ناشط إلكتروني يتحدى الإدارة الأميركية
الناشطون الإلكترونيون يدخلون عهداً جديداً ويثبتون أنهم قادرون على تحقيق ما يعجز عنه الناشطون التقليديون... وهذا ما يفعله بالضبط «جوليان أسنغ»، مدير موقع «ويكي ليكس» وهو موقع متخصص في إفشاء الأسرار السياسية والعسكرية التي تود الحكومات إخفاءها، ولكنها مهمة من أجل الصالح العام ويجب إفشاؤها. وفي هذه المرة فقد ذهب إلى أبعد من ذلك، واتفق مع ثلاث صحف، وهي «نيويورك تايمز» الأميركية، و«الغارديان» البريطانية، و«دير شبيغل» الألمانية لنشر وثائق سرية مستمدة من آلاف الرسائل والتقارير الإلكترونية الخاصة بالقيادة العسكرية الأميركية. القضية تتطور يومياً، ولاسيما بعد اقتناع ثلاث صحف عالمية بأن نشر هذه الوثائق السرية يصب في الصالح العام، وأن على الجميع أن يعرف حقيقة ما يدور على الأرض في أفغانستان وباكستان ، والعراق، وغيرها من المناطق التي تنشط فيها أميركا عسكرياً في الوقت الحالي، وقد بدأت «الغارديان» بنشر الوثائق ابتداءً من 26 يوليو/ تموز 2010.
نبدأ بالناشط الإلكتروني جوليان أسنغ (39 عاماً)، فهو أكاديمي أسترالي متخصص في الرياضيات والفيزياء، وكان أبوه قد تعرف على أمه أثناء تظاهرة ضد الحرب الأميركية في فيتنام، وهو بعكس الناشطين الإلكترونيين الآخرين، فهو يحمل كمبيوتراً كاملاً (وليس لابتوب) في شنطته على ظهره، ويعيش متنقلاً وتخفياً، بعد أن أسس موقعاً إلكترونياً اسمه «ويكي ليكس» متخصص في نشر التسريبات والوثائق السرية التي تقوم بها الأجهزة العسكرية والمخابراتية الأميركية (وغيرها إذا تطلب الأمر)، وذلك لاعتقاده أن على الناس جميعاً أن يعلموا خفايا وحشية تنفذ باسمهم.
المخابرات الأميركية بدأت تحقيقاً في 18 فبراير/ شباط 2010 عندما نشر الموقع المذكور مذكرة سرية صادرة من السفارة الأميركية في آيسلندا تحتوي على شكوى قادة آيسلندا من إجراءات الحكومتين البريطانية والهولندية ضد آيسلندا بعد انهيار مصرفها الرئيسي. وفي 5 أبريل/ نيسان 2010 تفاجأت الإدارة الأميركية بمؤتمر صحافي في واشنطن يعقده الناشط الإلكتروني جوليان أسنغ وينشر لقطات فيديو تظهر كيف قتلت القوات الأميركية مجموعة من المدنيين العراقيين، من بينهم اثنان يعملان لدى وكالة «رويترز»، في العام 2007، وأن الهدف كان مدنياً واضحاً. وفي 26 مايو/ أيار 2010 اعتقلت القوات الأميركية في بغداد أحد ضباط المخابرات العسكرية الأميركية وهو «برادلي مانينغ» (22 عاماً) وأحالته للمحاكمة العسكرية بتهمة تسريب وثائق خاصة بالقيادة الأميركية، وذلك بعد أن أخبر عنه «هاكر» أميركي اسمه «أدريان لامو» كان قد تسلم بعضاً من تلك الوثائق من الضابط الذي أوصل له بعضاً منها قائلاً: «إن على الناس أن يعرفوا حقيقة ما يجري».
وبعدها أعلنت وزارة الدفاع الأميركية أنها تبحث عن الناشط الإلكتروني جوليان أسنغ، وعليه تحركت الصحف الرئيسية، واستطاعت «الغارديان» الالتقاء به في مقهى في العاصمة البلجيكية (بروكسل) أثناء توجهه للتحدث في البرلمان الأوروبي. وعندما التقت به «الغارديان» قال لها إن لديه «ملايين الملفات الإلكترونية، وعليه قامت الصحيفة بإيكال مهمة الاطلاع على الملفات لمتخصص في هذا المجال، واستطاع التعرف على أسرار خطيرة اقتنعت الصحيفة أنه يجب نشرها. وقبل أن تنشرها، تم إيكال جميع المعلومات إلى صحيفتي «نيويورك تايمز» و«دير شبيغل»، وبعد ذلك، في 26 يوليو 2010، نشرت «الغارديان» 14 صفحة من هذه الوثائق التي بدأت تأخذ مجالها وأثرها المتوقع، ولاسيما أن هناك المزيد ينتظر النشر.
في 28 يوليو 2010 انتقد وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس بشدة عملية تسريب عشرات الآلاف من الوثائق المتعلقة بعمليات الجيش الأميركي في أفغانستان، معتبراً أن ذلك سيكون له «عواقب وخيمة على حياة الجنود الأميركيين في ساحة المعركة»، كما حذر من إمكانية أن تضر المعلومات المنشورة بعلاقة الولايات المتحدة مع حلفائها في المنطقة... ومازلنا في بداية عصر جديد دشنه ناشط إلكتروني اسمه جوليان أسنغ.
منصور الجمري
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 2885 - السبت 31 يوليو 2010م الموافق 18 شعبان 1431هـ