طارق الهاشمي من جديد
حيدر الجراح
شبكة النبأ: كل وسيلة اعلامية لها اهدافها المعلنة وغير المعلنة، المعلنة منها تجدها في اخبارها وتقاريرها ومقالات رأيها السياسية بالدرجة الاولى، وهي تبرز وجهات نظر المال الاعلامي الذي يساهم في بقائها في الساحة الاعلامية.. وغير المعلنة منها تجده ايضا بين سطور تلك المواد، او عبر مواد اخرى قد تكون بعيدة عن الانشغلات السياسية لتلك الوسيلة الا انها في المحصلة النهائية تستبطن رسالة معينة نحو جمهور تخاطبه، ولاعبرة بعدد الجمهور، كبيرا كان ام صغيرا، المهم الرسالة التي يراد ايصالها.
لم يطو النسيان اقالة او استقالة عبد الباري عطوان من رئاسة تحرير جريدة القدس العربي، وذهبت التفسيرات في انسحابه مذاهب شتى، ليس اقلها تدخل المال القطري في ذلك الانسحاب على لسان عزمي بشارة المقرب الى القطريين.و كلنا نتذكر عبد الباري عطوان، وتمجيده لصدام حسين ومعمر القذافي و(الشيخ) اسامة بن لادن، وغير ذلك من قضايا كانت ذات طبيعة اشكالية في اوقات وقوعها، الا ان المال الاعلامي كان يحدد جهات النظر في التعاطي مع تلك الاشكاليات والمواقف.
جريدة الشرق الاوسط، والتي تصدر من لندن، هي الاخرى محكومة بتوجهات المال الاعلامي الداعم لها، وهو المال السعودي، الذي ينفق على الكثير من الاذرع الاعلامية، المكتوبة والمرئية في العالم العربي، وليس غريبا ان تتخذ الجريدة في الكثير من مساحة عملها وجهة النظر الرسمية السعودية، وكثيرا ماكانت تروج وبطريقة اعلانية واضحة وعبر تقاريرها وكتاب الرأي فيها، لمواقف سعودية تجاه بعض القضايا العربية او الاسلامية.
فالموقف السعودي وحسب الجريدة موقف صائب في كل اوقاته ولا مجال للنقاش حوله، لكنك تجد تلك النقاشات في منصات اعلامية اخرى لا تتاثر بالمال السعودي.
تلك مقدمة توضيحية لما اريد قوله في هذه السطور، وهي تتعلق بالمقابلة التي نشرتها جريدة الشرق الاوسط يوم الاربعـاء الثامن من رمضـان 17 يوليو 2013 وفي العدد 12650 مع السيد طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية العراقية، والصادر بحقه حكما بالاعدام من القضاء العراقي، وكانت الجريدة نفسها قد نشرت حوارا مع وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري، وقد عملت قناة العربية على ابراز مقتطف لا غير من هذا الحوار وهو المتعلق بتفتيش الطائرات الايرانية المارة بالعراق الى سوريا، والتي تعتقد الجريدة والقناة انها تحمل السلاح الى النظام السوري، حسب ما رأت انه تصريح واضح وصريح للوزير، وكانت اجابته (المواد التي اكتشفناها ليست «فتاكة» لأنها كناية عن معدات، أدوية، أغذية.. وبكل أمانة أقول إن هذه الطائرات ربما تحمل غير ما ذكرته) لكن نحن ليست لدينا وسائل ردع وأنظمة دفاع جوي ولا الطيران العسكري الذي يمنع حصول مثل هذه الأمور «أي نقل السلاح».
ويضيف قائلا: (أصل الموضوع «مع الغربيين» أنهم يعتقدون أن هناك جسرا جويا عسكريا من طهران إلى دمشق. ويمر فوق العراق. العراق يرد: هذا لا يحصل بموافقتي. ولا أمتلك القدرة والإمكانيات لمنع حصوله. إذا هم أرادوا أن يوقفوا ذلك فليفعلوا).
لكن الجريدة والقناة مصرتان ان العراق وبموافقة مباشرة ورسمية يسمح بنقل السلاح الى سوريا..
