أكراد سوريا والخيار الصعب... غضب انقرة او سطوة الارهاب
شبكة النبأ: في الاونة الأخيرة اندلعت معارك عنيفة بين القوات الكردية السورية والمقاتلين الجهاديين من جبهة النصرة شمال سوريا، بعدما أعلن قادة اكراد سوريون عن عزمهم تأسيس حكومة مؤقتة لادارة المناطق الكردية شمالي البلاد، وقد حاول الاكراد خلال فترة النزاع ابقاء مناطقهم في منأى من العمليات العسكرية والاحتفاظ فيها بنوع من الحكم الذاتي.
إذ تشير التطورات المضطردة المتمثلة بسيطرة المقاتلين الاكراد على عدد من القرى في شمال سوريا وطرد مقاتلين جهاديين منها، في وقت تسود حالة من انعدام الثقة بين العرب والاكراد في المناطق التي تشهد مواجهات مسلحة بين الطرفين، الى أن أكراد سوريا يتبعون إستراتيجية مماثلة لاقرانهم في العراق، الذين افادوا من الأزمات المتعاقبة لفرض حكم ذاتي كامل في وجه السلطة المركزية.
مما آثار مخاوف الحكومة التركية التي تخشى من ظهور منطقة كردية شبه مستقلة في سوريا الذي يشجع حزب العمال الكردستاني خصم تركيا من اجل اقامة دولة مستقلة للاكراد في تركيا، خصوصا وأن حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يقترح سلطة محلية في شمال شرق سوريا هو أقوى جماعة كردية في المنطقة نظرا لميليشياته الفعالة المسلحة تسليحا جيدا، ويعتقد أن الحزب مرتبط بحزب العمال الكردستاني الذي يسعى لحكم ذاتي للأكراد في تركيا، مما يثير مخاوف تركيا التي تضم أراضيها أقلية كردية كبيرة وترقب الأوضاع عن كثب وتشعر بالقلق من أن تؤدي سيطرة الاكراد على مناطق جنوبي اراضيها إلى تقوية شوكة حزب العمال الكردستاني الذي بدأت معه عملية سلام.
حيث يؤجج تصاعد نشاط المسلحين الأكراد في جنوب شرق تركيا المخاوف من احتمال انهيار عملية سلام مع أنقرة وهو أمر من شأنه أن يعقد جهود الحكومة لتطبيق إصلاحات دون إشعال المشاعر القومية.
لذا تحاول تركيا الحفاظ على عملية سلام هشة مع متمردي حزب العمال الكردستاني في أراضيها وتخشى أن تؤدي الخطوات الرامية إلى حكم ذاتي للأكراد في سوريا إلى تشجيعهم وتعريض العملية للخطر، وعليه فن المعارك التي يخوضونها الاكراد ضد المقاتلين الجهاديين في شمال سوريا قد يذكي اضطرابات أمنية تمهد لحرب داخل الحرب السورية لا يتمناه الأتراك ولا مقاتلي النصرة.
تركيا تحذر أكراد سوريا من اتخاذ أي خطوات خطيرة
في سياق متصل حثت تركيا الأكراد السوريين على عدم تأسيس كيان منفصل في شمال سوريا بالقوة وحذر رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان من اتخاذ أي خطوات "خاطئة وخطيرة" يمكن أن تضر بأمن تركيا، وجاء التحذير في اجتماع عقد بمدينة اسطنبول بين مسؤولي المخابرات التركية وصالح مسلم رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي تقاتل ميليشياته للحصول على حكم ذاتي أكبر للمناطق الكردية في شمال سوريا.
وقال مسلم إن الجماعات الكردية تسعى إلى إقامة مجلس مستقل لإدارة المناطق الكردية في سوريا لحين انتهاء الحرب في البلاد في خطوة من شأنها أن تثير قلق أنقرة التي تخشى من تصاعد العنف الطائفي على حدودها.
