خلافنا يتعلق بالقيم وليس بالطوائف
إنني من المؤمنين بأنَّ الأزمة في البحرين ليست لها علاقة بأيِّ خلاف بين شيعة وسنّة، على الرغم من السعي الحثيث لتلبيس القضية لباساً طائفياً مريضاً، وعلى الرغم من اعتماد سياسة لتثبيت فكرة الصراع الطائفي، وعلى الرغم من تحميس بعض الأشخاص والجهات والجمعيات والجماعات للتحدث باسم طائفة ومهاجمة أخرى، وعلى الرغم من كلِّ الآلام التي تُصبُّ على فئة مجتمعية محددة بسبب انتمائها الديني، وعلى الرغم من كلِّ ما جرى وما يجري وما سيجري من استهداف ممنهج، فإنني أصر وأكرر إصراري على أن المشكلة ليست لها علاقة بخلافات طائفية.
المشكلة باختصار أن هناك نسبة كبيرة جدّاً من مجتمع البحرين (من كلِّ الانتماءات) تتطلع إلى بيئة حضارية تتسق مع الزمن الذي نعيش فيه على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وأن هذا التطلع الإنساني يتطلب إصلاحات عميقة وموسعة في كلِّ ما يرتبط بمفاهيم الوطن والمواطن، والحقوق والواجبات، والعدالة الاجتماعية، والمشاركة في عملية اتخاذ القرار، ومساواة الجميع أمام القانون من دون أيِّ فرق على إساس ديني أو قبلي أو إثني أو النوع أو اللون، وتنمية اقتصادية تقوم على أساس تحقيق مستوى لائق من المعيشة لابن البلد، وتوزيع عادل للثروة، وإطار دستوري يتناسب مع موجة الصحوة الديمقراطية التي استنهضت الشعوب العربية من المغرب إلى البحرين.
إن فرض اللباس الطائفي على ما يحدث في بلادنا يخدم من يعارض كل التطلعات المشروعة لكل إنسان يعيش على أرض البحرين بغضّ النظر عن انتمائه، وإن استخدام الخطاب الطائفي وتنفيذ السياسات الطائفية يخدم كلَّ شخص يبحث عن غنيمة وليس له اهتمام بالمفاهيم الإنسانية التي تعمُّ كلَّ البشر في كلِّ مكان. كما أن فرض اللباس الطائفي على المشكلة في البحرين يحتاج بالضرورة إلى تنشيط جماعات الكراهية التي لا وجود لها في حال سادت القيم الإنسانية في الحياة السياسية.
سيحاول البعض إثبات أنه المدافع عن مصالح طائفة، وأن إفساح المجال للإصلاح يعني انتهاء تلك الطائفة، ولكن هذا البعض ستجده يلعن طائفته ويلتحق بأيِّ شيء آخر يجلب له مغانم ومصالح فيما لو رأى ذلك أكثر نفعاً. إن معركتنا تتعلق بالقيم وليس بالطوائف، وأيُّ فئة ترتكز في وجودها على فناء الآخر لا مكان لها في المجتمعات المتحضرة، وهي قد تتحصن بمفاهيم وأطر «ما دون الحضارة»، وهي بذلك تكون متخلفة حتى لو استحوذت على مصادر القوة المادية مؤقتاً، وهي طارئة على طبيعة البشر ولا تدوم، ولو دامت لما خرج الإنسان من الغابة
منصور الجمري
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3434 - الأربعاء 01 فبراير 2012م الموافق 09 ربيع الاول 1433هـ