البحرين... بين مصداقية الثورة ومناورات الحكام
متابعة: محمد حميد الصواف
شبكة النبأ: لم تكل السلطة البحرينية مما تتعرض له من اهانات وحملات توبيخ محلية كانت ام دولية، غير مبالية بما الت اليه اوضاع البلاد والعباد، فيما بات خيارها هو الإستماته في سبيل الابقاء على مشايخها في هرم النظام.
فعلى الرغم من مرور ما يقارب من ثمانية عشر شهرا من انتفاضة الشعب المتطلع للاصلاح، يراوغ من يقبض على الحكم بتلك الدولة املا بالتملص مما وعد، مراهنا في الوقت ذاته على تقادم الايام والعقوبات الجماعية للسكان للكف عن مطالبهم. وينقل عن الكثير من المراقبين تردي اوضاع مواطني البحرين بشكل خطير، خصوصا بعد تراجع الوضع الاقتصادي والمستوى المعيشي للأهالي، سيما بعد ثبوت فرض السلطة لعقوبات جماعية على شرائح واسعة من المعارضين للحكم.
منع الدخول
فقد قالت نائبة في البرلمان الاوروبي تحمل جواز سفر دبلوماسيا انها منعت يوم الاحد من دخول البحرين تطبيقا لقواعد الحصول على تأشيرة دخول فرضتها المملكة في الوقت الذي تكافح فيه لاحتواء احتجاجات مطالبة بالديمقراطية.
وقالت انا جوميز - النائبة البرتغالية في لجنتي الشؤون الخارجية وحقوق الانسان في البرلمان الاوروبي - انها ظلت في مطار المنامة لاكثر من سبع ساعات عندما حاولت دخول البحرين خلال توقف في طريقها الى ليبيا.
وقالت جوميز لرويترز عبر الهاتف من مطار المنامة "انتطرت للحصول على تأشيرة لدى وصولي دون جدوى رغم انني أحمل جواز سفر دبلوماسيا وانني قدمت نفسي على اني نائبة في البرلمان الاوروبي." واضافت انها في انتظار رحلة جوية اخرى الى بنغازي الليبية بعد ان منعت من دخول البحرين لقضاء الليل. ولم ترد وزارة الداخلية البحرينية وهيئة شؤون الاعلام على رسائل نصية واتصالات عديدة عبر الهاتف للتعليق على الامر.
وذكرت جوميز انها عندما طلب منها تحديد اسم شخص تعرفه في البحرين كتبت اسم زينب الخواجة ابنة المعارض المسجون عبد الهادي الخواجة المضرب عن الطعام منذ اكثر من شهرين. وزينب الخواجة محتجزة منذ الاسبوع الماضي بعد مشاركتها في احتجاج في المنامة.
وقالت "هذا سبب اضافي يوجب على حكومات الاتحاد الاوروبي ... ارسال رسالة قوية (للسلطات البحرينية) بأنهم سيحاسبون عن نشطاء حقوق الانسان المحتجزين الذين يتعرضون للتعذيب." بحسب رويترز.
وشهدت البحرين اضطرابات منذ فبراير شباط العام الماضي عندما خرج محتجون يطالبون باصلاحات ديمقراطية الى الشوارع بعد نجاح الانتفاضتين الشعبيتين في كل من مصر وتونس.
وبعد حملة امنية عنيفة في البداية نجحت في اخماد الاحتجاجات بمساعدات قوات عسكرية سعودية توصلت لجنة تحقيق الى ان الاف الاشخاص احتجزوا وان كثيرا منهم تعرضوا للتعذيب. لكن الاضطرابات استمرت مع اشتباكات دائمة بين المحتجين والشرطة.
ومنع عدد من الصحفيين الاجانب الذين كانوا يأملون في تغطية جولة البحرين من سباق الجائزة الكبرى فورمولا 1 من دخول البلاد واحتجزوا في مطار المنامة قبل ترحيلهم من البلاد بعد ان حاولت الحكومة حصر التغطية على السباق ومنعهم من تغطية الاحتجاجات.