وقال اردوغان للصحفيين في الوقت الذي التقى فيه مسؤولي جهاز المخابرات الوطني مع مسلم "سيتم توجيه تحذيرات ضرورية لهم من أن تلك الخطوات التي يتخذونها خاطئة وخطيرة"، وتحرص تركيا على الحصول على ضمانات من حزب الاتحاد الديمقراطي بأنه لن يهدد أمن تركيا أو يسعى لإقامة منطقة تتمتع بحكم ذاتي في سوريا باستخدام العنف وسيتشبث بموقفه المتمثل في معارضة الرئيس السوري بشار الاسد.
وقال وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو لصحيفة راديكال "هناك ثلاثة أمور رئيسية ننتظرها من الأكراد في سوريا. أولا عدم التعاون مع النظام. فإذا حدث ذلك سيتصاعد التوتر بين الأكراد والعرب"، ونقل عن داود أوغلو قوله "ثانيا عدم إقامة أي كيان بحكم الأمر الواقع... يقوم على أسس عرقية وطائفية دون التشاور مع الجماعات الأخرى"، وأضاف "إذا أقيم مثل هذا الكيان ستحاول كل الجماعات أن تفعل نفس الشيء ولن يكون هناك مفر من اندلاع حرب"، وأشار الوزير إلى أن الأمر الثالث الذي ينتظره من الأكراد هو عدم المشاركة في أي أنشطة "تهدد أمن الحدود التركية".
وفي سيطر حزب الاتحاد على بلدة رأس العين بعد اشتباكات استمرت عدة أيام مع مقاتلين إسلاميين من المعارضة السورية ينتمون لتنظيم القاعدة وجبهة النصرة المرتبطة بها، وأطلقت قوات تركية النار على مقاتلي الاتحاد الديمقراطي في سوريا بعد أن سقطت قذيفتان صاروخيتان من سوريا على موقع حدودي على الجانب التركي، وكان اردوغان دعا إلى اجتماع لقائد الجيش ورئيس المخابرات وكبار أعضاء الحكومة لمناقشة الاضطرابات وقال إنهم سيضعون خارطة طريق قريبا لاحتواء العنف.
وأضاف "يعكف رئيس هيئة الأركان وجهاز المخابرات الوطني ووزارة الخارجية على ذلك... سنجتمع مجددا ومن خلال مناقشة التطورات (على الحدود) سنحدد خطواتنا ونعد خارطة طريق"، وتفجرت الاشتباكات بين حزب الاتحاد ومقاتلي المعارضة السورية منذ بدأ الأكراد يفرضون سيطرتهم على أجزاء من الشمال الشرقي أواخر العام الماضي، وقال مصدر حكومي إن مسؤولي وزارة الخارجية التركية التقوا مع حزب الاتحاد الديمقراطي مرتين خلال الشهرين الأخيرين وأجروا مناقشات "إيجابية". بحسب رويترز.
وكانت تركيا واحدة من أشد الداعمين لمقاتلي المعارضة السورية وتقوم بإيوائهم في أراضيها ولكنها ترفض تسليحهم، ورغم ذلك سعت أنقرة وحلفاؤها إلى النأي بأنفسهم عن الجماعات الإسلامية المتشددة مثل جبهة النصرة، وقال داود أوغلو "أرى أن سلوكهم خيانة للثورة السورية" مستشهدا بلقطات تظهر عمليات قتل وخطف تنفذها جماعات متطرفة، وأضاف "ولكننا كنا دائما ندعم المعارضة السورية الشرعية ومستمرون في هذا الدعم"، وتحرز تركيا تقدما تدريجيا في جهودها الرامية لإنهاء تمرد شنه حزب العمال الكردستاني على مدى ثلاثة عقود في جنوب شرق البلاد مما أسفر عن مقتل نحو 40 ألف شخص، ودعا حزب العمال إلى وقف لإطلاق النار هذا العام لكن النشاط المسلح تصاعد في الآونة الأخيرة وعبر ساسة أكراد عن قلقهم من أن الحكومة لا تنفذ الإصلاحات التي وعدت بها بالسرعة الكافية.
