القائد القسّامي الشهيد عادل هنية
"نموذج في العطاء والكرم والعبادة والجهاد والتضحية"
غزة ـ خاص
ما أن علا صوت التكبيرات في مساجد مخيم الشاطئ في قطاع غزة، معلنة عن ترجل أحد فرسانها البواسل، حتى سرى شعور بين أهالي المخيم، بأن المصاب جلل.. وما أن عُرفَ أن الشهيد القسامي هو عادل هنية حتى ذرفت الدموع في شوارع وأزقة ومنازل المخيم..عادل هنية أحد أبرز الشبّان في المخيم، والذي امتلك على الدوام حضوراً مميزاً وشخصية جذابة حظيت بمحبة واحترام وتقدير الآخرين.. شأنه في ذلك شأن خاله الشيخ إسماعيل هنية عضو القيادة السياسية لحركة المقاومة الإسلامية "حماس".
الإيمان والوعي
لم يكن عادل هنية، ابن مخيم الشاطئ، يتجاوز الخمسة عشر عاماً حين انطلقت الانتفاضة الأولى في العام 1987، رغم ذلك، فقد كان يدرك أن لا همّ أمام الشعب الفلسطيني يُقدّم على همّ دحر الاحتلال.. ومنذ ذلك الحين أخذ وعي الفتى بالتشكّل في مساجد المخيم، وقربه من خاله الشيخ إسماعيل، وإن كانت المساجد قد رسّخت في قلب الفتى الإيمان، فإنه خاله قد زرع الوعي في عقله.. وما أروع أن يكتمل الإيمان والوعي في صدر الشاب المسلم.. وما أعظم أن يتوجه ذلك كله بعلم ينتفع به.. لهذا حرص عادل على إكمال بلورة شخصيته من خلال إتمامه دراسة أصول الدين من الجامعة الإسلامية بغزة.
ويقول أحد رفاقه: منذ الانتفاضة المباركة الأولى في العام 1987م بدأ نجم عادل يبزغ في مخيم الشاطئ، وكانت شهرته في البداية مستمدة من شهرة خاله الشيخ إسماعيل، ومما زاد الربط بينهما، التزامه الشديد، وصوته العذب في قراءة القرآن ودروسه الروحانية العالية وهمته التي لا تهدأ وعزمه الذي لا يلين.. وما أن انطلقت "انتفاضة الأقصى" في أيلول سبتمبر 2000م حتى بدأت شهرته تزيد، فقد أصبح أحد أبطال القسام الواعدين وأحد الدعاة اللامعين، كما أصبح أحد صور الوحدة الوطنية الزاهية في مخيم الشاطئ، حتى أنه كان يفصل في النزاعات التي كانت تنشب بين الفصائل، وهو ما زاد من حب واحترام الآخرين له.
ويضيف قائلاً: في مطلع الانتفاضة وبعد جرائم الاغتيال الصهيونية التي استهدفت قادة "حماس" السياسيين أصبح عادل مرافق خاله الشيخ إسماعيل، وما لبث بعد فترة أن أصبح أحد القادة الميدانيين لكتائب الشهيد عز الدين القسّام.
من القلب إلى القلب
لم يكن المجاهد عادل هنية بالنسبة للشيخ إسماعيل هنية مجرد ابن أخت، كما لم يكن مجاهداً قد جمعته به ساحات الوغى، وليس فقط مرافقاً له أملته الضرورة التنظيمية، وإنما كان مقلة العين وسويداء القلب ودرة التاج، ويقول الشيخ إسماعيل هنية عن المدة التي قضاها المجاهد عادل مرافقاً له: "اخترته كمرافق لأمر القرابة بيننا رغم أن كل أبناء الحركة والشعب هم أبنائي، إلا أنه كان بالفعل أحد أبنائي الذين خصصتهم بعنايتي وتربيتي منذ صغره فقد تربى في بيتنا وفي حجرنا فكان محباً للعائلة جميعاً كما كان محبوباً منها جميعاً؛ فهو يمتاز بالأخلاق الحسنة الرفيعة، وبالأدب الجم، وبالحياء، كما امتاز بعبادته فشهدت له مساجد عدة في قطاع غزة خاصة في ليالي القدر والعشر الأواخر من رمضان فقد كان بكّاءً في صلاته ودعائه، لقد كان عادل رحمه الله نموذجاً في العطاء والكرم والعبادة والجهاد والتضحية، فعاش مجاهداً ومات شهيداً رحمه الله تعالى، وقد كانت شهادته شرف عظيم لعائلة هنية قاطبة، وهو بشهادته إنما مضى على سيرة إخوانه الشهداء الذين عشقهم وعشقوه، فقد ندب حظه أنه لم ينل الشهادة وها هو قد نالها في ميدان الجهاد والمقاومة ليؤكد أنه من الصادقين نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا".
ويضيف هنية "لقد كان دوماً تواقا للشهادة ويتعرض لها ويبحث عنها، كان دائما يتهيأ للقاء الله.. ثم صمت هنية قليلا واغرورقت عيناه بالدمع، وقال بصوت الأب المودع لابنه: سأشتاق إليه كما ستشتاق إليه مساجد غزة".
