رداً على “سي إن إن” .. ليست أزمة إنسانية بل إبادة جماعية
14-أكتوبر-2024
سمر سامي السمارة
الطبيبة تانيا حاج حسن ترد على وصف المذيعة الأمريكية في قناة “سي إن إن” كيت بولدوان للإبادة الجماعية في غزة بأنها “أزمة إنسانية”, في حالة من المؤكد أنها نادرة، حيث سمحت إحدى وسائل الإعلام الأمريكية لصوت مؤيد للفلسطينيين بتوضيح الحقائق بشأن الجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني ضد الإنسانية في غزة، حيث بثت مؤخراً، قناة “سي إن إن” الإخبارية حلقة نقاشية حول الذكرى السنوية لطوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول 2023، والعدوان الانتقامي المستمر الذي تشنه “إسرائيل” على المدنيين العزل في القطاع .
أثناء المقابلة، أشارت المذيعة كيت بولدون إلى أن قرابة الـ 1200 شخص قُتلوا خلال عملية طوفان الأقصى، على الرغم من أنها لم تذكر أن عدداً من جنود الاحتلال قُتل أو تمت إصابته برصاص زملاء لهم على يد القوات الإسرائيلية في حوادث أخطاء “بنيران صديقة” والاستخدام المتكرر لما يسمى بتوجيهات هانيبال التي قُتل فيها المختطفون لمنع القبض عليهم، حيث يشير التوجيه، إلى أنه يجب على الجيش الإسرائيلي استخدام جميع الوسائل لمنع أسر الجنود الإسرائيليين، حتى لو كان ذلك ينطوي على قتلهم.
كما اعترفت بولدون باستشهاد أكثر من 42 ألف فلسطيني ونزوح مليوني شخص آخرين على يد القوات الإسرائيلية، واصفةً الوضع في غزة بأنه “أزمة إنسانية يائسة”.
ولدى سؤال المذيعة للطبيبة تانيا حاج حسن، وهي طبيبة أمريكية متخصصة في العناية المركزة للأطفال تطوعت لمدة أسبوعين في مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح في وسط قطاع غزة، عن رأيها في أن ما يحدث في غزة هو “أزمة إنسانية يائسة”، ردت حاج حسن، لا يزال الرعب الذي أحدثه الجيش الإسرائيلي بدعم من الحكومة الأمريكية على شعب غزة المحاصر، يصدم الضمير والوجدان، لقد وجدت نفسي في بعض الأحيان مصدومة للغاية مما أشاهده من خلال شاشة هاتفي لدرجة أنني أنسى أن أتنفس. مضيفةً، بصراحة الأزمة الإنسانية هي ما تواجهه عندما تتعرض لإعصار، وما تتعامل معه عندما تتعرض لزلزال، هذه ليست أزمة إنسانية، إنها إبادة جماعية علنية، وأنا سأقولها بكل وضوح حتى يسمعها المشاهدون: هذه إبادة جماعية يتعين على وكالات الإعلام أن تأخذ في الاعتبار دورها الرئيسي في أن ما يحدث هو إبادة جماعية.
تستمر “إسرائيل” في ضرب البنية التحتية المدنية في غزة بثبات ينافس ثبات يد أي جراح، ولكن في هذه الحالة يكون الثبات هو لخدمة الموت وليس الحياة، فعندما يكون 70% من الشهداء هم نساء وأطفال، وعندما يتم حرمان الناس من الغذاء والماء والدواء، وتتكرر الهجمات بشكل يومي على جميع المستشفيات والعيادات ومواقع توزيع المساعدات ووكالات المساعدات الإنسانية التي حاولت تقديم المساعدة، حيث أصبح عدد العاملين في الأمم المتحدة الذين استشهدوا في غزة جراء العدوان الإسرائيلي المستمر على طواقمهم يفوق عدد الذين لقوا حتفهم في تاريخ الأمم المتحدة، وعندما يتم إبادة أكثر من 900 أسرة وشطبها من السجل المدني، فضلاً عن فقدان أكثر من 17 ألف طفل لأحد والديهم أو كليهما، وعندما تكون المخابز ومواقع توزيع المساعدات والكنائس والمساجد والمدارس تحت مرمى النيران والقصف اليومي، ففي الساعات الأربع والعشرين الأخيرة تم قصف المستشفى الذي كنت أعمل فيه شخصياً، أستطيع أن أؤكد لك أنهم يعملون كل ثانية من كل يوم لمحاولة الحفاظ على الحياة، لذا فمن الصعب حقاً سماع ذلك مراراً وتكراراً، بالطريقة التي يتم بها تأطير هذه الجرائم في وسائل الإعلام، والتي، بصراحة، مضللة للغاية، إنها مضللة للغاية.
