«بواقة» ولكن ليسوا ظرفاء
- [ltr][/ltr]
- [ltr]محمد حميد السلمان ... كاتب بحريني[/ltr]
- [ltr]comments [at] alwasatnews.com[/ltr]
تصغير الخطتكبير الخط
وإني لأثوي الجوع حتى يملني....
فيذهب لم يدنس ثيابي ولا جرمي
وأغتبق الماء القراح فأنتهي....
إذا الزاد أمسى للمزلج ذا طعم
أرد شجاع البطن قد تعلمينه....
وأوثر غيري من عيالك بالطعم
مخافة أن أحيا برغم وذلة....
وللموت خيرٌ من حياةٍ على رغم
هذه أبيات من قصيدة لأحد «الحرامية» أو اللصوص الظرفاء الذين عُرفوا في تاريخ شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام بـ «الصعاليك». ومعنى «الصعلوك» لغةً الفقير الذي لا يملك المال الذي يساعده على العيش وتحمل أعباء الحياة، ولكنها سرعان ما أخذ هذا الوصف معاني قطاع الطرق الذين يقومون بعمليات السلب والنهب من أجل توفير لقمة العيش. وكان أولئك الصعاليك يرددون في أشعارهم صيحات الفقر والجوع والحرمان في نقمتهم وثورتهم على الأغنياء والأشحاء، كما امتازوا بالشجاعة والصبر وقوة البأس.
وميزةٌ أخرى غلبت على هؤلاء الصعاليك هي عدم تعرضهم في غاراتهم وغزواتهم للأسياد الشرفاء، وإنّما للأغنياء الأشحاء، وهذا المبدأ مثله سيد الصعاليك عروة بن الورد. أضف إلي ذلك، أن هؤلاء الصعاليك كثيراً ما تغنوا بكرمهم وبرهم بأقاربهم، لأن ما يحصلون عليه كان يُوزّع على الأهل والأقارب المحتاجين، ولذا أخذت الصعلكة شكلاً إيجابياً رغم أنها قامت على السلب والنهب، لأن المقصد من هذا الفعل كان يرمي إلى إطعام الفقراء من أموال الأغنياء وكأنهم يؤكدون أن للفقير حقاً في مال الغني.
لكن يبدو أن صعاليك اليوم، في زمن الإسلام وفي أحد بلاد المسلمين، عكسوا الآية فلم يعد ما ينهبونه من الناس ليلاً ونهاراً ذا بعد أنساني، لأنهم باتوا يسرقون الفقراء ليصبحوا هم أغنياء، ومن أموال تبرع بها الناس لدعم الفقراء وسد حاجتهم المعيشية وإرواء بطونهم الخاوية في زمن الردة الذي نعيشه محلياً عن السمو الإنساني بأخيك المؤمن الذي دعانا له الله عز وجل عبر عقائد وعبادات ديننا القويم.
هذا الأمر تجلي لسوء المنقلب في لغز سرقة «جمعية بوري الخيرية» الذي حدث يوم الأربعاء الماضي، وتمّ بحرفيةٍ عاليةٍ من قبل «البوّاقة» غير الظرفاء. ولذا طرحت أمام هذه الحادثة عدة تساؤلات ورُصدت عدة علامات تعجب مازالت مدار حديث الناس في الديرة، خصوصاً أن المبلغ المسروق تناثرت حوله إشاعات كثيرة بأنه يفوق الثلاثين ألفاً أو الخمسين ألفاً من الدنانير البحرينية.
وقد تركّزت علامات التساؤل والتعجب حول الآتي: كيف تم تصوير الجناة وهم ملثمون، كما ذكر أمين سر الجمعية، واللصوص غير الظرفاء كانوا قد عمدوا إلى خلع الباب الرئيس للجمعية وتخريب الكاميرات الأمنية بداخل المبنى قبل التوجه للخزنة؟ ثم إذا كنتم قد عرفتم أنهم ملثّمون فكيف لم تعرفوا كم عددهم من التصوير إن كان متوافراً؟ وكيف تم تحديد موعد السرقة تماماً عند الساعة 3:15 من فجر ذاك اليوم، فهل كانت هناك آلة لضبط الوقت في المبني؟ وكيف عَلم هؤلاء اللصوص بموقع الخزينة وأن بها مبالغ كبيرة قبل بدء العملية، وإلا كيف يغامرون باقتحام موقع كهذا دون خبرة سابقة أو معلومات مؤكدة بوجود مبالغ كبيرة في الموقع ويتوجهون مباشرةً بعد كسر قفل الباب الرئيس وقفل الباب الداخلي لمبنى الجمعية؛ إلى غرفة المحاسب حيث فصلوا الكاميرا الموجودة في الغرفة وكسروا الخزينة وسرقوا المبالغ المالية التي بالخزينة وفرّوا هاربين؟
هي ليست عملية سرقة عشوائية لموقع يتوقع أن به أموالاً بسيطة إذن، سواءً أكانت قد تم تجميعها لفقراء من أيتام وأرامل ومعوزين ومعوقين وغيرهم، أو لمشاريع خيرية أخرى. هي عمليةٌ منظمةٌ ومدروسةٌ على طريقة صعاليك زمان ولكن بأهداف غير شريفة ولا إنسانية، لأنهم سرقوا تبرعات الناس التي يقتطعونها من لقمة عيشهم ليدفعوا بها للمحتاجين من بني جلدتهم. فلا عذر لهؤلاء اللصوص ولا لأولئك الصعاليك، لكنها النفس الضعيفة سواءً من داخل الطائفة أو خارجها، فلم يثبت شئ حتى الآن. ولكن هناك عدة مؤشرات سلبية للأسف بدأت تظهر على السطح مؤخراً ممن باعوا ضمائرهم وانسلخوا من جلدهم وعقيدتهم، وإن كانوا ينافقوننا بالحفاظ عليها ظاهراً، وقد امتهنوا طريق السرقات السهلة ليلاً في خضم ما يدور في بلادنا من أحداث أمنية بحجة أنهم لا يعملون ولا أحد يعيلهم أو يهتم بشئونهم، ولربما معظم هؤلاء ممن يتعاطون المخدرات أو المشروبات الكحولية.
وبما أن «الطاسة ضايعة» كما يقولون، في ظلّ الظروف الأمنية التي نعيشها، فمن السهولة إلصاق التهمة بالطرف المعروف سلفاً وبالتالي لن يشك أحدٌ في من هم أقرب الناس إليه. أو في أحسن الأحوال ستقيد التهمة ضد مجهول، فمن سيهتم في هذا الزمان الكسيح بالبحث جدياً عن «بواقة» جمعية بوري الخيرية، إذا كانت إدارة الجمعية نفسها لم تهتم بإيداع المبالغ النقدية الكبيرة يوماً بيوم في أحد البنوك التي تتعامل معها كي تضمن حمايتها من مثل هذه الأحداث وتُبعد عن نفسها القيل والقال والمحاسبة التي لا نعلم متى ستقع عليها ومن سيقوم بها في ظل الديمقراطية الحالية!
أما لسان حال «بواقة» أموال الفقراء واليتامى والأرامل فيقول:
إذا كان أولي المسئولية عاجزين عن حماية مال الخير، فنحن أولى بحمايته في عنفوان سرقة الليل، وتفريقه بين الصحب تساوياً وفرحاً، ضاحكين من خيبة وكلاء مال الخير تفصيلاً وجملةً... وسلامتكم.
محمد حميد السلمان
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3937 - الثلثاء 18 يونيو 2013م الموافق 09 شعبان 1434هـ