ترافق نشر الحوارين مع تسريبات صحفية عن زيارة للرئيس الايراني المنتهية ولايته الى العراق احمدي نجاد، وكأن الجريدة تريد ان تؤكد على حقيقة واحدة في السياسة العراقية، حقيقة واحدة مع اغفال بقية الحقائق الاخرى، ان ايران لها دور كبير ومؤثر في العراق، وانها تدعم الاسد من خلال نقل الاسلحة عبر العراق، اضافة الى اشارات اخرى يبعثها نشر الحوارين بالتزامن مع تسريب اخبار الزيارة.
اعود الى حوار الجريدة مع طارق الهاشمي ونحاول محاورة السيد النائب وفق ماجاء عبر كلماته في تلك الجريدة، والنص موجود على الشبكة العنكبوتية لمن اراد الرجوع اليه.. مستهل الحديث عما وصل العراق اليه، ثم يسال معد فياض السيد طارق الهاشمي عما اوصل الامور الى هذا الحد؟ كان جوابه: (مجموعة عوامل وتراكمات تعود لعشرات السنين أضرت ضررا كبيرا بوعي ووحدة الشعب العراقي وقدرته على إدارة أموره بنفسه في الاتجاه الذي يعوضه عن سنوات الحرمان والألم).
العوامل والتراكمات التي يشير اليها السيد النائب هي مارافق تشكيل الدولة العراقية في العام 1921، وتهميش الشيعة فيها، لكن السيد النائب يرى ان هذا التراكم التاريخي (اضر ضررا كبيرا بوعي ووحدة الشعب العراقي) لان الحديث عن المظلومية او التهميش او الاقصاء لايصح بعد عقود من ذلك، وان هذا التاكيد على المظلومية الشيعية افقد الشيعة القدرة على ادارة العراق بانفسهم في الاتجاه الذي يعوضهم عن سنوات الحرمان والالم.
ربما يعترض البعض على هذا الاستنتاج، وان السيد الهاشمي لم يذهب بهذا الاتجاه في كلماته، لكننا نكمل و من جوابه على السؤال، انه يقول: (هذا في ما يتعلق بالتراكمات التاريخية، أما بعد 2003 فإن الغزو الأميركي للعراق سبب تداعيات كارثية على الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية. وأسهمت تراكمات من الأخطاء التي تسببت فيها سياسة الإدارة الأميركية، سواء كان عن قصد أو غير قصد، في تفاقم الإرث المحزن للشعب العراقي، وما زاد من الكارثة هو التدخل غير المشروع من جانب إيران التي فاقمت من مآسي الشعب العراقي).
معلوم ان اي ذكر للتدخل الايراني لايكون الا الى جانب الشيعة، بغض النظر ان كان الشيعة ارادوا ذلك ام لم يريدوه، ويعني من جانب اخر ان هناك من يستدعي ويطلب التدخل الايراني، وهم هنا الشيعة جميعا وفي كل بلدان وجودهم العربية، سواءا كانوا اقلية او اكثرية في تلك البلدان.. وما يؤيد ماذهب اليه السيد الهاشمي، قوله في جزء اخر من الحوار (ولو تحدثنا باللغة المجتمعية المتداولة الآن البعيدة عن روح المواطنة، لغة المكونات، فإن الأكراد حظوا بدعم دولي من أجل تكريس إقليم كردستان، والشيعة حصلوا على دعم من قبل الإدارة الأميركية خلال الاحتلال ومن الجارة إيران التي نشطت بوعي وإدراك مخطط للتدخل في شؤون البلد قبل وبعد الانسحاب الأميركي من العراق وحتى اليوم بحجة أنها حامية للمذهب الشيعي).
ولان السيد طارق الهاشمي، ومثله الكثير من قادة السنة، متخم بمشاعر العظمة، العظمة التاريخية في الحكم العربي من قبل السنة طيلة اربعة عشر قرنا، مشاعر العظمة تلك تجدها عبر انكار اي مسؤولية عن الفشل الذي حدث او يحدث، فالفشل من صنع الاخر، وانا ونحن حاولت – حاولنا، الا ان هذا الاخر لايفعل شيئا لصالح الشعب والوطن.
