شبكة النبأ: منذ عقد مضى على العملية السياسية الجديدة في العراق، ولا تزال مساراتها غامضة بعض الشيء، أو غير مسيطَر عليها، كما انها معبأة بأخطاء متواصلة، لكن يمكن للمراقب المتخصص أن يستخلص رؤية معينة من هذا الحراك السياسي المتواصل على مدى عشر سنوات، في ظل تنافس شديد، وتضارب في الارادات والمصالح، يصل احيانا الى القطيعة التامة، التي تتسبب فيها صراعات التسقيط وفتح الملفات وما شابه. لا تزال العملية السياسية في العراق تحبو، وثمة من يرى انها تراوح في مكانها، وآخرون معنيون يرون انها تتراجع، فيما يرى طرف ثالث من المعنيين بالسياسة في العراق، انها تنمو ولكن ثمة صعوبات ومعوقات كبيرة تعترضها، خاصة ما يتعلق بتعدد المكونات المجتمعية، واختلافها العرقي والديني والمذهبي وما شابه، إذ تنعكس هذه الاختلافات على جوهر العملية السياسية، خاصة ان السياسيين العراقيين الذين ينتمون الى كتل متعددة، لا يترددون في استخدم العرق والدين والتعدد المذهبي لاحراز تفوق في الحصول على اكبر عدد من الكراسي في السلطة التشريعية وسواها. ولكن من الملاحظ على العملية السياسية في العراق، أنها تتطلع الى نموذج تحتذي به، وقد يكون النموذج الامريكي هو الاكثر ترشيحا من سواه، حيث يتبلور الحراك السياسي وينمو ويستمر بتشذيب الاخطاء ليصل السياسيون بالنتيجة الى نظام الحزبين الكبيرين على غرار الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري في امريكا، حيث تسيطر عجلة الاقتصاد على ادارة العملية السياسية والانتخابية برمتها. بالنتيجة يرى بعض المحللين ان القوة الاقتصادية هي التي ستمسك بزمام العملية السياية في العراق، بمعنى اوضح، من تكون له قدرة مالية اقتصادية كبيرة من الكتل او الاحزاب او حتى الشخصيات السياسية المستقلة، هو الذي سيتمتع بالسيطرة على السلطة من خلال صناديق الاقتراع وكسب اصوات الناخبين من خلال ادارة الحملة الانتخابية بقوة التخطيط والاموال وما شابه، هذا الرأي الذي يترشح من بين آراء عدة قد يكون قريبا من الواقع، فالحملات الانتخابية تحتاج الى اموال ضخمة، وهذه بدورها تأتي من خلال قوة اقتصادية لا يملكها كل من يرغب او يشاء او يحلم بالوصول الى السلطة وادارتها، في امريكا كما تقول المصادر المستقلة الموثوقة، يتم صرف مئات الملايين من الدولارات على الحملات الانتخابية، هذه الاموال لا تتوفر لكل من يرغب بدخول المعترك السياسي، ولذلك نلاحظ ان القوة الاقتصادية هي التي تسيطر على دفة السياسة وتحريكها في المجتمع الامريكي او الغربي عموما. في العراق تشير المؤشرات الاولية، الى ان العملية السياسية تمضي في هذا المسار، خاصة اننا نلاحظ دور المال في ادارة الانتخابات وتوجيه مساراتها ونتائجها، وثمة من يرى من الخبراء والمعنيين ان النموذج الامريكي قد يكون حاضرا في الساحة السياسية العراقية في نهاية المطاف، إذ سينتهي الحراك السياسي عموما الى تكوين قوتين سياسيتين كبيرتين، او حزبين كبيرين في العراق كما هو الحال في امريكا، حيث يكون للاموال الكبيرة والقدرة الاقتصادية دورها الكبير في التحكم بمسارات واتجاهات العملية السياسية ونتائح الانتخابات. ولكن في امريكا ودول الغرب عموما هناك ضوابط تشريعية وقانونية صارمة، تحكم ايقاع العملية السياسية والانتخابات، حيث الشفافية والوضوح تتصدر هذه الانشطة كافة وتقودها الى نتائج قلما يتخللها تلاعب او تزوير، علما ان المال هو الذي يتحكم بمسارات السياسة ونتائج الانتخاب، فقد أصدر مركز أبحاث أمريكي معني بتتبع دور المال في الانتخابات الأمريكية يسمى مركز السياسات المتجاوبة (The Center for Responsive Politics) إحصاءات تتعلق بحجم التبرعات السياسية التي جمعت وأنفقت خلال الانتخابات التشريعية الأمريكية الأخيرة، وتوضح البيانات التي وفرها المركز - والذي يصف نفسه بأنه غير منحاز حزبيا - الارتفاع الكبير في تكلفة الانتخابات وتكلفة الفوز بالمقاعد البرلمانية، وزيادة حاجة المرشحين السياسيين الأمريكيين لجمع كميات أكبر من الأموال لتمويل حملاتهم الانتخابية المتزايدة التكاليف، ومن ثم تزايد أهمية الدور الذي تلعبه مجموعات صغيرة جدا من الناشطين الذين يمتلكون الأموال والإرادة السياسية في التأثير على سير الحياة الديمقراطية الأمريكية. كذلك الحال بالنسبة للعراق، سيكون هناك دور مهم للقوة الاقتصادية في ادارة العملية السياسية. لكن ستبقى قوة القانون والضوابط المنظِّمة للتنافس السياسي هي المحك، وهي الهدف، والركن الاهم، في بلورة النشاط السياسي العراقي، الذي يتعلق بتنظيم السلطة وتداولها بشكل سلمي منضبط، وهذا الامر يحتاج الى مراحل نمو متصاعدة وطويلة الامد حتى تصل الى درجة النضوج، لذلك لابد من معاينة الاخطاء التي ترافق الحراك السياسي والتشريعي وما شابه، من اجل بناء عملية سياسية متوازنة ناجحة، بغض النظر طبيعة التنافس او الصراع. |