في مجال التمويل الصغير, ويأتي بنك الأسرة كأول بنك إسلامي متخصص ليستكمل المسيرة ويوفر خدمات أكثر تنوعا. كما يأتي البنك تفعيلا للاستراتيجية الاقتصادية الوطنية 2030، التي تشمل تطوير مبادرات تسهيل الريادة في تأسيس المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ودعم الطبقة الوسطى وتحويل متلقي المساعدات إلى فئات منتجة، وبالتالي يتكامل بنك الأسرة للمؤسسات متناهية الصغر مع منظومة الخدمات التمويلية التي توفرها الحكومة البحرينية والجهات الداعمه للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
هذا العمل يسعدني كثيراً، فقد انتقلت عبر سنوات من العمل في تنمية الأفكار الابتكارية والمبدعة ثم عملت مع المشرعات الصغيرة بشتى أنواعها فترة وباتت لدي قناعة بأن دعم المشروعات متناهية الصغر يمثل أفضل سبل التنمية الاقتصادية - الاجتماعية, ويلامس المواطن ويستطيع التأثير على مستوى معيشته بشكل مباشر وأسرع من باقي المجالات.
في ظل العمل في سوق الاستثمار الاجتماعي البحريني، ما هي المنظمات الموجودة في هذا السوق؟ وما هو تأثيرها على المواطن البحريني؟
- مملكة البحرين غنية بتاريخ حافل من الاستثمار الاجتماعي وسجل من مبادرات المسئولية الاجتماعية ومشاركة رجال الأعمال في توفير سبل الدعم لرفع مستوى معيشة المواطن, وتم تأسيس بنك الأسرة بمبادرة للشراكة من وزارة التنمية الاجتماعية مع عدد من الشركاء وحصل البنك على ترخيص مصرف البحرين المركزي في أكتوبر/ تشرين الأول العام 2009 وذلك بشراكة كل من: وزارة التنمية الاجتماعية, المؤسسة الخيرية الملكية, بنك البحرين والكويت, البنك الأهلي المتحد, بنك التمويل الكويتي, بنك الإثمار.
ويقوم البنك بالتعاون مع مؤسسة جرامين البنغلاديشية التي يرأسها البروفيسور محمد يونس الحائز على جائزة نوبل للسلام لعام 2006 ومؤسس بنك جرامين.
دعم مؤسسات المجتمع المحلي البحريني من خدمات البنك غير المالية، كيف يتم ذلك؟ وما هي الخدمات المالية وغير المالية التي يقدمها البنك لعملائه؟
- تتميز البحرين بمجتمع مدني نشيط حيث يوجد ما يقارب 450 منظمة تطوعية ذات نفع عام تعمل تحت مظلة وزارة التنمية الاجتماعية لخدمة مختلف مكونات المجتمع وخاصة محدودي الدخل وأصحاب المشروعات متناهية الصغر من المواطنين الذين تعتمد حياتهم على مدخول هذه الانشطة. وتلعب هذه المنظمات الأهلية دوراً كبيراً في عملية التنمية في المجتمع البحريني, لما لها من تأثير مباشر على المجتمع لقربها من الأفراد, ومعرفتها بواقع الحال الذي يعيشه هؤلاء الأفراد، لذلك خصصنا برنامجاً خاص لتمويل تلك المنظمات الأهلية ذات النفع العام بتوفير كل الخدمات التنموية لها من أجل بناء مستقبل آمن للمجتمع.
وفيما يتعلق بالخدمات المالية يقدم البنك ثلاثة برامج تمويليه: أولا: برنامج جرامين، ثانياً: برنامج تمويل المشاريع متناهية الصغر، ثالثاً: برنامج تمويل المنظمات الأهلية.
وفيما يتعلق بالخدمات غير المالية يمكن القول إنها تقدم بهدف تعزيز قدرة العملاء ومساعدتهم على تحقيق النجاح المطلوب في أعمالهم التجارية، إذ قمنا بتوفير فرص الحصول على التدريب المناسب وتسهيل عمل خطة للمشاريع والمشاركة في المعارض والأسواق، واستضافة وتنظيم برامج التدريب المهني وورش عمل لتعزيز المهارات والمواهب والكفاءات، وتوفير العملاء والأطراف المعنية بالمواد المكتوبة. علاوة على ذلك، يعمل البنك على تنسيق برامج توجيه العملاء بقيادة المهنيين والخبراء لرفع مستوى الخدمات التي يقدمها البنك وتعزيز النجاحات من خلال التغطية الصحافية وتقنيات التسويق. ويقوم بنك الأسرة بتوفير المساحات الإعلانية في الصحف اليومية والأسبوعية ووسائل الاعلام الحرة للترويج للمنتجات والخدمات التي يقدمها عملاء البنك. وسيقوم البنك أيضا بمساعدة عملاء البنك من خلال دعوة وسائل الإعلام لتسليط الضوء على مميزات أصحاب المشاريع الناجحة، وتشجيع أصحاب الأعمال على الاستفادة من الخدمات التسويقية المعتمدة من قبل المؤسسات الحكومية وغير الحكومية التي توفر مثل هذه الخدمات.
