تحصين الجبهة الداخلية عبر الإصلاح
تحدث أمس رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية الأمير تركي الفيصل في مؤتمر «الأمن الوطني والأمن الإقليمي لمجلس التعاون» وأشاد بـ «بادرة لجنة تقصّي الحقائق واستقلالية عملها وقرارها والتزام قيادة البحرين بتنفيذ توصياتها». ووصف هذه البادرة بـ «البلسم الذي سيشفي الجرح الدامي في هذا البلد الطيب»، موضحاً أن الشعبَ البحريني نسيجٌ إنسانيّ فريدٌ جمعه التاريخ الطويل على أرض هذه الجزيرة لكي يستمر، كما كان دائماً، نبراساً للتعايش والتعاضد الحضاري بين أعراق شتى وديانات عديدة ومذاهب تجمعها كلمة «أنا بحريني».
ولابد من توجيه الشكر للأمير تركي على هذه الملاحظة، وكذلك على إشارته بـ «إننا في دول مجلس التعاون منكشفون استراتيجياً في مجالات كثيرة: عسكرية واقتصادية وأمنية وسكانية وتنموية... وعلينا لنكون آمنين في أوطاننا أن نُحَصِّنَ جبهتنا الداخلية بمزيد من الإصلاح؛ إصلاح الخلل البنيوي في اقتصاداتنا لتكون اقتصادات وطنيةً يجني ثمرةَ ازدهارها مواطنونا، وترسيخ مفهوم المواطنة كأساس لعلاقة المواطن بالدولة، وتوسيع دائرة المشاركة في نظمنا السياسية، وكذلك عملُ كل ما يرقى بمجتمعاتنا وشعوبنا لتكون قادرةً على مواجهة كل أنواع التحديات السياسية والأمنية التي تفرضها الأوضاع الإقليمية».
نعم، إن أمامنا فرصة سانحة - بحرينياً - للاستفادة ممّا ورد من توصيات في تقرير بسيوني، بأن نباشر تنفيذها من دون تأخير أو تحوير أو قلب الأمور رأساً على عقب، وإننا جميعاً يجب أن ننطلق كأبناء مجتمع واحد بنسيج متداخل ومتماسك، وذلك خلافاً لما يطرح البعض من الذين يسيرون على نهج يؤدي إلى تشطير المجتمع، وتحويل البلد الواحد إلى بلدين؛ إذ إن هذا البعض يبدو وكأنه يسير على طريق سيؤدي في نهايته إلى القول: «لكم بلدكم، ولي بلدي». ولأننا بلد صغير، فإن تداعيات هذه النفسية الانفصالية لن تكون مؤقتة، وإنما ستشكل أرضاً خصبة لتوترات مزمنة لا تنتهي بخير لأحد.
إن عقلاء البحرين والخليج كثيرون، والأمير تركي تحدث عن ضرورة تحصين جبهتنا الداخلية عبر مزيد من الإصلاح، وترسيخ مفهوم المواطنة (بدلاً من مفهوم الانتساب للقبيلة أو الطائفة أو العرق) كأساس لعلاقة المواطن بالدولة.
إن أخطر ما يهدد أمن بلد ما، هو أن تشعر فئة منه، صغيرة كانت أو كبيرة، أنها مستهدفة في وجودها، ونحن بحاجة إلى إزالة هذا الشعور لدى كل الفئات، وسواء كان هذا الشعور صحيحاً وله مستمسكات وأدلة، أم إنه متوهّمٌ، فإن النتيجة واحدة. نحتاج إلى خطاب معتدل جامع لكل الفئات، ونحتاج إلى مصالحة تبدأ بتنفيذ توصيات بسيوني من دون لفٍّ أو دوران. نعم، إن تحصين الجبهة الداخلية يأتي عبر «الإصلاح»، وبمعنى آخر عبر «الحل السياسي»
منصور الجمري
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3420 - الأربعاء 18 يناير 2012م الموافق 24 صفر 1433هـ