السيد الهاشمي لم يرتكب الاخطاء، فهو في رده عن سؤال محرر الجريدة، (تحدثتم عن الأخطاء والتراكمات ترى هل أسهمتم كزعيم سياسي وكنائب لرئيس الجمهورية في هذه الأخطاء؟) وكان رده: (أنا لا أحمل نفسي شيئا مما حصل، وفي ما يتعلق باختصاصي وصلاحياتي كنائب لرئيس الجمهورية اتخذت مواقف ربما هي في حقيقة الأمر تاريخية).
انه منزه ومعصوم عن الخطأ، كيف لا وهو احد الملائكة الذي دخل الى رذائل السياسة العراقية للدفاع عن مصالح الشعب والوطن، واصطدم بهؤلاء الشياطين والابالسة الذين لايريدون الخير للشعب والوطن؟
السيد الهاشمي منزه عن جميع الاخطاء والخطايا التي حصلت، ومواقفه التي اتخذها هي مواقف تاريخية ستكتب باحرف من ذهب ونار في صفحات التاريخ الحاضر الذي نعيشه، او المستقبل القادم... وفي اجابته عن سؤال حول مدى قدرته على تغيير الاوضاع في العراق لو كان موجودا داخل العملية السياسية، كان جوابه: (أرى أنه من الممكن بذل الجهود لإحداث التغيير بشرط أن توقف إيران، دولة ولاية الفقيه، تدخلها في الشأن العراقي، أما إذا بقيت إيران تتدخل في الشأن الداخلي العراقي فليس هناك من أمل للوصول إلى برنامج وطني واعد لإنقاذ الشعب العراقي).
دائما مايأتي الحديث عن التدخلات الايرانية في الشأن العراقي، وهي تدخلات موجودة، ويراد من تلك الاحاديث تخوين الشيعة، على اعتبار انهم من يمسكون بالحكم في العراق، والقول بارتهانهم الى ايران، وهو ارتهان تاريخي بحكم المذهب الواحد، وكذلك استعداء المحيط العربي والاسلامي ضدهم في بلدان تواجدهم، لان الوطنية الشيعية مجروحة وغير ذات مصداقية على الدوام في المخيال السني.
التدخل الايراني في العراق موجود فعلا، ولكن ماذا عن بقية انواع التدخلات الاخرى؟
السيد الهاشمي لايذكرها، اما لانها غير موجودة، او لان الاعتراف بوجودها يقدح بوطنية العرب السنة، او اذا كانت موجودة وتم الاعتراف بها، فهي ليست تدخلات بل تعاون عربي اخوي ولامصالح لتلك الدول في العراق.
فالسعودية مثلا تريد الخير كل الخير للعراق، كما يرى السيد الهاشمي (السعودية حاولت أن تقدم الخير للعراق لكنها اصطدمت بحكومة تنفذ أجندة إيرانية) وهي ليست لها مصالح متضادة مع العراق، مثل المكانة الاقليمية، حصص النفط في اوبك، الوجود الشيعي المتململ في جنوبها، الدعم المشهود للجماعات التكفيرية.
وتركيا ايضا ليست لها مصالح متقاطعة مع العراق ولاتتدخل في شؤونه، فهي لم تتفق مع حزب العمال الكردستاني للانسحاب الى داخل الاراضي العراقية بعد توقيع اتفاق السلام معه، وهي ليست السبب في جفاف العراق عبر انشاء السدود على نهري دجلة والفرات، وهي ليست الدولة التي احتضنت الكثير من المؤتمرات ضد الحكومة العراقية، وهي ليست الدولة التي ترى في العراق نمرا يجب ان يحبس في قفص، وغيرها من ذلك، لكن تدخلاتها مقبولة طالما هي مع طرف ضد اخر.