وينقسم البنك إلى أربعة أقسام: مصنع الأفكار، وتسهيل التدريب، والاتصال بين الشبكات المهنية، والسوق بشكل فعال لصالح زبائن البنك.
ما هي خطط النمو المستقبلية للبنك؟ وهل من المعروض أن ينتقل البنك إلى دول أخرى مثل بنوك الفقراء التي أنشأتها منظمة «أجفند»؟
- لدى بنك الأسرة خطط طموحة في تطوير برامجه التمويلية وأن يصبح البنك الأول على مستوى المنطقة في التمويل الإسلامي متناهي الصغر، وقد لاقى البنك الترحيب من قبل عدد من الدول المجاورة وخاصة الدول الخليجية ذات النسيج الاجتماعي المتماثل مع مملكة البحرين وهناك دولة شقيقة تم تبادل الزيارات معها على أعلى مستوى بهدف نقل تجربة بنك الأسرة إليها قريباً.
يقدم البنك برنامجاً باسم برنامج «جرامين»، فما هي آليات العمل بهذا البرنامج؟ و ما هي مميزات الادخار الإلزامي الذي يعد جزءاً من تفعيل البرنامج؟
- «جرامين» كلمة مشتقة من «جرام» وتعني بالبنغالية الريف أو القرية، وهو برنامج قائم على أساس تكوين مجموعات متجانسة مكونة من عدة أشخاص من المنطقة نفسها، بهدف تبادل الخبرات والأفكار وزرع روح التعاون بين الأفراد.
ويختلف برنامج «جرامين» عن بنك الأسرة من ناحية البرامج التمويلية التقليدية بالإضافة إلى دعمه للمشاريع المتناهية الصغر والمشاريع الخاصة الفردية ويعمل البنك من خلال هذا البرنامج على: توطيد عناصر الثقة المتبادلة بين البنك والمستفيدين دون اللجوء إلى الضمانات الجماعية لأن نظام البرنامج مبني على هذا الأساس. كما أنه يعمل على إلزام المستفيدين من البرنامج بدفع مبلغ نقدي لا يقل عن خمسة دنانير مضافة على القسط الشهري بهدف تعزيز ثقافة الادخار لديهم.
كما يعمل البرنامج على تمكين الأفراد من اكتشاف مهاراتهم الإدارية والشخصية، وتفعيل آلية التعاون والعمل كفريق واحد ضمن المجموعة.
وأساسيات البرنامج هي تقديم خدمات بنكية إسلامية تهدف لتنمية المجتمع بطريقة غير تقليدية، ومرونة وسهولة سداد الأقساط عن طريق الدفع الشهري، وتتسم عمليات البرنامج بالشفافية، وتمكين الجميع من الحصول على خدمات البرنامج والاستفادة منها. ويوفر البرنامج تمويلاً إسلامياً عن طريق المرابحة، المضاربة أو التورق، كما تتسم بتطوير القدرات الفردية التي تعزز الثقة في النفس وتسمح بتبادل الخبرات والمعلومات.
وحجم التمويل يتراوح بين 500 و 3000 دينار، وتكون مدة استرجاعه ما بين 6 و 24 شهراً، على أن تحتسب نسبة 1% فقط في الشهر من قيمة الأرباح.
ما هي الدعائم التي يحتاجها التمويل الإسلامي للانتشار في الوطن العربي؟ فمازال لا يوجد في المنطقه العربية نموذج لأفضل الممارسات في مجال التمويل الأصغر الإسلامي؟
- يحتاج التمويل الإسلامي إلى التنسيق وزيادة الاهتمام من قبل علماء الشريعة المتخصصين في المعاملات والصيرفة الإسلامية والنظر إليه بشكل منفصل عن البنوك الإسلامية الاستثمارية التي تحكمها التزامات تحقيق الربحية من قبل مساهمين فيها، بينما التمويل متناهي الصغر لا يهدف إلى الربح في الغالب، ولكنه يهدف إلى الاستدامة، وبالتالي يحتاج إلى مرونة أكبر في التعامل معه. وخاصة أن المبالغ التي يتم تداولها مبالغ بسيطة وفي ظل اقتصاد منفتح مثل اقتصاد البحرين يقوم الأفراد بعمل مشروعات متنوعة ومختلفة وبالتالي يحتاجون إلى اكبر قدر من المرونة في البرامج التمويلية وإجراءات الحصول على الأموال.
