الدولي نووياً، والقنبلة النووية الإيرانية المفترضة ... تلك القنبلة المزعومة التي من المعروف أن أصحابها المفترضين قد وقعوا على معاهدة الحد من انتشار السلاح النووي، ووضعوا منشآتهم تحت مراقبة الوكالة الدولية، ويعد برنامجهم النووي السلمي في طور البدايات، ويحرمون بفتوى خمينية ليس من السهل نسخها امتلاك السلاح النووي!
... هذه الرؤية المراد تعميمها وحشد أنصارها وراء العم أوباما خصصت لتحقيقها فقرة قابلة لألف تأويل وتأويل في البيان الذي صدر أعقاب القمة العتيدة تقول، "منع اللاعبين غير الرسميين من الحصول على المعلومات والتكنولوجيا المطلوبة لاستخدام هذه المواد لغايات خبيثة"!!!
هنا مأثرة أوبامية تحقق رقماً أميركياً قياسياً لم يتوفر للإدارات الأميركية السالفة فضل تحقيقه في مقاربة عمليات قلب الحقائق وجارٍ عولمة البلطجة... رقما قياسيا رحل سيئ الذكر بوش ولم ينجزه فجاء الخلف المبشر بالتغيير ليسجله داعياً أربعين دولة لتبصم من بعده مذيلة صك هذا الإنجاز المبتغى!
المطلوب هنا هو احتكار أمرين، هما: صناعة الإبادة النووية وامتلاكها في حدود ممتلكيها الحاليين أو من يسمح لهم من "المتحضرين"، أو ما يطلق عليهم أعضاء النادي النووي راهناً، للفوز وحدهم بميزة الحق في القدرة الإفنائية، أو تهديد العالم وإرهابه. والثانية، وهي الأهم ، التفرد بامتلاك المعرفة النووية، بما يعني حجب امتلاك القدرة على استخدام شقها السلمي المشروع، أو المفيد للبشرية، من قبل مستضعفي العالم، أو ما خلا السادة أعضاء هذا النادي ... وتحت شعار خلاب هو الدعوة لوضع ضوابط جديدة على اليورانيوم، أو بذريعة زعم تعزيز معاهدة منه انتشار السلاح النووي.
البلطجة الأوباماوية النووية سبق وأن مهّد لها بحملة ديبلوماسية نووية كانت تبشر بأفكار صاحبها المعالجة " لسخرية التاريخ القاسية "، وتوقيع اتفاقية تقليص الرؤوس النووية لدى القوتين النوويتين الأعظم، الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية في براغ، بعد أن ضاقت ترسانتا البلدين وأتخمت، والتي يكفي القليل القليل مما تختزنه بعد هذا التقليص لتدمير هذا العالم لعديد المرات!
المعالجة الأوباماوية "لسخرية التاريخ القاسية" هي بذاتها مدعاة لسخرية أخرى بسبب من كونها أقرب إلى المفارقة السمجة، بل تعدّت هذا فتجاوزت حدود الوقاحة، لسببين: الأول أن صاحب الاستثمار أو راعي القمة والداعي لها قد استثنى من المدعوين لها أولئك الذين صنّفوا من اللاعبين الذين يسعون لاستخدام السلاح النووي "لغايات خبيثة". وهو إذا كان من الطبيعي أنه لن يدعو اللاعبين الوهميين ، أو هؤلاء الهولاميين المسمون بالإرهابيين، فمن المستهجن أنه لم يدع لقمته المعنيين المعلنين، حتى قادت تلك الدول المتهمة بهذه الغايات التي يحاول صاحب القمة التصدي لها، أي الإيرانين والكوريين الشماليين... بالإضافة إلى سوريا، ولا ندري مبررة لاستثنائها من الدعوة ولأي سبب كان، سوى أنه، أي أوباما، ربما يعتبر الممانعة لمشاريع الهيمنة الأميركية في المنطقة خطراً نووياً!
والسبب الثاني، أن الداعي للقمة ، الذي يجيّش الآن ضد الخطر المفترض من قبل من قلنا أنه قد وقع معاهدة الحد من انتشار السلاح النووي، ووضع منشآته المبتدئة والسلمية تحت مراقبة وكالة الطاقة النووية، ويحرّم بفتوى معروفة اقتناء السلاح النووي، والذي يعد الهدف الرئيس من القمة هو صناعة قرار دولي بتشديد العقوبات عليه... هذا الداعي قد استثنى من حسابات قمته الكيان الثكنة، أو الحليف الذي قام واستمر ولا يستمر إلا بالعدوان، والمالك الوحيد للترسانة النووية في المنطقة، والذي يهدد بها، أي إسرائيل، وأغفل مقاربة ذلك، بل منعها!
امتنع أوباما عن التعليق على البرنامج النووي الإسرائيلي بعد أن رفض إدراجه على جدول القمة، وكل ما كان منه هو دعوة إسرائيل بتهذيب شديد للانضمام إلى معاهدة حظر الانتشار النووي... وقررت قمته النووية أن تعقد سليلتها القادمة في كوريا الجنوبية، لضمان التركيز على الملف النووي الكوري الشمالي، باعتبار أن هذه الراهنة قد ركزت على الملف النووي الإيراني، وكما لم يدعُ الأميركان الإيرانيين أعلن الكوريون الجنوبيون أنهم لن يدعوا أشقاءهم الشماليين!