وقالت البحرين في فبراير شباط انها ستفرض قيودا على التأشيرات السياحية التي تمنح للزائرين من بعض الجنسيات الغربية لدى وصولهم بعد ان دخل 12 ناشطا اجنبيا الى البلاد كسائحين ثم انضموا الى الاحتجاجات قبل ان تعتقلهم الشرطة وترحلهم الى بلادهم.
وتقول الحكومة التي تهيمن عليها اسرة ال خليفة السنية ان الاحتجاجات التي يقودها الشيعة تحركها دوافع طائفية وانها تتلقى دعما من ايران. وتشهد البحرين اضطرابات يومية في الاحياء الشيعية حيث يستخدم المحتجون الحجارة والزجاجات الحارقة ضد الشرطة التي ترد بقنابل الغاز المسيل للدموع وطلقات الخرطوش وقنابل الصوت. وادت هذه الاضطرابات الى عرقلة الاقتصاد مع تقلص قطاعي البنوك والسياحة.
وتشكو الاغلبية الشيعية في البحرين من التفرقة السياسية والاقتصادية. وتنفي الحكومة ذلك وتقول ان الشيعة يتقلدون وظائف حكومية ويساهمون في ادارة الاقتصاد.
اعادة محاكمة زعماء الاحتجاجات
في سياق متصل أمرت محكمة التمييز البحرينية باعادة محاكمة 20 رجلا بينهم عبد الهادي الخواجة المضرب عن الطعام والذين أدينوا بقيادة انتفاضة العام الماضي لكن زعيما بالمعارضة قال ان الاجراء ليس كافيا لنزع فتيل الاحتجاجات التي عادت للظهور مرة اخرى.
وتهدد الاضطرابات استقرار البحرين وهي حليف للمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة في مواجهتهما مع ايران ودفعت السعودية لتوجيه نداء لتشكيل اتحاد بين دول الخليج العربية في مواجهة طهران والحركات الاحتجاجية التي تجتاح المنطقة.
وفي أعقاب مطالبات دولية باجراء اصلاحات ديمقراطية جادة والافراج عن معارضين معتقلين في البحرين امرت محكمة التمييز البحرينية باعادة محاكمة 21 من زعماء الاحتجاجات امام محكمة مدنية بعد أن سبقت ادانتهم امام محكمة عسكرية في جلسة مغلقة.
لكن محكمة التمييز قالت ان الاشخاص المسجونين حاليا ومنهم ثمانية بينهم الخواجة صدرت ضدهم احكام بالسجن المؤبد بعدما أدينوا بمحاولة الاطاحة بالنظام الحاكم سيظلون في السجن لحين صدور حكم في المحاكمة الجديدة.
وتطالب منظمات دولية مدافعة عن حقوق الانسان وعائلات المعارضين المسجونين بالافراج عنهم دون اي شروط. وقال سيد هادي الموسوي وهو مسؤول كبير في جمعية الوفاق وهي جماعة المعارضة الرئيسية ان هذا الحكم مجرد خطوة في الاتجاه الصحيح لكن الشارع لن يهدأ قبل الافراج عن جميع السجناء.
ويرفض الخواجة تناول الطعام منذ ما يقرب من ثلاثة اشهر وتقول عائلته انه يواجه خطر الموت. لكن زوجته خديجة الموسوي قالت يوم السي انه سيواصل الاضراب عن الطعام رغم قرار اعادة محاكمته.
وقالت انهم اذا كانوا جادين فعليهم الافراج عنه ثم اعادة محاكمته. وأضافت ان زوجها يمر بنفس الظروف مرة اخرى ويتذكر ما وصفته بمسلسل التعذيب المروع ومحاولات الاغتصاب والانتهاكات الجنسية. وتابعت تقول انها رأت زوجها بعد رفض طلبات تقدمت بها لزيارته على مدى اسبوع وذكرت بعد ذلك انه يتم اطعامه قسرا من خلال الحقن الوريدي. ونفت الحكومة ذلك قائلة انه يتلقى التغذية طواعية. بحسب رويترز.
وزينب ابنة عبد الهادي الخواجة محتجزة منذ اكثر من اسبوعين لمحاولتها تنظيم احتجاج في المنامة خلال سباق فورمولا 1 للسيارات هذا الشهر وهو الحدث الذي أعاد تركيز المجتمع الدولي مجددا على الحركة المطالبة بالديمقراطية في البحرين.
