العراق... نعمة الانتخابات ونقمة السياسيين
محمد حميد الصواف
سرقت حلاوة الانتخابات... لتتحول بهجة الممارسة الديمقراطية من أفواه البسطاء إلى نواجذ السياسيين، بعد أن أثخنوا الانجاز الوطني قبل أن تكتمل أطرافه بجراحات تصريحاتهم ومهاتراتهم المراهقة، منزلقين الى سجال عقيم لم ولن يفضي إلى حقيقة منشودة أو حق مسلوب، كأنهم في صراع على ملك عضوض.
متناسين في الوقت ذاته حجم المعانة التي يمر بها المجتمع العراقي، وحاجته الماسة الى تباشير أمل ترتقي بواقعه المرير، والتي عول معظم أفراده على هذه الانتخابات في تحقيق التغيير المنشود.
إلا إن البيروقراطية أبت أن تفارق سلوكيات الساسة، وهم يتنازعون الاجتهادات السياسية ورؤاهم حول ما يجب إن يكون أو يستمر، فيما طغت على التصريحات المتبادلة ثقافة التشكيك والتخوين بشكل مريب ولافت، على الرغم من إن النتائج المعلنة كانت متوافقة إلى حد بعيد مع توقعاتهم، مما أوجد حالة من الإحباط تفشت بين صفوف أنصارهم وقواعدهم الشعبية أولا، وعموم المجتمع العراقي ثانيا، دون إدراك منهم، إنهم باتوا رجال دولة متساوون الحقوق والواجبات، طالما إنهم تصدوا لعبء تلك المسؤولية الجسيمة.
فقد تجلى للعيان ما يرمي إليه كل من أتيحت له الفرصة ليدل بدلوه، حول ما يجزم أن يكون عليه مستقبل العراق، كأنه ضيعة من ضياع أوربا إبان العصور الوسطى، عندما كان النبلاء يرتقون البلاد والرقاب، مستبعدين من جملة أطروحاتهم فكرة المشاركة والتشاور وضرورة القيادة الجماعية وحسناتها.
فوجدنا هناك من لا يدرك إن الشعوب والأمم الحية لا تستقر على منوال ثابت، فحتى الديمقراطيات العريقة نشاهدها بين الفينة والأخرى تستحدث نظمها آليات وقواعد جديدة لمواكبة الحقب الزمنية والمتغيرات الاجتماعية حيثما قامت، خصوصا إن العراق لا يزال في مخاض التحولات البنيوية التي لم تجد إلى حد الآن أرضية صلبة لإرساء دعائمها.
فاللافت في الأمر إن الفرقاء المتخالفين قد اتفقوا على رؤية تكاد متوحدة على الرغم من اختلاف مدياتها الزمنية، فالجميع يسعى إلى اختزال مستقبل العراق في بودقة لا تتسع إلى حجم تطلعات أبنائه أو تروق لأضعف درجات إيمانهم في التغيير.
ففريق سياسي يحاول أن يقبض على عقارب الساعة والإبقاء على الزمن يراوح في مكانه، دون إي حلحلة أو تغيير، أملا في الحفاظ على مكتسباته المشروعة وغير المشروعة التي انتزعها لنفسه، وفريق آخر يسعى الى هدم كل ما أنجز على مدى السنوات السبع الماضية والعودة إلى المربع الأول، ضاربا عرض الحائط اغلب الاعتبارات الموضوعية والاجتماعية، متناسيا حجم التضحيات التي بذلت في سبيل ذلك وابرز أسبابها.
وبين هذا الفريق وذاك تبدد بشكل تدريجي طموح الناخب في توافر نظام سياسي واجتماعي قادر على درء هواجسه المتنامية، والحد من ترسيخ فكرة اليأس التي أخذت تتسع بشكل خطير، تستدعي من العقلاء وقفة حكيمة لكبح المخاطر التي باتت تحيق بالعملية السياسية برمتها.
على كل حال أنجزت الانتخابات، ولا تزال قافلة مفوضية الانتخابات تسري دون أن التفات إلى احد، معلنة بجدارة قلت نظائرها في مؤسسات الدولة استقلالية عملها وعدم تأثيرها بالضغوط التي مورست بحقها دون ادني حق.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة، هل يمتلك الساسة العراقيين القدرة على تصويب مسار العملية الديمقراطية، والرجوع في مواقفهم إلى صمام الأمان المتبقي المتمثل في المحكمة الاتحادية، وتقبل قراراتها دون ضغط أو تزييف، أم ستكون معضلة تشكيل الحكومة بحاجه إلى مشرط القوى الخارجية، كما كان الحال في التجارب السابقة.
وهل يملكون الاستطاعة على إعادة الوجه المشرق للديمقراطية وترسيخها وفق نهج قادر على الاستمرار، أو سيسعون إلى تأسيس جمهورية موز جديدة على إطلال ما هو قائم الآن، حتى ذلك الحين يبقى باب التساؤل والتوقعات مشرعا أمام الجميع، حتى يتبن الخيط الأبيض من الأسود لنوايا ساسة العراق حول مستقبل بلادهم.
mh7777s@yahoo.com شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 15/أيار/2010 - 30/جمادى الأولى/1431