سورية... الطعنة الأخيرة
قاسم حسين ... كاتب بحريني
Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com
تصغير الخطتكبير الخط
من الشعوب التي تعثر لديها حراك الربيع العربي ووصل إلى طريق مسدود... الشعب العربي السوري.
بدأ الحراك سلمياً، تفاعلاً مع ما جرى في تونس ومصر من تغيير سريع، أعطى الكثير من الأمل لشعوب عربية أخرى بإمكانية التغيير. واستمر الحراك سلمياً عدة أشهر، قابله النظام بقمع شديد، ومحاولة شراء الوقت بتدشين مشروع حوار غير جاد، ودمغ الحراك الشعبي بالإرهاب.
الانجرار للعنف والمواجهة المسلحة كانت المقتل الأول للحراك الشعبي، فقد ذهبت الثورة إلى الفخ الذي نُصب إليها برجليها، في مواجهة نظام دكتاتوري عنيف. كانت تلك الطعنة الأولى، أما الطعنات الأخرى فجاءت على مراحل، أولها التدخل التركي، من احتضان المعارضة إلى تزويدها بالسلاح، وفتح ممرات لتسلل المقاتلين الأجانب إلى سورية. تركيا التي سيطرت على سورية أربعة قرون، وتركت في ذاكرة السوريين جراحاً غائرةً لا تنسى، تنعكس مثلاً في مسلسلاتهم التلفزيونية حتى الآن، من الصعب أن تقنعهم بأنها ستعمل على «تحريرهم» من قبضة نظام دكتاتوري لوجه الله.
الطعنة الثالثة جاءت من النظام العربي، فالشعب السوري الذي ورث حضارةً عمرها سبعة آلاف عام، من الصعب أن يقتنع بأن دولاً لا تزيد أعمارها على قرن أو نصف قرن، يمكن أن تصدر إليه الديمقراطية، وهي لا تمتلك مجالس منتخبة. ترويج البضاعة بهذه الصورة لم يكن لينطلي على شعب عربي مثقف عريق.
الطعنة الرابعة جاءت من الدول الغربية، التي ينظرها إليها السوريون كدول استعمارية ذات تاريخ عريق في النهب واللصوصية واستعباد الشعوب. ومن الصعب على الشعب السوري أن يقتنع بأن الدولتين اللتين قسمتا المشرق العربي، وتقاسمتا دول الشام بعد الحرب العالمية الأولى، يمكن أن تأتي بعد قرن كامل لتمنحه الحرية والخلاص من النظام مجاناً.
ويزيد الشك أكثر حين تتصدّر بريطانيا وفرنسا، مساعي تزويد الجماعات العسكرية بالسلاح، حتى لو كان في ذلك خروجاً على السياسة العامة والإجماع في الاتحاد الأوروبي. لو كانت النرويج أو الدنمارك أو حتى بلجيكا لأمكن تفهم الأمر، بدوافع ربما تكون إنسانية، أما أن تتصدى فرنسا وبريطانيا للتسليح، فتلك قضية لا يمكن للسوريين هضمها، إلا إذا أرادوا محو ذاكرتهم من الجذور.
النظام السوري، كان يلتقط كل هذه التدخلات العربية والأجنبية، ويوظّفها في معركته الطويلة من أجل البقاء، على حساب تطلعات الشعب السوري في الحرية والعدالة والديمقراطية كبقية شعوب الأرض.
السوريون يعرفون اليوم أن آمالهم المشروعة في التغيير، قد وصلت إلى طريق مسدود، ويعرفون أيضاً أن الوضع الحالي هو الأفضل للقوى الغربية وللولايات المتحدة ولـ «إسرائيل». وواهمٌ من يظنّ أنه سيتم الحسم سريعاً، فالمطلوب دولياً استمرار نزف الدم العربي السوري، واستمرار تدمير سورية، بنيةً تحتيةً وجيشاً واقتصاداً ودولة، وهو الوضع الأمثل للقوى الغربية و«إسرائيل».
الطعنة الأخيرة للشعب السوري، حين أعلن تنظيم القاعدة في العراق عن تبعية تنظيم النصرة له، الذي حاول بدوره الهروب من هذه «التهمة»، بإعلان مبايعته لزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري مباشرةً، كمن يحاول التخلص من تهمة السرقة بالاعتراف بجريمة القتل! والشعب السوري لم يكن مستعداً للتخلص من نظام علماني ليحكمه حركات إسلامية متطرفة لا تملك مشروعاً سياسياً غير العنف والدمار.
سورية قضية تؤلم ضمير الشعوب العربية، بين شعبٍ يطمح إلى حريته، ودولةٍ تواجه حرب تصفية حسابات، ونظامٍ يُعاقَب لدعمه قوى المقاومة ضد «إسرائيل»، ومجاميع من المقاتلين المتنقلين تتخلص منهم بلدانهم بقذفهم في المحرقة السورية.
قاسم حسين
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3872 - الأحد 14 أبريل 2013م الموافق 03 جمادى الآخرة 1434هـ