تقرير بسيوني... القبض على مواضع الألم؟
على مدى خمس وأربعين دقيقة، ألقى البروفيسور العربي المصري محمود شريف بسيوني كلمته بعد ظهر أمس، في حفل إطلاق التقرير النهائي لـ «لجنة تقصّي الحقائق المستقلة» في البحرين.
جاء بسيوني إلى بلدٍ يعيش أجواءً مشحونةً على إثر أزمةٍ سياسيةٍ حادة، وبدأ بفريق عملٍ قابَلَ مختلف الأطراف، واستمع إلى آلاف الشهادات، وقدّم الخلاصة أمام الجميع.
لم يقدّم بسيوني حلاً ولا اقتراحاً بحلٍّ سياسي، ولم تكن تلك مهمته. طُلب منه أن يكون «محقّقاً مستقلاً» ليقول لنا ماذا حدث وكأننا لم نعشه أو نراه. لقد شُطر البلد شطرين بسكين حادة، وأقيمت بينهما حواجز نفسية تحتاج إلى سنوات لتزول.
بدأ الرجل عمله وسط توجسات وشكوك كبيرة، انطلاقاً من فكرة التعيين، وزادتها حدةً التصريحات التي أخذ يدلي بها للصحافة في بدايات عمل اللجنة، وبعضها كان يشوبه نوعٌ من التضارب. وكانت بعض الجهات تجيّرها لصالح قراءتها للحدث، فتقوم بتسريبها عمداً عبر الصحافة أو مواقع التواصل الاجتماعي، بهدف طمأنة بعض الأطراف، لكنها بالمقابل تثير أطرافاً أخرى، فتهيّج مزيداً من التوجسات والضغوطات.
الرجل اعترف بوضوحٍ بما واجهه من ضغوطٍ شديدةٍ محلية ودولية، فأعلن في إحدى الفترات الامتناع عن الإدلاء بأية تصريحات، واستمر ملتزماً بالصمت لأكثر من شهرين، ولكنه مع اقتراب موعد إطلاق التقرير عاد للتصريح، ولكن لصحفٍ عربية وأجنبية. الضغوط التي تحدّث عنها ربما تسبّبت أيضاً في تأجيل إطلاق التقرير إلى يوم أمس، بعد أن كان مقرّراً إطلاقه الشهر الماضي.
كثيرون لم يتوقعوا أن يأتي التقرير بهذا السقف. تحدّث بوضوحٍ عن الكثير من التفاصيل التي كان يختلف عليها البحرينيون. سمّى الكثير من المسميات بأسمائها. تحدّث عن انتهاكات حقوق الإنسان على نطاقٍ واسع، وعن التعذيب الذي طال أعداداً كبيرةً من المواطنين، وعن الاستخدام المفرط للقوة ضد المتظاهرين؛ وعن أساليب التعذيب المرصودة من الصعق بالكهرباء والحرمان من النوم واللكم والضرب بخراطيم المياه. أمورٌ لم يعد ممكناً الكتابة عنها خلال الأشهر الماضية رغم وفرة المعلومات، وذلك خوفاً من التجريم والتهم والاستعداء.
رئيس لجنة تقصي الحقائق قال إن الاعترافات التي انتزعت من الموقوفين تحت التعذيب والإكراه، تم الاستناد إليها في المحاكمات لإدانتهم، وإن الأفعال التي مورست ضدهم تندرج ضمن تعريف التعذيب المنصوص عليه في اتفاقية مناهضة التعذيب، وإن عدم محاسبة المسئولين الأمنيين أدى إلى انتشار ثقافة عدم المحاسبة والثقة بعدم التعرّض للعقاب.
أشد المقاطع إيلاماً في كلمته بالنسبة لي كبحريني، حين قال إن التعذيب شمل الاعتداءات اللفظية والتهديد بالاغتصاب وإهانة الطائفة الدينية للمسلمين الشيعة وهدم مساجدهم، وقابلها إساءاتٌ وانتهاكاتٌ أخرى طالت المسلمين السنة والمغتربين. مؤسفٌ أن يأتي محقّقٌ من الخارج ليدلنا على ما تردينا إليه من قاع، فلم نعد شعباً بحرينياً واحداً كان يُضرب به المثل في التسامح والانفتاح، بل أصبحنا أشتاتاً من طوائف وتجمعاتٍ قبليةٍ وعرقيةٍ منكفئةٍ على ذاتها في غيتوات صغيرة تُقاس بالأمتار.
لجنة تقصّي الحقائق جاءت لتصارحنا بما فعله الإعلام بالنسيج الاجتماعي من تمزيق، حين أطلق العنان لأشخاصٍ غير مؤهلين لحمل رسالةٍ وطنيةٍ جامعة، فأوغلوا تمزيقاً في الوطن، وتدميراً لجسور الثقة، وتهييجاً للنفوس والأحقاد.
التقرير تحدّث عن قطع بعثات مئات الطلاب الجامعيين، وقطع أرزاق آلاف الموظفين من مختلف الوزارات والشركات التي أخذت لجان تحقيقها في التباري والتباهي بفصل المزيد من «الخونة» و «المجرمين» و «العملاء».
كم كان صعباً أن تشاهد بثاً مباشراً على كبرى فضائيات العالم، تسمع فيه الدنيا ما جرى في بلادك من انتهاكات؟
قاسم حسين
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3365 - الخميس 24 نوفمبر 2011م الموافق 28 ذي الحجة 1432هـ