معارك عنيفة بين الاكراد والجهاديين في شمال سوريا
على الصعيد نفسه قتل 17 مقاتلا من الاكراد والاسلاميين الجهاديين في اشتباكات عنيفة في محافظة الحسكة في شمال شرق سوريا، في اليوم الثامن من المواجهات بين الطرفين، بحسب ما ذكر المرصد السوري لحقوق الانسان، ويحقق المقاتلون الاكراد تقدما في مناطق عدة في محافظتي الحسكة والرقة (شمال). وقد طردوا مقاتلي الدولة الاسلامية في العراق والشام وجبهة النصرة من عدد من القرى بعد ان اخرجوهم في 23 تموز/يوليو من مدينة راس العين الحدودية مع تركيا.
في الرقة حيث القرى مختلطة بين الاكراد والعرب، تتسبب المعارك بتشنج بين السكان ويكاد الصراع يتحول كرديا عربيا اذ انضم مقاتلون من لواء جبهة الاكراد التابع للجيش الحر الى وحدات حماية الشعب المرتبطة بحزب الاتحاد الوطني، وانضم مقاتلون من كتائب اخرى في الجيش الحر الى المقاتلين الاسلاميين.
واوضح المرصد في بريد الكتروني ان "اشتباكات عنيفة اندلعت بعد منتصف الليل في محيط قرية مشرافة الواقعة جنوب مدينة رأس العين بين مقاتلين من وحدات حماية الشعب (الكردية) من طرف ومقاتلين من الدولة الاسلامية في العراق والشام وجبهة النصرة من طرف اخر، اثر هجوم على حاجز مشترك لوحدات حماية الشعب وقوات الشرطة الكردية".
وانسحبت قوات نظام الرئيس بشار الاسد من المناطق الكردية في شمال البلاد في منتصف العام 2012. وادرجت خطة الانسحاب هذه في اطار رغبة النظام في استخدام قواته في معاركه ضد مجموعات المعارضة المسلحة في مناطق اخرى من البلاد، وتشجيعا للأكراد على عدم الوقوف الى جانب المعارضين. بحسب فرانس برس.
ويشكل الاكراد 15 في المئة من سكان سوريا، وافاد مسؤولون اكراد وكالة فرانس برس ان هناك توجها لتشكيل حكومة مستقلة لإدارة مناطق وجودهم في شمال سوريا، ودعا زعيم جبهة النصرة الشيخ ابو محمد الجولاني الى اقامة حكم الاسلام والشريعة في سوريا رافضا العملية السياسية والانتخابات.
الافراج عن قيادي اسلامي و300 كردي في شمال سوريا
على صعيد ذو صلة افرج مقاتلون اسلاميون متطرفون عن حوالى 300 كردي مدني كانوا اعتقلوهم في مدينة تل ابيض في شمال سوريا ردا على اعتقال مقاتلين اكراد قياديا اسلاميا تم الافراج عنه في وقت سابق، بحسب ما ذكر المرصد السوري لحقوق الانسان، وقال المرصد في بيان "أفرجت الدولة الإسلامية في العراق والشام عن 300 مواطن كردي اعتقلتهم ليل أمس وصباح اليوم، بعد إفراج لواء جبهة الأكراد عن أبو مصعب، أمير الدولة الإسلامية في العراق والشام، الذي أسر ليل أمس".
واوضح المرصد ان عملية التبادل تمت بوساطة من كتائب في الجيش الحر، وافاد ناشط في تل ابيض وكالة فرانس برس عن توتر شديد في مدينة تل ابيض الواقعة في محافظة الرقة والتي استولى عليها مقاتلو المعارضة منذ ايلول/سبتمبر الماضي.
