«الصحة» و«التربية»... استقطاعات أم عقوبات؟
كانت الصحافة في السنوات السابقة تتناول في مثل هذه الفترة من العام، تزامن تكاليف شهر رمضان المبارك مع العيد والعودة إلى المدارس، أما هذا العام فنُشر خبران عن استمرار استقطاع الرواتب في وزارتي الصحة والتربية والتعليم.
ليس خافياً على أحد أن الاستقطاع من رواتب هذه الأعداد المجهولة من الموظفين بالقطاع العام، يعود إلى أسباب سياسية ثأرية، في إطار عملية كبرى لقطع الأرزاق طالت أكثر من ستة آلاف مواطن، في حادثةٍ غير مسبوقةٍ في تاريخ البحرين الحديث.
عملية «العقاب الاقتصادي» الجماعي هذه غير مسبوقة حتى على مستوى البلدان التي عصف بها الربيع العربي، فمثل هذه العقوبات عادةً ما يتم اللجوء إليها على خجل وفي نطاق محدود، كما في اليمن وسورية، مع الأخذ في الاعتبار الحجم السكاني، وما تمثله نسبة من يطولهم العقاب.
فيما يخص وزارة التربية التي تنوي تدشين ورش عمل عن حقوق الانسان، ونشر كتاب عن مفهوم المواطنة والحوار وتقبل الرأي الآخر؛ هذه الوزارة أوقفت مئات من موظفيها على خلفية الأحداث السياسية، وبعضهم تم إيقافه 4 مرات لمدة 10 أيام، مع خصم الراتب. كما تم توقيف معلمين آخرين مع استقطاع 70 في المئة من رواتبهم لثلاثة أشهر، وبعد إعادتهم إلى أعمالهم في ديسمبر/ كانون الأول 2011، استمر الاستقطاع من رواتبهم بالنسبة نفسها. واللافت أن تقرير بسيوني أشار إلى أن عمليات التوقيف والفصل في وزارة التربية كانت بدافع «الانتقام»، وهو أمرٌ مؤسفٌ على كل حال.
أما فيما يخص الوزارة العتيدة الأخرى (الصحة)، فاستمر استقطاع الرواتب لمجموعة من الممرضين والممرضات بنسبة تتراوح بين 50 و70 في المئة.
المؤكد أن مثل هذه السياسة العقابية القائمة على الثأر والإيذاء وسد سبل الحياة، لا تنسجم إطلاقاً مع روح التعايش التي عُرف بها البحرينيون، ولا مع مبدأ المواطنة واحترام حقوق الانسان. وقد انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي دعواتٌ كثيرةٌ قبيل الشهر الفضيل، لإنهاء هذا الوضع غير الإنساني لمئات العوائل، لكنها كانت صرخاتٍ في البرية.
في إطار الاحتجاج على هذا الوضع، تحدّثت مجموعةٌ من الممرضين والممرضات عن مخالفة وزارة الصحة للقانون في عملية الاستقطاعات، مستندين إلى المادة (257) من قانون الخدمة المدنية التي تقول «لا يجوز إجراء خصم أو توقيع حجز على راتب الموظف، أو أية مبالغ أخرى مستحقة له بسبب الوظيفة، إلا وفاءً لنفقة أو لدين محكوم به من القضاء أو لأداء ما يكون مستحقاًّ للدولة من الموظف بسبب الوظيفة. ولا يجوز أن يزيد المقدار المحجوز عليه كل شهر عن ربع المبالغ المستحقة للموظف، وعند التزاحم تكون الأولوية لدين النفقة».
بعض المسعفين بمجمع السلمانية الطبي أكدوا استقطاع أكثر من 70 في المئة من رواتبهم حتى هذا الشهر، وتم صرف نحو 10 دنانير لبعضهم هذا الشهر. وهو ما دفع بعضهم إلى مراجعة مكتب الوزير صادق الشهابي، ودفع البعض الآخر لمراجعة مكتب الوكيل عائشة بوعنق، فقيل لهم إن الموضوع تم تحويله إلى الموارد البشرية، والتي غسلت يديها من العملية برمتها، بنفيها العلم بالموضوع من أساسه!
وزارة الصحة بدأت منذ نهاية العام 2011، باستقطاع رواتب عدد كبير من موظفيها، وشملت القائمة استشاريين وأطباء وممرضين ومسعفين ومنظفين فضلاً عن بعض الإداريين. وهذه الكوكبة تعرّضت للتوقيف حيث تجاوزت بعض الحالات ستة أشهر، وبعد العودة إلى العمل تعرّضت لحرب الاستقطاعات.
التربية والصحة من أكثر الوزارات ارتباطاً بالمواطنين، توظيفاً وتقديماً للخدمات، فأصبحت اليوم من أكثر الوزارات تشدداً وتضييقاً على الأنفاس. بعيداً عن روح التعايش ومبدأ المواطنة واحترام حقوق الإنسان.
قاسم حسين
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3610 - الخميس 26 يوليو 2012م الموافق 07 رمضان 1433هـ