خيركم خيركم لأهله
لم نطرق باباً من أبواب قلوب أهل عادل إلا وجدناه متربعاً داخله، ولم نسأل أياً منهم إلا وقال كان خير الناس بأهله، فشهدت له زوجته التي أمضت معه أربع سنوات وأنجبت منه ثلاثة أبناء هم: حمزة ونضال والطفلة بيان التي لم تتعد الشهر ونصف يوم استشهد أباها.
تقول أم حمزة:"كلما كنت أبكي خوفاً عليه وهو خارج للجهاد كان يقول: الجهاد لا ينقص من عمري شيئاً، ثم تمضي تقول: لم أره يهتم بمظهره كما رأيته يوم استشهد، وكأنه يوم زفافه، ولا أنسى قوله لي قبيل استشهاده أنا قلق من أن تنتهي الانتفاضة وتستمر الهدنة قبل أن أستشهد، وكان دائماً يدعو الله أن يتمزق أشلاءً في سبيله".
وتتابع زوجته قائلة: "لقد عشت معه أربع سنوات من أجمل سنين العمر، فلم أسمع منه كلمة تغضبني يوما".
أما أخته أم إسماعيل فتقول: "لا أستطيع أن أصف إنسانيته وحنانه لأمه وزوجته وأخواته وإخوته ولكل من عرفهم، فحتى دعوته لنا وحثنا على العبادة كانت تنطلق من حبه وحنانه".
وتضيف أم إسماعيل: "لم أنس ليلة زفافي كيف جلس معي من بعد صلاة العشاء وحتى صلاة الفجر وهو يحثني على طاعة زوجي وتعليمي واجباتي".. وتتابع قائلة: "لقد كانت كل حياة عادل حلوة وكل من عايشه تنعم براحة كبيرة"، ثم وصفت لنا أم إسماعيل أخلاقه المميزة التي تتسم بالتواضع والخجل والبراءة في التعامل "أكثر شيء رأيته أحزن عادل هو انتهاء عمله مع خاله إسماعيل، وحينها قال لها: "يوم انتهى عملي معه كأن شيئاً انتزع من صدري". وتضيف أخته وقلبها يملأه الحزن: "وأنا أسير في الشارع يوم استشهاده سمعت الخبر من مكبرات المساجد فرأيت كيف أن الشباب قد صدموا من الخبر وكأنه كان أخاً للجميع وليس لي فقط. أما ابنة عمه أم محمد فتقسم بالله لترسلن أبناءها للأخذ بثأره من الصهاينة، وأن تلزمهم على السير في دربه.. فقد كان عادل ـ رغم أنه لم يتجاوز التاسعة والعشرين ـ القدوة لكل الأطفال والفتية الذين عرفوه أو الذين التقوه"
أكون قسّامياً أو لا أكون
يقول أبو غازي أخو الشهيد عادل: "لقد اعتقلت سنة 1989م وكان عمره حينذاك 11 عاماً، وبعد أن خرجت من معتقلات الاحتلال وجدت عادل شاباً يافعاً يتلو كتاب الله ويؤذن في المساجد، كما كان صواماً قواماً، كل من يصلي خلفه يخشع ويبكي.. كان يخطب في المساجد.. ويدعو الشباب.. ويؤم في التراويح، وهو إلى هذا الجانب الإيماني، كان قوياً مقارعاً منذ صغره، فقد أصيب في انتفاضة 1987م في بطنه رغم صغر سنه، كما اعتقل وعُذِّبَ في سجون "السلطة".
ويتابع أبو غازي قائلاً: "رغم أنه أخي إلا أنني لم أكن أعرف شيئاً عن عمله في كتائب القسّام؛ فقد كان يتمتع بسرية عالية، إلا أن أحد مجاهدي كتائب القسام قال لي بعد استشهاده: إن عادل كان بارعاً في تصنيع الصواريخ، كما علمت أنه كثيراً ما كان يخرج للرباط وملاقاة العدو في الاجتياحات".
ويشير أبو غازي إلى أن الشهيد عادل كان من أشد المتعلقين بالشهداء خالد أبو سلمية وسهيل أبو نحل وسعد العرابيد ويحيى الغول، ويقول: "رأيته يجلس على قبر خالد أبو سلمية ويبكي ويقول ليتني كنت معك".. ومن شدة هذا التعلق بهم يقول أبو غازي: "لو لم يستشهد عادل قبل الانسحاب لمات بجلطة أو سكتة بعد الانسحاب حزناً على فوات الشهادة.. وهذا هو سبب تمسكه بالقسّام، حيث أنه قال حين عرضت عليه وظيفة التدريس العام الماضي: على جثتي أن أترك عملي في القسام، وحين كنا نقول له ماذا ستفعل بعد الانسحاب؟! كان يرد علينا بأنه سوف يحرر الضفة والقدس وباقي فلسطين كل فلسطين".