التمويل الأصغر الإسلامي مازال غير قادر علي إحداث منافسة حقيقية للتمويل التقليدي، فما هو الفرق بين البنوك الإسلامية والتقليدية عند تقديم الخدمه للفقراء؟
- تبنَى البنوك الإسلامية على العقيدة الإسلامية، وتستمد من الإسلام كل كيانها ومقوماتها، فالبنك الإسلامي عندما يمارس منح التمويل للأنشطة الإنتاجية إنما يسعى بذلك إلى تأكيد التوجهات الروحية في إقرار دور وقيمة العمل في حياة الأفراد وما يمكن أن يترتب على ذلك من تطور حياة هؤلاء، وبالتالي يسعى البنك الإسلامي إلى وضع رأس المال في موضعه الصحيح، والبنك الإسلامي حين يمارس الاستثمار برأس ماله عن طريق مشاركته للآخرين بالأموال في مشاريعهم وأفكارهم لا يقوم بهذا العمل سعيا وراء الكسب المطلق، بل من أجل الحصول على المكسب وفقاً للقواعد الشرعية، وحين يمارس قبول مدخرات الفقراء مثلا لا يسعى أساساً إلى تجميعها ولا يفعل ذلك لتزداد قدرته على التمويل، وإنما يقوم بذلك بهدف تربية هؤلاء وخلق قيم التخطيط والادخار وتقدير الفرد لذاته والمساهمة في خلق جيل ذي سلوك إسلامي في الإنفاق، وكلنا نعرف أن أحد أهم أسباب الفقر النسبي هي سوء إدارة الموارد الشخصية، فالفقير عادة لا تتوافر لديه من المعرفة أو الثقافة ما يمكنه من التخطيط لمصروفاته ووضع أولويات مالية وتنظيم الإنفاق وبالتالي فتوجهات البنك الإسلامي قد تكون في الأساس توجهات أخلاقية بنائية تخدم المجتمع وخاصة أن البنوك الإسلامية تلتزم بدفع زكاة وخدمة المجتمع خارج إطار التطبيق النظري.
من أحد نقاط النقض الموجهة للتمويل الإسلامي ارتفاع سعر فوائد الإقراض الخاص به، فما هي الصيغ الإسلامية المتبعة في البنك؟ وما هي أسعار الفائدة التي يتحملها العميل؟
- يمكن القول إن بنك الأسرة يقدم أرخص تمويل متناهي الصغر في المنطقة، حيث إن رأس مال البنك تم وضعه من خلال الشراكة بين أربعة بنوك ووزارة التنمية الاجتماعية والمؤسسة الخيرية الملكية، وكلها جهات تساهم في رأس المال من منطلق المسئولية الاجتماعية للمؤسسات، وبالتالي نستطيع أن نؤكد أن نسبه الربح التي يتحصل عليها بنك الاسرة والتي تبلغ نحو 1 في المئة شهرياً لا تغطي في الغالب الكلفة التي يتحملها البنك الذي يقدم التمويل من دون كفالة ولا ضمان وعند باب العميل، بالإضافة إلى حزمة الخدمات غير التمويلية المجانية، وأستطيع القول إن صيغة المضاربة التي يستخدمها البنك لأول مرة في التمويل متناهي الصغر هي أكبر الصيغ الإسلامية قرباً من مفاهيم دعم الفقراء، فالبنك يمول الشخص صاحب المشروع ويتحمل كامل الخسارة في حالة الفشل، كذلك يستخدم بنك الأسرة صيغة المرابحة بالتورق وهي صيغة تسمح للعميل بأن يحصل على قيمة التمويل بشكل نقدي من إحدى المؤسسات الوسيطة التي تقوم بالعملية بشكل شرعي مطابق لأحكام الشريعة الإسلامية، كذلك قام البنك بتوقيع اتفاقية مع مبادرة تمكين التي تتبع مجلس التنمية الاقتصادية كي تتحمل 50 في المئة من قيمة كلفة التمويل، وبالتالي فسيحصل العميل على التمويل مقابل نحو 6 في المئة سنوياً، وهذه كلفة متدنية بالنظر إلى ممارسات التمويل متناهي الصغر التقليدي.
في ظل الأحداث الثورية في البلدان العربية، ما هي أهم الممارسات التي يجب أن تمارسها مؤسسات التمويل الأصغر أثناء الاضطرابات الأمنية؟
- تشهد البلدان العربية حالياً حالة من انتشار الاحتجاجات إما لأسباب اجتماعية واقتصادية وإما تحت أسباب التأثر بما حدث في تونس ومصر، والتمويل متناهي الصغر يتعامل في الأساس مع فئات محدودة الدخل مهمشة من الخدمات المالية التقليدية، تحاول هذه الفئات القيام بأنشطة إنتاجية وخدمية بسيطة وبالتالي تعتبر من أكثر الفئات تعرضاً للأضرار الاقتصادية أثناء الاحتجاجات، وتحتاج من مؤسسات التمويل تفهماً أكبر وأعمق، وبالتالي فقد بادر بنك الأسرة مثلاً بتأجيل أقساط الفترة التي ارتبكت فيها الأعمال في مملكة البحرين بداية هذا الشهر، والحمد لله انتهت هذه الأزمة وعادت الحياة إلى طبيعتها. وأنا أدعو المؤسسات المالية بكل أنواعها إلى التفاعل مع الأوضاع في مجتمعاتها وتوفير أكبر قدر من المرونة في مقابل الأوضاع غير المستقرة في بعض الدول العربية التي نتمنى من الله أن تستقر في أسرع وقت ممكن حتى تنطلق عجلة البناء والتنمية بها من جديد
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3130 - السبت 02 أبريل 2011م الموافق 28 ربيع الثاني 1432هـ