خدمات طبية باستشاريين أو دونهم!
بدأت وزارة الصحة منذ أيام باستدعاء الاستشاريين المعتمدين لديها لتخييرهم بين الاحتفاظ بوظيفة الوزارة والتنازل عن عياداتهم الخاصة، أو التنازل عن الوظيفة مع الإبقاء على العيادة، خيارين تفضيل أحدهما على الآخر ليس بالأمر الهين، لعدة أسباب لا يهم ها هنا ذكرها، بقدر ما يهم إلقاء الضوء على تبعات أحد الخيارين، وهو العزوف عن الوظيفة الحكومية التي يعتبر دخلها منخفضاً بالمقارنة مع العمل الخاص للأطباء، المهم في الأمر ما الذي سيحدث فيما لو اختار معظم الاستشاريين ترك وظائفهم في الوزارة؟
لقد مرت وزارة الصحة منذ تأسيسها بمراحل قاسية، تميز بعضها بفقدان الثقة بين المواطن والخدمات الصحية المحلية، وكثر في ذلك الوقت اتجاه المواطنين للعلاج بالخارج، عملت الوزارة بعدها بجهد لا ينكر لتحسين نوعية الخدمات الطبية المقدمة، وكان تأهيل كوادرها أهم ما قامت به لبناء تلك الثقة من جديد، يأتي هذا القرار اليوم - وإن لم يكن قراراً مفاجئاً إذ تم طرحه منذ مدة ليست بالبسيطة - يأتي ضوضائياً، مثيراً لعدة مشكلات لم يتم طرح خيارات حلها قبل بدء تنفيذ القرار، إذ لا يبدو أن القرار نال كفايته من الدراسة وإيجاد البدائل والتأسيس لمرحلة ما بعد القرار، خيار الاستشاريين ليس هو أساس إثارة هذا الموضوع، بقدر ما يتعلق بالخيارات المتبقية للمواطن بعد استبعاد جميع الاستشاريين الذين يملكون الخبرة والكفاءة بالإضافة لثقة المواطن التي بنيت عبر سنوات من النجاح والتراكم المهني.
ما سيحدث هو الآتي، جميع المرضى الذين يمتلكون تأميناً صحياً أو القادرين على الحصول على تأمين صحي سيتوجهون مباشرةً للعلاج عبر المستشفيات الخاصة حتى وإن تطلب الأمر دفع مبالغ تعد بسيطة سواء للاستشارة أو العمليات، فيما سيدفع ثمن هذا القرار المواطن البسيط الذي سيكون مضطراً للقبول بالخدمات المجانية وإن كانت لا تحظى بثقةٍ كافية كون العامل المادي مؤثراً أساسياً في الاختيار، قد يكون من الأجدى تأجيل تنفيذ مثل هذا القرار الذي يلامس حياة المواطن وصحته والإعداد لجيل من الأطباء يتولى مهمة الاستشاريين ويكون له سمعة وثقة لدى المواطنين وهي عملية قد تستغرق على أقل تقدير عشر سنوات، لكنها ستكون كفيلة بضمان توفير خدمة طبية عالية الجودة للمواطن، إحلال استشاريين محل الذين سيحزمون أمتعتهم مغادرين دهاليز مستشفى السلمانية للأبد قد يستغرق وقتاً، أو يكون قراراً بترفيع بعض الأطباء لرتبة استشاري لكنهم يفتقدون الخبرة والسمعة الكافيتين للقيام بالمهمة، وقد يكون تعويض الفراغ الذي سيخلفه غياب الاستشاريين هو باستجلاب آخرين أجانب وهذا يعني تكلفة إضافية لموازنة الوزارة يبدو الإبقاء على الخبرات المحلية بجانبها قراراً عقلانياً يحتاج لإعادة دراسة، فوضع الخدمات الطبية في البحرين اليوم لا يحتمل أي مجازفات خاصة بعد المرحلة القاسية التي مرت بها وأدت لانخفاض هائل في ثقة المواطن تجاه مستوى الخدمات المقدمة له.
نتمنى أن تقوم وزارة الصحة بدراسة أكثر عمقاً للقرار من كافة النواحي والاهتمام بإطلاع المواطن على الدراسات التي يتم اعتمادها قبل اتخاذ أي قرار ليكون على بينة من أمره، وألا يكون إقرار القوانين إلا بعد دراسة مستفيضة لإيجابيات وسلبيات القرار على المعنيين به من موظفين أو مواطنين خاصة إن كنا نتحدث عن خدمات تلتصق مباشرةً بحياة المواطنين.
مريم أبو إدريس
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3554 - الخميس 31 مايو 2012م الموافق 10 رجب 1433هـ