ويعتقد أن المدانين الاحدى والعشرين والذين لم يمثل اي منهم أمام المحكمة من بين مئات قالت لجنة دولية لحقوق الانسان في نوفمبر تشرين الثاني انهم عذبوا خلال الفترة التي أعلنت فيها الاحكام العرفية بالبلاد للمساعدة في قمع الانتفاضة.
وقضت محكمة عسكرية العام الماضي بسجنهم بتهمة تنظيم الاحتجاجات وأيدت محكمة استئناف عسكرية الاحكام في سبتمبر ايلول. وكانت التهمة الرئيسية "تأسيس جماعة ارهابية بغرض قلب نظام الحكم" غير أن الاتهامات شملت ايضا التواطؤ مع دولة اجنبية في اشارة واضحة الى ايران. وصدرت أحكام بالسجن المؤبد على ثمانية من المتهمين بينهم الخواجة وزعيما المعارضة حسن مشيمع وعبد الوهاب حسين. وكانوا قد عبروا عن تأييدهم لتحويل المملكة الى جمهورية. وأدين سبعة اخرون غيابيا بمن فيهم المدون علي عبد الامام الذي صدر حكم بسجنه 15 عاما وما زال هاربا.
وذكرت وكالة انباء البحرين ان "محكمة الاعادة تعيد نظر اجراءات المحاكمة مرة اخرى من جديد وتستمع للشهود ومرافعات النيابة والدفاع عن المتهمين وكأنها محاكمة لاول مرة وتقضي في القضية وفق ما تراه وتقدره."
وأضافت "لا يترتب على نقض الحكم اخلاء سبيل المتهمين طالما أنهم كانوا مقدمين محبوسين في المحاكمة الاولى لان نقض الحكم يعيد القضية لنفس الحالة التي خرجت عليها من النيابة" وهو امر أكده القاضي في المحكمة.
وقال مايكل ستيفنز الباحث في المعهد الملكي للدراسات الدفاعية والامنية في قطر ان الحكم يشير الى ان الحملة الدولية لدعم الخواجة الذي يحمل ايضا الجنسية الدنمركية بدأت تؤثر.
وقال "اعتقدوا أن العاصفة كلها ستهدأ وان الضرر الذي لحق بالعلاقات العامة بسبب الخواجة سوف يتلاشى ولهذا فان ذلك يعد تنازلا رغم انه يتعين علينا ان ننتظر لنرى ما الذي سيحدث."
وأضاف "اصبح الخواجة سلاح المعارضة الرئيسي بشأن العلاقات العامة الان ولهذا تحاول الحكومة تهدئة الموقف."
واشاد وزير الخارجية الدنمركي فيلي سوفندال بقرار المحكمة لكنه قال انه مجرد بداية. وطالب ايضا باستئناف السماح بزيارة الخواجة وهو شخصية تحظى بالاحترام من جانب المنظمات الدولية المدافعة عن حقوق الانسان لكن بعض البحرينيين يصفونه بانه اسلامي شيعي.
وقال سوفندال "القضية لم تنته ونواصل الجهود الدبلوماسية. سنواصل اجراء اتصالات منتظمة مع السلطات البحرينيية ومع الدائرة الدولية الاوسع نطاقا من الدول والمنظمات التي تدعمنا في هذه القضية لحين التوصل الى حل نهائي." وأضاف "من الضروري الان بالطبع السماح للسفير الدنماركي باستئناف زيارة عبد الهادي الخواجة فورا."
وعلى الرغم من ان الحكومة تقول ان الاحتجاجات التي يقودها الشيعة تحركها دوافع طائفية فان بين النشطاء سني هو ابراهيم شريف الامين العام لجمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد) وينفذ حكما بالسجن خمسة أعوام.
اشتباكات مستمرة
الى ذلك قال شهود ان محتجين بحرينيين اشتبكوا مع شرطة مكافحة الشغب اثناء محاولتهم التوجه الى قلب العاصمة المنامة. وقال الشهود ان عشرات المحتجين قذفوا الشرطة بالحجارة وانها ردت باستخدام الغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت لمنع المسيرة المزمعة الى ما كان يعرف بدوار اللؤلؤة مركز انتفاضة العام الماضي والتي قمعتها الحكومة بمساعدة من جيرانها.