اما عن قطر، فلا يمكن مهما حاول الهاشمي وغيره ان ينفي تدخلات تلك الجزيرة في العراق ودعمها اللامحدود للسنة، شخصيات واحزاب وتظاهرات، ويكفي انها الداعم الاكبر للاخوان المسلمين بتنظيمهم العالمي وتنظيماته المحلية في البلدان العربية، والسيد الهاشمي احدهم، فهو مسؤول التنظيم الاخواني العراقي، لكن تدخلاتها هي لخير هذا الشعب، والشعب هنا هم السنة لاغير، كما تستبطن ذلك كلمات السيد الهاشمي.
والسنة في العراق حسب توصيف السيد الهاشمي (لا بواكي لهم.. لا راعي لهم.. الإدارة الأميركية استهدفتهم، وإيران ما زالت تستهدفهم، والعرب لم يقدموا أي دعم لهم وبالتالي تركوا كالأيتام).
السيد الهاشمي في كلامه مع جريدة الشرق الاوسط، يرجع جميع الاخطاء التي حصلت في العراق الى الشيعة، والى الاحتلال والى ايران، وليس هناك من خطأ او خطيئة ارتكبها الاخرون، الاكراد او السنة العرب، وهو نزوع طهراني لجهة معينة مع شيطنة وابلسة جهة اخرى، وهي هنا الشيعة، وخاصة بعد خروج الامريكان، وبقاء الشيعة في سدة الحكم مع الدعم الايراني لهم..
يورد السيد الهاشمي شهادتان يعتمد عليهما في توجيه الاتهام الى نوري المالكي، والى ايران، الاولى مانقله اليه السيد جلال طالباني نقلا عن كلام نوري المالكي حول رغبة الاخير بعدم عودة الهاشمي الى العراق، حين ساله المحاور (وهل بالفعل قال لك رئيس الجمهورية جلال طالباني إن خروجك من العراق سوف يفرح «أبو إسراء» (المالكي)؟
وهي شهادة يعتقد الهاشمي انها لاياتيها الباطل او الدحض من امامها وخلفها، وسؤالي هو: لماذا لم نسمع تاكيدا لتلك الشهادة من السيد طالباني، وهل يعتد الان بشهادة لرجل مريض لاندري درجة مرضه لكي نقول ربما سيؤيد الرجل ماقاله الهاشمي؟
الثانية شهادة الجنرال الامريكي (بأن إيران كانت وراء هذه التفجيرات (تفجير المرقدين في سامراء) من أجل إحداث فتنة طائفية في ظل انعدام توازن القوى المجتمعي، لهذا وقع الضرر على العرب السنة، سواء في مساجدهم أو في أمنهم ورموزهم الدينية والسياسية وغير السياسية).
وهي الشهادة التي لم يتابعها حتى الامريكيون انفسهم سواءا عبر اوساطهم الرسمية او عبر اعلامهم الذي لايمكن ان تفوته مثل هذه التصريحات، والتي جاءت في وقت تحشد امريكا فيه المواقف ضد ايران وسوريا وحزب الله، وهو حشد ايضا ضد البرنامج النووي الايراني، او غيره من رسائل تريد امريكا تمريرها من اجل ابتزاز المواقف او تغييرها.
احتوى الحوار ايضا على الكثير من المغالطات والتصورات التي تبعد اي شبهة او مجرد التفكير بتوجيه تهمة معينة حول التعاطي السني او تعاطي السيد الهاشمي مع الكثير من الاحداث التي مر بها العراق خلال السنوات الماضية، انها محاولة لتبرئة الذات واتهام الاخر، هذا الاخر الملعون والمطعون في وطنيته وفي تضحياته، والذي ابتلي بهذا الجوار الجغرافي الذي لايمكن الفكاك او الخلاص منه، ولايمكن للجوار العربي السني ان يتسامح مع فكرة ان عراق الخلافة العباسية يمكن ان يحكمه الشيعة، وهو الذي بقي اربعة عشر قرنا محكوما من السنة، انه نهاية التاريخ بالنسبة لهذا المخيال السني.
شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 20/تموز/2013 - 11/رمضان/1434