«التربية»... وفضيحة يومي الثلثاء والأربعاء

«التربية»... وفضيحة يومي الثلثاء والأربعاء


هاني الفردان ... كاتب بحريني
hani.alfardan [at] alwasatnews.com
تصغير الخطتكبير الخط


بات واضحاً أن وزارة التربية والتعليم عاشت بين يومي الثلثاء (21 مايو/ أيار 2013) والأربعاء (22 مايو 2013) حالة إرباك حقيقية وشديدة بشأن قضية سحبها البعثات عن طلاب الجامعة المعتقلين.

بيانات الوزارة كشفت عن ترهل وضعف شديد لدى المسئولين في الوزارة بشأن المصارحة والشفافية مع الرأي العام في القضايا الحساسة، بينما هي تطالب دائماً في بياناتها بـ «الدقة والتأني والمهنية»!

فقد كشفت نائب رئيس جمعية المعلمين البحرينية (سابقاً) جليلة السلمان في الحادي عشر من مايو 2013، عن أن وزارة التربية والتعليم تطالب 9 طلبة في كلية البحرين للمعلمين، بنحو 34 ألفاً و841 ديناراً، وذلك بعد أن سحبت الوزارة بعثاتهم وفصلتهم من الكلية، على خلفية الأحداث التي شهدتها البحرين في 2011.

وتطلب الأمر من الوزارة والمسئولين فيها عشرة أيام من أجل الخروج بردٍّ شافٍ وقانوني، مدروس ومتأنٍّ، يكشف للرأي العام الحقائق، ويوضح الصورة، ويزيل أي لغط أو سوء فهم في القضية!

فقد عممت الوزارة يوم الثلثاء (21 مايو 2013) بياناً واضحاً وصريحا، نفت فيه «جملةً وتفصيلاً» إدعاءات السلمان، وأكدت أنه «بعد الرجوع إلى الجهة المعنية نود إفادتكم بأن الإدارة ليس لديها علم بما ورد في هذا الخبر، ولم تقم الإدارة بالاتصال بأيٍّ من الأهالي أو مطالبة أولياء أمور أي من الطلبة المبتعثين سواءً كانوا معتقلين أو غير معتقلين، بدفع رسوم البعثة التي حصل عليها أبناؤهم، كما أن الإدارة لم ترفع أي دعوى قضائية بهذا الخصوص كما ورد في الخبر، لذا نرجو تحرّي الدقة والمهنية في نشر مثل تلك الادعاءات».

وزارة التربية تطالب وسائل الإعلام بـ «تحري الدقة والمهنية في نشر مثل تلك الادعاءات»، خصوصاً وأنها نفت القضية «جملة وتفصيلاً»! لكن الفضيحة الكبرى، لدى الوزارة التي يعمل مسئولوها في إطار «التأني»، وتحرّي الدقة والمهنية، والتي احتاجت لعشرة أيام للرد بالنفي، أنها نفت نفيها، وأكدت صحة ما قالته السلمان، في أقل من 24 ساعة من بيانها الأول النافي للقضية، والمطالب بالمهنية وتحرّي الدقة في النشر!

فقد شهد يوم الأربعاء 22 مايو 2013، 15 تغريدة لوزارة التربية على موقع التواصل الاجتماعي (تويتر) تتراجع فيها عن نفيها، وتؤكد مطالبتها أولياء أمور الطلبة المبتعثين المعتقلين بدفع رسوم البعثة التي حصل عليها أبناؤهم، ورفعها دعوى قضائية عليهم!

هي فضيحة من العيار الثقيل من مؤسسة تربوية تعليمية، تعنى بتدريس القيم، والمثل والنزاهة، والأمانة وحسن التعامل والصدق، إضافةً لذلك الدقة والمهنية، والاعتراف بالخطأ.

فقد جاءت تغريدات الوزارة يوم الأربعاء لتواري فضيحة النفي، والتي لم تستطع الصمود ساعات أمام نشر وثائق رسمية واضحة تثبت صحة المطالبة ورفع الدعاوى القضائية من قبل الوزارة ضد طلبة معتقلين في كلية المعلمين. وقد بررت الوزارة الدعاوى القضائية بالأمر «الطبيعي لحرصها على المحافظة على تطبيق الاتفاقية والمحافظة على المال العام وفقاً للأنظمة والقوانين المرعية في المملكة»، معتبرة أن الإجراءات التي اتخذتها حيال هذا الموضوع إدارية وقانونية للحفاظ على تحقيق الأهداف المرجوة من الكفالة الدراسية لهؤلاء الطلبة.

وسردت الوزارة سلسلة من الأمور التي حاولت من خلالها تبرير موقفها من رفع القضايا ضد الطلبة، ولكنها نسيت أو تناست أن تسرد لنا أيضاً أسباب «كذبها» على الرأي العام، ونفيها للقضية قبل يوم واحد فقط من تأكيدها، بل ذهبت الوزارة لأسوأ من ذلك، بتأكيدها بأن الوزارة ومسئوليها لم يكن لديهم علم بسحب البعثات ومقاضاة الطلبة! وبعد يوم تكشف عن العكس، فهل المسئولون لم يكونوا يعلمون عن شيء؟ وهل الوزير صادق بنفسه على الأوراق الرسمية لسحب البعثات ومقاضاة الطلبة، أم الأمور جرت من وراء ظهره وهو لا يعلم بها؟ وفي كلتا الحالتين فهي فضيحة مدوية للوزارة والوزير.

أهم ما في القضية أن الوزارة في بيانها الأول يوم الثلثاء طالبت بـ «تحري الدقة والمهنية في نشر مثل تلك الادعاءات»، رغم كذبها ونفيها وعدم شفافيتها مع الرأي العام، وفي بيانها الثاني أيضاً رغم الفضيحة المدوّية وتراجعها عن موقفها في أقل من 24 ساعة، دعت أيضاً إلى الابتعاد عن «المزايدة، وتلبيسه لباساً سياسياً دعائياً، ومغالطة للرأي العام بعيداً عن النزاهة والموضوعية».

إنه لأمر مضحك جداً، أن تكذب الوزارة وتغالط وتضلل الرأي العام، ومن ثم تطالب الآخرين بـ «النزاهة والموضوعية، وعدم مغالطة الرأي العام»!

ما وقعت فيه وزارة التربية يومي الثلثاء والأربعاء الماضيين، فضيحة من العيار الثقيل، ليس على مستوى الوزارة فحسب، بل على مستوى الأداء الحكومي المترهل، والضعيف إدارياً، وغياب الرقابة الحقيقية، وعدم المحاسبة، مع استهتار المسئولين فيها بحق الرأي العام بالوضوح والشفافية.

بعد فضيحة يومي الثلثاء والأربعاء، ونصائح الوزارة الأولى بـ «الدقة والمهنية»، والثانية بـ «النزاهة والموضوعية، وعدم مغالطة الرأي العام»... نقول: «إن لم تستحِ فقل ما شئت».

هاني الفردان
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3917 - الأربعاء 29 مايو 2013م الموافق 19 رجب 1434هـ