وفي وقت سابق شارك عشرات الالاف في مسيرة بقرية جد حفص القريبة الى الغرب من المنامة دعت اليها جمعية الوفاق الشيعية المعارضة. وكانت المظاهرة سلمية وطالب خلالها المحتجون بالافراج عن المعارض عبد الهادي الخواجة الذي دخل في اضراب عن الطعام منذ أكثر من شهرين واقالة رئيس الوزراء الذي يتولى منصبه منذ أكثر من اربعة عقود.
وقال رئيس الوزراء الشيخ خليفة بن سلمان ال خليفة في مقابلة نادرة مع مجلة دير شبيجل الالمانية ان رحيله لن يحل الصراع. ونقل الموقع الالكتروني للمجلة عنه قوله "صدقوني لو كان منصبي وحده هو سبب الاضطرابات لكنت تنحيت بالفعل عن منصبي العام الماضي. لكن هذا ليس الا ذريعة أخرى للمعارضة. واضاف "المعارضة تبحث فقط عن أعذار وتسيء استغلال المطالب بمزيد من الحقوق والديمقراطية من أجل تحويل البحرين الى ايران ثانية."
فيما قال شقيق محتج بحريني ان المحتج الذي عثر عليه ميتا على سطح بناية بعد اشتباكات مع الشرطة خلال سباق فورمولا 1 يوم الاحد قتل بطلقات خرطوش فيما يبدو وان جثته بها عدة كدمات. وقال شاهد انه تم دفن جثمان صلاح عباس حبيب (36 عاما) في وقت لاحق في جنازة شارك فيها نحو 15 ألف شخص.
وفي أعقاب مراسم الدفن قام مئات المحتجين بالقاء الحجارة على مركز للشرطة في حي البلاد القديم في العاصمة المنامة. وأطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت.
وقالت وزارة الداخلية البحرينية انها بدأت تحقيقا في وفاة حبيب الذي عثر على جثته بعد اشتباكات بين الشرطة ومحتجين. وقال شقيقه حسين عباس حبيب ان عائلته تسلمت الجثة وان تقرير الطب الشرعي أفاد بأنه توفي متأثرا باصابته بطلقات خرطوش في صدره وبطنه.
وتابع متحدثا في اتصال هاتفي من المنامة "تسلمنا الجثمان لتونا. أصيب بطلقات خرطوش في صدره وبطنه." وأضاف ان شقيقه تعرض ايضا للضرب المبرح على ذراعيه وساقيه وظهره.
وتشهد البحرين اضطرابات منذ شهدت العام الماضي احتجاجات تطالب بالديمقراطية كان اغلب المشاركين فيها من الشيعة. وسحقت الحكومة الاحتجاجات في مارس اذار 2011 بمساعدة دول خليجية أخرى من بينها السعودية.
وقال حسين حبيب ان شقيقه شارك في احتجاجات ليلية لكنه اضطر للفرار بعد أن وصلت قوات الامن المسلحة بالهراوات والغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت وبنادق الخرطوش لتفريق المتظاهرين وبدأت تطارده. وأضاف نقلا عن شهود عيان ان شقيقه ذهب ليختبئ على سطح مبنى وعثر عليه ميتا بعد ذلك بفترة وجيزة. وقال محمد المسكاتي عضو جمعية شباب البحرين لحقوق الانسان ان شهود العيان ذكروا ان حبيب اصيب خلال محاولته الفرار من الشرطة.
وقال زعيم جماعة المعارضة الرئيسية في البحرين ان الصراع في المملكة سيزداد عنفا اذا لم تجر الحكومة اصلاحات بعد عام من اندلاع انتفاضة تطالب بالديمقراطية. وقال الشيخ علي سلمان الامين العام لجمعية الوفاق الوطني في البحرين "القضية التي وصلنا اليها هي القضية التي ابتدأنا فيها.. أن هذا النظام غير جاد في حوار حقيقي للاستماع الى مطالب شعب البحرين وتلبية هذه المطالب التي لا يمتلك رفضها."
شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 5/آيار/2012 - 13/جمادى الآخر/1433