وتابعت الطبيبة، مضى ثلاثمائة وخمسة وستون يوماً وآلة الموت والدمار مستمرة.. ليس لدينا أي فكرة عن عدد الأشخاص الذين استشهدوا، لكني خائفة حقاً بشأن ما سنكتشفه عندما ينتهي العدوان. مؤكدةً أن كتب التاريخ ستكتب حول هذه الإبادة، حيث سيتعين على البلدان، ووكالات الإعلام أن تأخذ في الحسبان دورها الرئيسي في الإبادة الجماعية لسكان بأكملهم، وفي تدمير القانون الإنساني وسيادة النظام.
من الواضح أن أصوتاً كثيرة ممن تدافع عن الحق، مثل صوت الحاج حسن غابت بشكل متعمد من التغطية الإعلامية السائدة في الولايات المتحدة لأحداث غزة، وذلك إمعاناً في دعم هذه الوسائل “لإسرائيل” بشكل كبير، حتى أنه من النادر أن تورد كلمة “إبادة جماعية”، حتى مع محاكمة “إسرائيل” على هذه الجريمة أمام محكمة العدل الدولية.
على سبيل المثال، طلبت صحيفة “نيويورك تايمز” من الصحافيين الذين يغطون الحرب في غزة تجنب استخدام مصطلحات مثل “إبادة جماعية” و”تطهير عرقي” وحتى “أراض محتلة”، وذلك على الرغم من احتلال “إسرائيل” لفلسطين لأكثر من نصف قرن من الزمان، وحكم محكمة العدل الدولية مؤخراً بأن الاحتلال الإسرائيلي يشكل جريمة فصل عنصري يجب أن تنتهي على الفور.
في معرض حديثه عن المجازر التي ترتكبها “إسرائيل” قال نائب الرئيس التنفيذي لـ “معهد كوينسي لفن الحكم المسؤول” تريتا بارسي مؤخراً، “قد يُغفر لوسائل الإعلام إغفالها قصة مخفية بعناية، وإغفال بعض التفاصيل، ولكن عندما تكون الإبادة الجماعية ظاهرة للجميع وهذه الوسائل تساعد في إخفائها، فإن الغفران ليس مقبولاً. بات واضحاً، أن أي حديث عن الإبادة الجماعية الإسرائيلية أمر مثير للجدال، بل ومحرم في الولايات المتحدة، التي تقدم لحليفتها عشرات المليارات من الدولارات على شكل مساعدات عسكرية وغطاء دبلوماسي، بما في ذلك حق النقض المتعدد لقرارات وقف إطلاق النار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والتي حظيت بدعم ساحق من دول أخرى.
وعلى الرغم من مطالبة الفلسطينيين والأمريكيين الفلسطينيين وجماعات حقوق الإنسان في الولايات المتحدة، من محكمة الاستئناف الأمريكية الدائرة التاسعة إعادة النظر في دعوى قضائية رفعوها ضد الرئيس جو بايدن، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، ووزير الدفاع لويد أوستن لتواطئهم في الإبادة الجماعية في غزة، رفضت لجنة مكونة من ثلاثة قضاة في المحكمة الفيدرالية الدعوى القضائية، التي وجدت فيها المحكمة الجزئية الأميركية للمنطقة الشمالية من كاليفورنيا في وقت سابق أن “المعاملة الحالية للفلسطينيين في قطاع غزة من قبل قوات الاحتلال قد تشكل إبادة جماعية في انتهاك للقانون الدولي”.