المثقف واحترام الحرية
علي حسين عبيد
شبكة النبأ: جاء في تعريف مفهوم الحرية: انها (إمكانية الفرد دون أي جبر أو ضغط خارجي على إتخاذ قرار أو تحديد خيار من عدة إمكانيات موجودة). وكذلك ورد عن الحرية أنها: (التحرر من القيود التي تكبل طاقات الإنسان وإنتاجه سواء كانت قيودا مادية أو قيودا معنوية، فهي تشمل التخلص من العبودية لشخص أو جماعة أو للذات، والتخلص من الضغوط المفروضة على شخص ما لتنفيذ غرض ما، والتخلص من الإجبار والفرض).
هذا المفهوم والتعريف يكاد يشكل رسالة المثقف في الحياة، لأن المثقف منتج للفكر أولا، فهو لا يشبه غيره من الناس، في نظرتهم وفهمهم للحرية، مع أنها خُلقت مع الانسان منذ ولادته، بمعنى ان الحرية موجودة في الفطرة، فالكائنات عموما، يتقدمها الانسان، يرفضون الاستعباد، ويمقتون الافكار والاعمال التي تحاول أن تحد من حريتهم، في الفكر والعمل.
المثقف بوصفه منتمٍ الى النخبة، لا شك أنه أكثر تحسسا وتحسبا في التعامل مع هذا الشرط القيَمي الاخلاقي، لذلك بالمعنى المتعارف عليه، يكون المثقف حرا متحررا ومروّجا للحرية في افكاره وافعاله، وغالبا ما يكون مدافعا عن شرط الحرية، لهذا تتولد حالة التصادم والاختلاف بين السلطة والمثقف على نحو دائم، وقلما نجد اصطفاف المثقفين الى جانب السلطة، لانها تستلب حرية الانسان، لاسيما اذا كانت السلطة غير محددة بضوابط دستورية وما شابه.
المثقف الحر له منزلة خاصة بين الناس، وبين اقرانه، بل حتى السلطة تتحسب من مواقف المثقف صاحب المواقف الداعمة للحرية، لذلك لابد أن تتشكل لدى المثقف درجة عالية من الاحترام للحرية، وعندما يغيب هذا الشرط، فإننا حين ذاك لا نكون ازاء مثقف متحرر، نموذج للاخر في ثباته على المبدأ، ودعمه لكلمة الحق، ورفضه بشكل قاطع لكل ما يشكل إعاقة للعقل المتحرر والفكر المتنوع.
في حياتنا اليومية، قد نصادف نوعا آخر من المثقفين، أعني بهم، أولئك الذين يدعون للحرية ولا يطبقونها، لأنهم أساسا لا يؤمنون بها، مثل هؤلاء لا يمكن أن يحسبوا على المثقفين، لأننا تعرفنا على مفهوم الحرية، وتعرفنا أيضا على مدى العلاقة المتينة والاواصر العميقة بين المثقف ومواقفه وافكاره من جهة، وبين انتمائه وارتباطه بالجوهر الاصيل للحرية، فأينما يكون المثقف الحر توجد الحرية الحقيقية المؤثرة والمنتجة، لكن هذا لا يلغي حالات الالتفاف من بعض المثقفين على الحرية وجوهرها.
فهناك مثقفون ينتسبون لمبدأ التحرر عبر الادّعاء فقط، أي أنهم يعلنون انتماءهم للحرية ولا يعملون بمبادئها، خاصة عندما يحاولون إلغاء الفكر او الرأي الاخر، حالة الالغاء هذه تدلل على عدم ايمان فعلي بالحرية، وعدم فهم لها، كذلك تشي هذه القضية بعدم احترام المثقف للحرية، عندما يحاول منع الفكر والرأي الاخر ويمحوه من الوجود، أو يدعو الى ذلك، عبر دعوات معلنة أو مبطنة، قائمة على الاقصاء، يطلقها بعض المثقفين ضد غيرهم، لمجرد الاختلاف معهم في الفكر والرأي!.
إن المثقف الذي لا يحترم حرية الاخر، هو نفسه ايضا لا يستحق الحرية، كذلك لن يجد من يقدم الاحترام له او لافكاره ومواقفه، طالما انه لا يؤمن بالتحرر فعلا، ولا يجسد ذلك في طروحاته او عبر سلوكه ونشاطه اليومي في الحياة، ما نحتاجه الان من اجل البناء الثقافي والمجتمعي السليم، مثقف يحترم الحرية عندما تكون له ولغيره في الوقت نفسه، ولا يصح ان توجد في شخصية المثقف حالة من التناقض، حينما يدعو الى الحرية ويتشبث بها، ويطالب الاخرين باحترامها، لكنه هو نفسه لا يلتزم بهذا الشرط ولا يطبقه!.
احترام المثقف للرأي الآخر، دليل على عمق ثقافته، والعكس، عندما يحاول إلغاء الآخر، فإنه في حقيقة الامر لا ينتمي لصنف المثقفين، لان الثقافة نوع من السلوك فضلا عن الفكر المطروح او المعلَن، وهكذا لابد من احترام المقولة التي تؤكد على أن المثقف الحقيقي والحرية متلازمان مع بعضهما البعض، فكلاهما صنوان لا يفترقان!.
شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 8/نيسان/2014 - 6/جمادي الآخر/1435