متى تُبنى جسور الثقة بين السياسيين؟
علي حسين عبيد
شبكة النبأ: لا زلت أتذكّر حتى هذه اللحظة فرحة ذلك الشاب وهو يحادث صديقه عبر جهاز نقال مداه (5) كم فقط، كان الشاب يقول لصديقه (ها أنني أتكلم معك بالنقال بعد أن دخلنا عصر الحرية والاستقرار) وكانت علامات الفرح تطغي على وجهه، حدث هذا بعد 20 ابريل/ نيسان 2003 بأيام قليلة، إنه مشهد يفصح فعلا عن دخول العراقيين الى عصر آخر، أما استخدام الشاب للنقال، فكان بمثابة الدلالة الواضحة التي تدل على انتقال مثل هذه الاجهزة اللاسلكية من السلطة الى الشعب، وبالتالي انتقال السلطة نفسها الى الشعب.
ولكن هل انتقلت السلطة الى الشعب فعلا؟؟ سؤال يطرح نفسه بعد مرور تسع سنوات على انتقال العراقيين الى مرحلة التحرر، إن الاجابة الدقيقة تتطلب استقراءً دقيقا وصحيحا للمشهد السياسي العراقي وخطه البياني المتذبذب صعودا وهبوطا منذ لحظة التغيير حتى الآن، والامر كله يتعلق بالاحزاب والكتل والشخصيات السياسية والعلاقات المتبادلة بينها، وطبيعة هذه العلاقات، وهل أنها قائمة على الثقة المتبادلة أم على الصراع والتناحر من اجل المناصب والمنافع الفردية والحزبية؟.
يستطيع المتابع أن يرصد غياب الثقة بين السياسيين، وهو أمر بالغ الوضوح، هذا الغياب الخطير لجسور الثقة بين قادة الاحزاب والكتل السياسية، ينعكس بدوره سلبا على الشعب، فالصراعات والتناحرات بين السياسيين تجري في مؤسسات الدولة، منها ما هو معلن وهناك ما يجري منها في الخفاء، فقد تحول البرلمان العراقي مثلا، وهو مؤسسة مدنية مهمة، الى ساحة لتصفية الحسابات بين السياسيين، وقد أصابت هذه الصراعات مصالح الشعب العراقي في الصميم، ويحدث مثل هذا التضارب في مؤسسات أخرى، بسبب غياب الثقة بين أصحاب القرار، واللهاث المحموم خلف المناصب والسلطة والمال والجاه وما الى ذلك.
من المؤسف حقا أن تُهدَر حقوق الشعب وتضمحل أحلامه بدولة مدنية، بسبب فشل السياسيين في بناء جسور الثقة المتبادلة بينهم، في حين بدت مكونات الشعب الاخرى أكثر قدرة على التقارب وبناء الثقة المتبادلة فيما بينها، كما حدث مؤخرا في عقد الاجتماع العشائري في كركوك، والذي جمع بين عشائر ومكونات عربية وكردية وتركمانية، استطاعت أن تكسر حاجز الخوف من الآخر، وتتقارب مع بعضها، وتجلس تحت خيمة واحدة وتعطي رسالة واضحة لجميع القادة السياسيين، بأن الشعب العراقي بأعراقه ومكوناته الكثيرة عبارة عن كتلة واحدة، تجمعها روابط كثيرة لا يستطيع السياسيون أن يدمروها، بسبب صراعاتهم وأطماعهم المنصبية والسلطوية وسواها.
مطلوب من القادة السياسيين وكتلهم واحزابهم، أن يتحركوا بسرعة لرأب الصدع الخطير بينهم، والذي بدا واضحا للجميع، ولابد أن يفهموا ويعرفوا أن الشعب العراقي ليس مستعدا لمنحهم المزيد من الوقت لادامة صراعاتهم، بل لم يتبق أمامهم سوى القليل من الوقت، لكي يتقاربوا ويتفاهموا أكثر فأكثر، وأن يفهموا فعلا بأن الثقة هي وحدها القادرة على إعادتهم للمسار الصحيح في قيادة البلد الى مرافئ الحرية والاستقرار.
قريبا ربما سيُعقد الاجتماع الوطني، وربما يكون المؤتمر، المحطة او الفرصة الاخيرة لمعالجة المأزق السياسي الخطير الحاصل بين الكتل والاحزاب السياسية، التي تقود العراق وتدير شأنه السياسي وسواه، عليهم أن يثقوا ببعضهم وبأنفسهم، وأن يمنحوا الولاء للوطن والشعب أولا، خلاف ذلك سيكون التراجع خطيرا بل مدوّيا، وسوف يتحمل القادة السياسيون الاضرار الخطيرة التي يتعرض لها العراق من أقصاه الى أقصاه.
شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 5/آيار/2012 - 13/جمادى الآخر/1433