المثقف العراقي... هل هو غائب أم مغيَّب؟
علي حسين عبيد
شبكة النبأ: مع كل هذا الضجيج الذي يدور في ربوع العراق أرضا وشعبا، في مجالات السياسة والتخطيط والاقتصاد والتعليم والصناعة وسواها، مع كل هذه الفوضى التي تجتاح (جسد) العراق، نلاحظ تحييدا مبرمجا لتغييب المثقف، أو غيابه، وانتفاء أي دور مبرز له، مع أننا نتفق كما تؤكد التجارب في الامم والشعوب الاخرى، أن نخبة المثقفين، في الغالب، هي التي تقود الطبقات والشرائح المجتمعية الاخرى، أو يفترض أن يكون الامر كذلك، وهي التي تتحكم في دفة التوجيه، وتنشر الوعي بين من أهم أقل وعيا، وأقل معرفة ببواطن الامور وخفايا المخططات السياسية مما يحيط بهم، ويسمم حياتهم، ويجعلها لا تليق بالكرامة الانسانية.
في ظل مثل هذه الأوضاع التي يعيشها العراقيون منذ سنين، وفي ظل تداخل الاوضاع واشتباكها واختلاطها، الى درجة فقدان الرؤية والسلوك معا، وعدم معرفة الاتجاه الابيض من الاسود كما يقال، ومع الحاجة القصوى لمساعدة الشعب على الابصار، ومضاعفة البصيرة لدى الشرائح الاقل وعيا، مع هذا كله، نلاحظ تراجعا غريبا لدور المثقف، فيُثار التساؤل مجددا، لماذا لا نلمس حضورا واضحا للمثقف، أين دوره؟ لماذا هذا الغياب الغريب، وهل هو غياب بمحض الارادة، أم تغييب قسري تقوم به جهات أخرى، تعمل بالضد من ارادة المثقف، فتحجّم دوره في نشر الوعي وقيادة المجتمع نحو الافضل؟.
كما هو متوقَّع، ان الغياب والتغييب، يؤديان الى الهدف المطلوب، بخصوص تحييد المثقف ودوره، وابقاء الوعي الجمعي او الشعبي، في المستوى الأدنى دائما، وبالتالي يتحقق للجهات التي تسعى لتجهيل الشعب هدفها، وهو هدف خبيث وخطير، يعمل على تخدير الطبقة الكادحة من المجتمع، بشتى الوسائل، مع شن حرب شعواء على الفكر، وعلى مشاعل الفكر، وهو هدف واضح ومعروف، وغالبا ما دخلت الطبقة المثقفة –كما تشير التجارب- في صراع ضخم متواصل مع السلطة، أو الطبقة الحاكمة عموما، بيد أن الجانب الخطير في هذا الامر عندما يقوم المثقف نفسه بتغييب دوره!!، أي انه يقوم بمساعدة السلطة على تحييد دوره الريادي، بدلا من خوض الصراع مع السلطة لتعميق الوعي العام، وتحقيق الدور المطلوب للمثقف.
اذن هناك نوعان من تحجيم الدور الثقافي، منه ما تقوم به الطبقة الحاكمة، ومنه ما يقوم المثقف نفسه به، أي يتنحى جانبا، ويترك مسؤولياته في بث الوعي الجمعي وحمايته ومضاعفته، وهو بهذا الفعل يشترك مع الطبقة الحاكمة في تجهيل الشعب، ومحاصرة الوعي، بل وتخدير الشعب، حتى يتسنى للسراق والعصابات والمافيات الايغال اكثر في سرقة ثروات الشعب، ومن ثم التجاوز على حقوق الاغلبية من الفقراء، ليس في الجانب المادي كالاموال والثروات وما شابه، بل حتى في جانب الارتقاء بالعقل والفكر والرؤية العميقة للحياة، من اجل تكوين مجتمع مثقف ناضج، يعتمد الفكر والوعي في السلوك ومسايرة الحياة اليومية، لبناء مجتمع مدني متنور ومتطور.
نعم لابد من الاعتراف ان دور المثقف ليس حاضرا كما يجب، وهناك مشاركة من المثقفين انفسهم في تغييب هذا الدور ومحاصرة المثقف، من خلال السماح لمثقفين طارئين، بتصدر الحراك الثقافي، وتراجع النخبة الثقافية المعنية فعلا بتدعيم الوعي وقيادة الثقافة، فضلا عن ابداء المحاباة للسلطة، وهو امر يثير الشكوك لدى الجميع، إذ كيف يلتقي المثقف والحاكم في ظل ظروف تؤكد الخلل في ادارة الحكم لشؤون المجتمع، خاصة ما يتعلق بالتجاوز على الحقوق المدنية، وحقوق الفقراء عندما تتعرض ثروات الشعب للتجاوز، في اشكال وطرق منظمة، تديريها عصابات، ومافيات، تمتهن سرقة قوت الشعب، على مرأى من المعنيين، بل وربما بحماية منهم لاسباب معروفة، لذا لا يصح أن يغيب دور المثقف، وينبغي أن لا يسمح المثقفون بتغييب دورهم، وبهذا فإن الغياب والتغييب لا يصبان في صالح المجتمع، وتقع مسؤولية الحل على المثقفين لمعالجة هذه المشكلة وتجاوزها فعليا.
شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 6/آب/2013 - 28/رمضان/1434