يمكن هنا إضافة للمقاربة الأميركية السمجة التي بلغت حدّ الوقاحة واحدة فرنسية، جاءت على لسان ساركوزي، إذ يقول:
"إنني مع عالم افتراضي خالٍ من الأسلحة النووية لكنني لا أستطيع تعريض أمن وسلامة بلدي للخطر"!
والآن، ما الرد الإسرائيلي على دعوة أوباما لحليفته المدللة التي ترعى بلاده كل من آلتي حربها التقليدية والنووية وتغذي ترسانتيهما وتسهم في تطورهما وتضمن تفوقهما، وتضع صاحبتهما في منزلة من هي فوق القوانين والأعراف والمواثيق الدولية وتعصمها من التعرض للمساءلة؟!
قبل الإجابة، لابد من أن نشير إلى حكاية ما وصف ب"تهرب" نتنياهو من حضور قمة أوباما أو رفضه لحضورها، الأمر الذي طبّل وزمّر ورقص له واهمو العرب باعتبار هذه الحكاية مؤشراً لخلاف أوباماوي نتنياهوي أثاره تلكؤ إسرائيل في الإجابة على تساؤلات أوباما حول ما تسمى بالمفاوضات عن قرب، التي لاقتها بتصعيد وتيرة التهويد أو التنصل من اشتراطات انجاحها..إلخ، لنقل، أنه لا مقاطعة ولا تهرب ولا رفض لدعوة كريمة، وإنما هي من نوع مكرمة من نتنياهو خصّ بها حليفه أوباما، تتمثل في إراحته من عبء الحضور، أو هو قرار بعدم احراجه بحضور قد يفتح الباب الذي ليس من السهل غلقه لطرح مسألة الترسانة النووية الإسرائيلية قيد البحث، والمساعدة عبر الامتناع عن الحضور في إتاحة سبل المناورة للداعي الكريم للتهرب من طرح هذه المسألة... كانت خطوة مطلوبة وربما متفقا عليها!
حكاية عدم الرد الإسرائيلي على تساؤلات أوباما السلمية حتى الآن، تعللاً بانتظار الإسرائيليين لمبعوثه ميتشل الذي لم يأتهم بعد، مردها هو ما أوردته صحيفة "هآرتس" ناسبة إياه إلى مصدر رفيع المستوى والقائل: "ليس لدينا ما نقوله له ولهذا فإنه لم يأتِ"... أما الرد على دعوة أوباما المنافقة لإسرائيل بالانضمام إلى معاهدة منه انتشار السلاح النووي، أو الإجابة على سؤالنا الذي طرحناه آنفاً، فكان من نصيب وزير الحرب الإسرائيلي باراك، قال: "لحلفائنا وأصدقائنا نقول إنه لا مكان للضغط على إسرائيل لكي تنضم إلى معاهدة حظر انتشار السلاح النووي"... وحول مسألة سياسة الغموض النووي التي تتبعها، يقول نائب وزير الخارجية داني أيالون: "لم يطلب منا الرئيس أوباما تغييرها في الوقت الحاضر"!!!
وعربياً، وحيال ما تقدم، بقي سؤال يطرح نفسه جائلاً بين المحيط والخليج ولا من يجيب، وهو، أنه، وفي الوقت الذي يجري فيه ما يجري في العراق، ويعد فيه ما يعد في السودان، ويغيب فيه نتنياهو عن قمة أوباما، ويتم فيه شبه الإعلان عن إتمام تهويد القدس، والاصرار على مواصلة الحصار الإبادي لغزة، وإعادة الضفة رسمياً للحكم العسكري الاحتلالي المباشر، وحتى إلغاء غير المأسوف عليها وسيئة الذكر اتفاقية أوسلو الكارثية والسلطة المفترض أنها نجمت عنها عبر قرار إبعاد قرابة السبعين ألف فلسطيني من وطنهم في الضفة المحتلة، أو البدء بالتخلص من الديموغرافيا الفلسطينية بعد أن هوّدت الجغرافيا وصودرت المقدسات، وكله تم ويتم برعاية أميركية، ما الداعي الذي كان للحضور العربي لمثل هذه القمة الأوباماوية النووية العتيدة بمراميها المبيّنة آنفاً، في حين أن لا ناقة نووية لمن حضر من العرب ولا جمل في مثل هذا البازار الكوني الذي هم خارجه نووياً، اللهم إلا إذا هم جلبوا للمساهمة المطلوبة في مظاهرة التحشيد أو الإيهام به ضد إيران، أو كمظهر من مظاهر الاستجابة للإملاءات التي تفرضها حالة الإقرار لدى غالبية النظام العربي الرسمي بقدر الاحتلال الأميركي المبرم للإرادة السياسية العربية؟!