العراق والقمة العربية... استعادة زمام المبادرة
متابعة: المحلل السياسي
شبكة النبأ: يرى مراقبون ان هناك تراجعا وبشكل واضح بالدور الاقليمي في العراق. وهذا بدا واضحا من خلال عملية تشكيل الحكومة اذ لم تتمكن هذه الدول عن طريق ضغوطها من الوصول الى ما تريد.
ويتميز العراق بموقعه الجغرافي ضمن منطقته الاقليمية وحتى الدولية، اذ انه يجاور اربع دول عربية ودولتين اسلاميتين، وقد ارتبط بتلك الدول تاريخيا بعلاقات ثقافية واقتصادية واجتماعية، ساعده في ذلك كونه ممرا للتجارة الدولية بمختلف وسائلها.
من ذلك يرى خبراء ان العراق لايمكن ان ينفصل عن محيطه العربي والاسلامي، ويتفاعل مع الأحداث بشكل مباشر، وتؤثر الحوادث والمظاهر السلبية على الجميع في حالة حصولها بفعل هذا التداخل الجغرافي والاقتصادي وحتى السياسي، وتلك حقيقة يجب على كل الاطراف ادراكها. وقد قامت محاولات عدة لتحسين علاقات العراق مع دول الجوار وهو يعيش ظروفه الاستثنائية، وقد تحققت بعض النتائج الايجابية، والاخر على الطريق، والمهم ان تتواصل الجهود الخيرة لجعل العلاقات الاقليمية طبيعية وتستهدف مصلحة الجميع، ولتثبيت الاسس التي نعتقد انها تمثل الصورة الايجابية التي تقوم بها علاقات العراق مع دول الجوار.
ولاشك ان بعض القوى السياسية في الداخل اصبحت تبني علاقاتها مع الجوار الاقليمي على اسس محددة، وذلك ما يجعل بعض البلدان المجاورة تنحاز الى هذا الطرف الداخلي او ذاك، ما يعقد المشكلة اكثر، ويجعل تلك القوى اسيرة لانعكاسات الصراعات الخارجية، وتفتح مجالا للتدخل في شؤون العراق الداخلية عن طريق التزام جهة ضد اخرى بما يزيد نيران الفتنة والصراع الداخلي، ويجعل تلك القوى تعتمد في تمويلها بمختلف صوره على الخارج وبالنتيجة فان العراق وشعبه هما الخاسران من هذا المسلك وما يتبعه من دعم خارجي.
ويرى محللون سياسيون من تصريحات رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي منذ بدء موجة الربيع العربي في عدّة بلدان عربيّة بدت مسؤولة وواضحة وحقيقية في التعاطي مع المستجدات السياسية التي خلفها الحراك الشعبي في الدول العربيّة، واعتبارها –الثورات- أوّلاً وأخيراً، شأناً داخليّاً يعني شعوب وحكومات تلك البلدان ولا تعني العراق، إذ ليس للعراق موقف ضدّ جهة مقابل جهة أخرى كما صرّح المالكي في أكثر من مناسبة، ورفع سقف الدبلوماسية العراقيّة للارتقاء بالتعاطي مع شتّى "الايديولوجيات" القادمة إلى سدّة الحكم في عدّة بلدان عربيّة، يبدو من جانبه خياراً سليماً يتعدّى العقليّة السياسية العربيّة التي اعتمدتها الأنظمة الشمولية، والتي تقضي بحشر نفسها عسكريّاً نحو إيجاد حلول دبلوماسية جديدة لا يراق فيها دم عراقي، ويصرف على اعتابها مال العراقيين كما حدث في حروب النظام الديكتاتوري السابق التي لم تعد على العراق والعراقيين الا بالمزيد من الدمار على مستوى البشر والثروات في آن واحد.
وعلى صعيد آخر، يشكّل صعود الأحزاب السلفيّة المتطرفة خطراً محدّقاً بالعراق، إذ تنظر هذه الايديولوجيات إلى المذهب الغالب على الجغرافيّة العراقيّة كبدعة، مما يحلّل التدخل في شؤونه حتّى على المستوى الأمني، وبالطبع تحظى هذه الايديولوجيات الصاعدة دعماً مباشراً من تركيا والسعودية وقطر اللاعب الأمهر في تطبيق المخطّطات الأمريكية.
ويرى خبراء إن ما على الحكومة العراقية الآن فعله، هو تنظيم فوضاها السياسيّة الداخليّة، لتعيد بالتالي تنظيم فيالقها الدبلوماسية نحو وقف نزيف التدخلات الإقليمية في شؤون العراق الداخلية لكي تتمكن من ترسيخ مكانته الإقليميّة المرشّحة للتصاعد في ظل غياب الطرف العربي المؤثر إقليميّاً وفي ظل انحسار الدورين التركي والإيراني في المنطقة، نتيجة التطورات الداخلية في تركيا والتي تشهد تطورات خطيرة لجهة الحراك الإثنيّ والذي يشكل استحقاقاً دولياً خصوصاً لأكراد تركيا والذي يشكل ارتداداً طبيعياً لزلازل المنطقة، وصحوة العلمانية الاتاتوركية التي بدأت تعي ان انتشار تيارات العدالة والتنمية الأميبي في العالم العربي مثل مصر وتونس وليبيا، سيرسخ هيمنة التيار في تركيا ويمنحه قوة الخروج على تقاليد العلمانية الاتاتوركية في أقرب فرصة؛ أما على مستوى إيران، فإن خروج القوات الأمريكية من العراق أوّلاً ومن ثم أفغانستان في المرحلة المقبلة، سيسقط ذريعتها للتدخل في شؤون هاتين الدولتين ويسقط بالتالي واحدة من أهم أوراق ضغطها على الولايات المتحدة، كما أن ابتعاد هذه القوات عن طهران جغرافياً، سيمنحها إمكانية المناورة على تهديد إيران، بل وحتى توجيه ضربة قاصمة لبرنامجها النووي.
الأبواب مشرعة أمام العراق لاستعادة دوره الإقليمي والدولي، والمطلوب تحديداً من كل الأحزاب والشخصيات العراقية استغــلال الفرصة لترسيخ هذا الدور من خلال الالتفاف حول القرار والدور العراقيين، بدل اللهاث خلف المصالح الضيقة من خلال افتعال معــارك داخليــة لا تؤدي إلا إلى المزيد مــن الــوهن والعزلة والـــتدخلات الـخــارجية في الشــأن العــراقي.
شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 22/آذار/2012 - 28/ربيع الثاني/1433