ضحايا السكلر ومسئولية المجتمع
ليس من الحكمة ادعاء الحكمة بأثرٍ رجعي، أو إلقاء المواعظ الثقيلة على مرضى يتضوّرون ألماً في العنابر المظلمة بانتظار أن يتخطّفهم الموت، تحت سمع وبصر وزارة الصحة.
إن آخر ما يحتاجه مرضى السكلر أن يسمعوا محاضرةً عن الزواج! وقبل أن نلقي عليهم مواعظ عن اجتناب زواج الأقارب، كان على الطاقم الإداري أن يكشف للرأي العام أسباب وفاة أربعة شبان في يوم واحد.
ليس منا من جاء إلى الحياة باختياره، فكلنا في ذلك مسيَّرون. كذلك مرضى السكلر (أو غيره من الأمراض الوراثية) لم يُولدوا بجينات تحمل المرض باختيارهم، فهم ضحايا لظروفٍ خارجة عن إرادتهم. وإذا كان الدور الأكبر للجينات في توريث المرض، فالأحرى أن تكون هناك خطةٌ شاملةٌ تعمل على محوري الوقاية والعلاج.
من ناحية العلاج، مازلنا نكافح لإقناع المسئولين بتحسين شروط العلاج والبيئة الصحية التي تحتضن المصابين، لا أن تستعديهم وتزيد آلامهم وتدفعهم أكثر نحو القنوط وانتظار الموت؛ واستبدال سياستهم الخاطئة باعتبار مرضى السكلر (وهم 18 ألف بحريني) مجموعة من المرضى المزعجين أو المشاغبين أو مدمني المخدرات. فالمورفين ليس شوكولاتة يحرص مريض السكلر على تناولها مع قهوة الصباح، وإنّما هي أقصى ما تتيحه وزارة الصحة لتخفيف آلامه المبرّحة.
من ناحية الوقاية، الوضع يحتاج إلى مشروع للتوعية طويل الأمد، تشارك فيه كل الأطراف، الرسمية والشعبية، من إذاعة وتلفزيون وصحافة ومدارس وجمعيات أهلية، بما فيها المآتم التي يفترض أن يستغل خطباؤها المناسبات الدينية لتوضيح مثل هذه الأمور التي تمس حياة الناس. وهي ليست قضايا تافهة أو هامشية، وإنّما في صلب الاهتمام بأمور المسلمين وتوجيه الناس للأصلح.
مثل هذه الأفكار موضع إجماع بلاشك، ومع ذلك ينبغي القول انه حتى لو تم ذلك فلن نقضي على المرض خلال عقد واحد؛ لأن مرض السكلر مستوطن وقديم، ويحتاج استئصاله إلى عقود. كما أن النصائح لا تؤتي نتائج حاسمة، لأنك ببساطةٍ أمام مجتمعٍ يتحرّك وفق حراك طبيعي، وليس بالتنظيرات أو التمنيات.
إن من أهم إنجازات وزارة الصحة في التسعينيات فرض فحص ما قبل الزواج، للتأكد من توافق الطرفين صحياً، وتحذيرهم من الأمراض الوراثية التي تعترض حياتهم في المستقبل. ومع ذلك سيبقى هناك هامشٌ من زواج الأقارب، لأسبابٍ اجتماعيةٍ أو اقتصاديةٍ أو حتى عاطفية، سينتج عنه استمرار المرض وإن كان لدى شريحة أقل.
هناك أيضاً هامشٌ آخر لاستمرار الإصابة بسبب الزواج الداخلي بين المبتلين بالمرض، نظراً للموقف الاجتماعي من هؤلاء. فالآباء عادةً ما يرفضون المتقدّم المصاب لخطبة فتياتهم السليمات، وبالمقابل تضيق فرصة الفتاة في الاقتران بشابٍ سليمٍ حين يكتشف إصابتها. وهي أسبابٌ إضافية تزيد حياتهم تعقيداً وبؤساً، وتمنعهم من ممارسة حياتهم كبقية البشر، ما يتطلب منا تفهماً وسعياً حثيثاً للتخفيف عليهم بدل معاملتهم كمدمنين.
مرضى السكلر يعانون أيضاً في العمل، ورغم تخرّج الكثير منهم من الجامعة، إلا أن أرباب الأعمال يتحاشون توظيفهم نظراً لعامل الإنتاجية ونوبات المرض المتكررة، ما يفرض على الدولة أن تضع معياراً خاصاً بهم، ضمن برامجها للرعاية الاجتماعية.
إن أسوأ ما نخشاه، أن يتم تحويل مرضى السكلر من ضحايا إلى مجرمين، بسبب سياسة وزارة الصحة المتعثرة، وتخبّط طاقمها الإداري الذي يحاول أن يخرجها من حفرةٍ فيقذفها في خندق عميق!
قاسم حسين
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 2895 - الثلثاء 10 أغسطس 2010م الموافق 29 شعبان 1431هـ