وقال رافضا كشف اسمه لوكالة فرانس برس عبر الهاتف "نعيش حربا اهلية صغيرة منذ امس"، واضاف "بعد اعتقال ابو مصعب، نشرت الدولة الاسلامية في العراق والشام عددا كبيرا من القناصة والمسلحين في المدينة، ووقعت اشتباكات (...) وحصلت تجاوزات من كل الجهات"، وتخوف من تجدد المعارك ليلا، وتابع ان "عددا كبيرا من العائلات نزح بسبب العنف. وتل ابيض هي الآن مدينة اشباح. وهناك كره متماد تجاه الاكراد، علما ان الاكراد والعرب والمسيحيين والمسلمين لطالما عاشوا في المدينة جنبا الى جنب"، وكانت مواقع جهادية على الانترنت ذكرت ان ابو مصعب تمكن من الفرار من معتقليه، وان مقاتلين من الدولة الاسلامية ساعدوه في ذلك. بحسب فرانس برس.
وقال ناصر الحاج منصور، عضو قيادة حركة المجتمع الديموقراطي التي يشكل حزب الاتحاد جزءا منها، في اتصال هاتفي مع فرانس برس، ان الاعتقالات التي طاولت الاكراد "تمت على الهوية"، وابدى منصور تخوفه من استمرار تصعيد الوضع، محملا الدولة الاسلامية مسؤولية هذا التصعيد.
مؤتمر في أربيل لأكراد العراق وسوريا وايران وتركيا
الى ذلك يستعد اقليم كردستان العراق لاستضافة مؤتمر عام تحضره احزاب سياسية كردية من العراق وسوريا وايران وتركيا، حسبما صرح به مسؤول كردي عراقي، وقال المسؤول، وهو عدنان المفتي العضو البارز في الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتزعمه الرئيس العراقي جلال طالباني "إن المؤتمر العام سيعقد في غضون شهر واحد"، وكانت مدينة أربيل عاصمة الاقليم قد استضافت مؤتمرا تحضيريا حضره ممثلو 39 حزبا وحركة كردية، وقال رئيس اقليم كردستان العراق مسعود بارزاني للمؤتمرين "نريد ان نتوصل الى اتفاق كامل والى حل عادل وسلمي للمسألة الكردية". بحسب البي بي سي.
ومن أهم المواضيع التي سيناقشها المؤتمر وضع الأكراد في سوريا التي يشكلون فيها 15 بالمئة من مجموع السكان، وما لبثت المناطق ذات الاغلبية الكردية في سوريا تدار من قبل مجالس محلية كردية منذ انسحاب القوات الحكومية منها أواسط العام الماضي، وكان الأكراد السوريون يحرصون على الابقاء على مسافة متساوية بينهم وبين طرفي النزاع في سوريا.
كما ذكرت الصحف التركية ان زعيم مجموعة كردية سورية وصل الى اسطنبول للقاء السلطات التركية، ويتوقع ان يلتقي صالح مسلم رئيس حزب الاتحاد الديموقراطي في اسطنبول مسؤولين حكوميين حسب ما ذكرت صحيفتا حرييت وراديكال، وهذا الحزب ابرز حزب كردي سوري ويعتبر الجناح السوري للمتمردين الاكراد الاتراك في حزب العمال الكردستاني، ورفضت وزارة الخارجية التركية التعليق على الموضوع لوكالة فرانس برس.
وبحسب وسائل الاعلام خططت اجهزة الاستخبارات التركية لزيارة المسؤول الكردي السوري واحاطها بتكتم كبير، وسيطر حزب الاتحاد الديموقراطي على بعض المناطق الواقعة عند الحدود التركية بعد معارك مع الجهاديين، وحذرت تركيا هذا الفصيل من اي نزعة انفصالية عند حدودها في حين تتفاوض منذ نهاية العام الماضي للتوصل الى حل سياسي لنزاعها الكردي مع حزب العمال المستمر منذ 1984.
شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 28/تموز/2013 - 19/رمضان/1434