الشهيد القسّامي مراد القواسمي:
استشهد مُقبِلاً وابتسامة بيضاء تعلو ثغره
الخليل ـ خاص
بقلب الأم التي ما دفعها جزعها إلا أن تقول "ربي أجرني في مصيبتي واخلفني خيرا فيها" جلست والدة الشهيد مراد القواسمي بين النساء وهي تحتضن حبيبها الذي عاد للتو محمولا على أكتاف المشيّعين حيث سجي أمامها وقد عانقته وهي تنشد له نشيد الزفاف الأخير إلى جنات الخلد وهي على تجربة سابقة مع الشهادة لقد أخذت تنشد له كأنما تزفه إلى الحور العين وهي تقول لمن حولها هذا ما أراده مراد فدعوني أزفه على الطريقة التي اختارها.
زفّوا الشهيد وخلوا الزفة على السنة
زفوا الشهيد لبيتوا الثاني في الجنة
زفوا الشهيد بجرحوا بدموا بثيابوا
عفر اجبينوا إياكم تنفضوا ترابوا
فهذه الأم لم تكن الخنساء الأولى على أرض الخليل فقد سبقتها والدة الشهيدين طارق وجهاد دوفش وكذلك والدة الشهيدين باسل وحاتم القواسمي، ووالدة الشهيدين أحمد وولاء الدين هاشم سرور وغيرهن ممن صنعن سفر المجد الإسلامي بأيديهن وصبرهن.
لقد كان يعلم أن لقاءه مع الشهادة قريب وحياته لا يشرفها إلا صدق الانتماء لحماس والانضواء تحت راية القسام، فزادته هذه الطريق شرفا على شرف ورفعة إلى رفعة، فهو فرع من عائلة مجاهدة ضربت جذورها في أعماق الأرض وانطلقت فروعها في عنان السماء فلم يكن غريبا على هذا الشبل أن يختار هذه الطريق فكان له ما أراد.
وتقول والدة الشهيد مراد إن بطلها بدأ حياته بقصة غريبة مع الموت فقد توجهت وهي حامل فيه في الشهر الخامس إلى أحد المشافي وقد اخبرها الطبيب بان جنينها ميت وان عليها أن تقوم بإسقاطه وتضيف أنها أخبرت الطبيب أنها تحس بحركته فقال لها الطبيب أن الجنين ميت ويعوم في بطنها ولم تيأس صاحبة العزيمة القوية والإرادة الفتية ،فقد ذهبت إلى مركز طبي آخر ولكنه اخبرها أن الجنين لا يزال على قيد الحياة وان سبب النزيف الذي تعاني منه ضربة خارجية.
ويولد مراد بتاريخ 20/6/1979 ويعيش طفولته في أحضان أسرة لها حبها للوطن وانتمائها للإسلام فكانت طقوسه اليومية صلاة وذكر، يلبس القناع ويحمل المقلاع ولعبته المفضلة العسكر والفدائية كان رحمه الله حثيث الخطى للمساجد بشوش الوجه لا تفارق الابتسامة شفتيه، ربطته محبة وثيقة بمسجده و للشهداء القادة الياسين والرنتيسي وعلاقة حميمة بالقائد القسامي باسل القواسمي الذي استشهد قبل ما يقارب العام وثلاثة أشهر في مواجهة مسلحة مع جنود الاحتلال في منطقة الحاووز جنوب الخليل ولم تفارقه هذه المحبة حتى انه كان يقول "أموت قبل أن أنسى باسل القواسمي".
لم يكمل الشهيد تعليمه العالي بل توجه للعمل بعد التوجيهي في مجال الكهرباء وكان يعمل في محل متواضع للعائلة .
تزوج الشهيد مراد بتاريخ 11/6/2000 ورزق بابنه البكر أحمد الذي سماه على اسم شقيقه أحمد علي القواسمي الذي استشهد بتاريخ 11/12/2000 على أيدي جندي صهيوني في حادث مأساوي حيث قام جندي حاقد بالإمساك به.
بعد إصابته وأطلق النار على رأسه في منطقة باب الزاوية وهو لم يتجاوز 14ربيعا ولا يزال أحمد الصغير يجلس كما يجلس عمه الشهيد ويضع يده على خده ويقول اسمي أحمد مراد القواسمي... كما رزق الشهيد مراد بطفلة أخرى اسماها آلاء وترك زوجته حاملاً في الشهر الخامس.
وبتاريخ 15/5/2003 اعتقلت سلطات الاحتلال مراد ووجهت له عدة تهم منها العضوية في حركة حماس وأنه على علاقة بخلايا الشهيد عبد الله القواسمي الذي أقام قاعدة عريضة لكتائب القسام في الخليل أفشلت كافة محاولات الاحتلال لتحطيمها والقضاء على بنيتها التحتية.
تم تنظيمه لكتائب القسّام عن طريق المجاهد محسن القواسمي الذي استشهد في إحدى عمليات القسام خلال اقتحامه لمغتصبة "كريات أربع" في الخليل.
وقد حكمت عليه سلطات الاحتلال بالسجن لمدة عام وستة أشهر وقد أفرجت عنه بعد أن قضى مدة سنة وشهرين بموجب قانون شليش بتاريخ 15/5/2004 أي قبل خمسة أشهر من مطاردته.
وتقول زوجته أم أحمد "إنه خرج من السجن فكان هادئا قليل الكلام أظهر محبته العميقة للجميع وكان كثير الحديث عن الشهادة".
إذا استشهدت فسوف أشفع لزوجتي أم أحمد
أحمد مراد القواسمي ابن الشهيد مراد القواسمي
وتقول والدته إن مراد قال لها قبل مطاردته بأيام قليلة إنها ضمنت الجنة ! فقالت له كيف يا مراد؟! فقال لها: إن اثنين من أبنائك يحفظون القرآن ولك ابن شهيد يشفع لك، أما أنا فإذا استشهدت فسوف أشفع لزوجتي أم أحمد وسوف أضع يدي بيدها هكذا ثم أدخلها الجنة"، وتضيف شقيقته أم بهاء: " كان مراد يفتعل المواقف المضحكة حتى يدخل السرور على قلبها حتى إنه كان يحضر لها الطعام على السرير حينما كانت تزوره في منزله".
وتقول شقيقته أم بهاء: "إن أمه كانت تقبله كثيرا حينما تسلم عليه حتى إنه كان يقول لها حسبك هذا يكفي،، وعندما قامت بتوديعه بعد الشهادة ضمته إلى صدرها وأخذت تقبله بحرارة حتى كأنها سمعت هتافه وهو يبتسم: حسبك يا أم بهاء".
أما شقيقته فداء وهي أكثر المقربين إلى قلبه فقالت "إن مراد حضر إفطار للعائلة في بيت شقيقه حسن في أول يوم في رمضان وهو اليوم الذي بدأت مطاردة سلطات الاحتلال له وكان يضحك ويقسم لها الطعام ويضع اللقمات في فمها وهي تضع اللقمات في فمه".
وتذكر زوجته أم أحمد أنها عاشت معه ثلاث سنوات لم يغضبها بكلمة واحدة ؟ وتضيف قائلة "كان يقول إذا أنجبت ولدا فسوف أسميه باسل تيمنا بالشهيد باسل القواسمي فكنت أقول له أريد اسما آخر، وهل ستسمي أبناءك جميعهم على أسماء الشهداء؟، فقال لها وما يدريك لعلك تسميه مراد".
وتضيف والدته قائلة: "إن مراد كان كتوما لا يتحدث كثيرا عن السياسة ولا يحب الجدل والغيبة والتميمة إنما كان يهتم كثيرا لسماع الأخبار ويسعد بالعمليات الاستشهادية وكان إذا دخل البيت يراقبه جيدا من النوافذ والأبواب وكان يبدوا باستمرار على حذر".
المطاردة
وبعد اعتقال القائد القسامي (عماد القواسمة ) قائد كتائب القسام في الخليل قبل شهر ونصف تقريبا جاءت سلطات الاحتلال لاعتقاله ولم يجدوه فبدأت بمطاردته منذ الأول من شهر رمضان 16/10/2004 وللضغط عليه قامت سلطات الاحتلال باعتقال والده علي درويش القواسمي وأشقاءه حسين وحسام ومحمد ومحمود وحجازي ولا زالوا في سجون الاحتلال بالإضافة إلى زياد المعتقل في سجون الاحتلال منذ ثلاث سنوات ولا يزال معتقل بدون محاكمة.
وفي وقت سابق تعرضت العائلة لشتى ظروف الاعتقال فقد اعتقلت سلطات الاحتلال شقيقه حسام الذي أمضى ما يقارب الثماني سنوات في سجون الاحتلال وخرج قبل ما يقارب من عامين وكان يعاني من إصابة في يده لا يزال يعاني منها ثم عادوا واعتقلوه قبل استشهاد مراد بيومين.
كما اعتقلت سلطات الاحتلال أيضا شقيقه حسين بعد إصابته برصاص الاحتلال في الحوض ولا يزال يعاني منها وحكمت عليه بالسجن لمدة عشر سنوات أمضاها بين معتقلات الاحتلال.
الاستشهاد
يوم الأربعاء 25/11/2004 توجهت قوة عسكرية صهيونية إلى حي المسكوبية غرب مدينة الخليل وحاصرت بناية للمواطن نزار شحادة مدير الجمعية الخيرية الإسلامية في الخليل منذ الساعة العاشرة ليلا وحتى الساعة الرابعة عصر الخميس وخاض أفراد المجموعة اشتباكا مسلحا مع أفراد القوة العسكرية واستشهد المجاهدان مراد علي القواسمي (26عاما) والشهيد عمر هاشم الهيموني (21عاماً) وبعد استشهادهما خرج مجاهد ثالث شاهر رشاشه وقام بإطلاق النار على أفراد القوة وقد أصيب المجاهد بجروح خطيرة وهو الجريح إياد أبو اشخيدم وهو شقيق المجاهد "الحمساوي" حمزة أبو اشخيدم واستشهد في الانتفاضة الأولى.
وبعد العملية العسكرية قامت جرافة صهيونية بهدم منزل الأستاذ شحادة والمكون من طابقين وقامت بتسويته على محتوياته بالأرض ثم أخذت جثث الشهداء وما لبثت أن أعادتهم إلى ذويهم.
وتقول والدة الشهيد "بالرغم من أن مراد كانت بشرته تميل إلى السمرة إلا أنني شاهدت كأن نورا يصعد من وجهه وأصبح لونه شديد البياض تعلو ثغره ابتسامة جميلة وقد تمت مواراته في مقبرة سيد الشهداء القريبة من جامعة الخليل".