هذه هي الديمقراطية فاحترموها
هذا هو خيار الشعب البحريني فاحترموه، وهذه قواعد الديمقراطية فلا تتجاوزوها، وكفى تطاولاً وفتاوى سياسيةً ووصايةً على الناس.
البرلمان السابق كانت تسيطر عليه ثلاث تيارات إسلامية، وحتى المستقلون كانوا قريبين منها أو غير متصادمين معها. وفي انتخابات 2010، أسقط الناخبون كتلتين إسلاميتين، وعزّزوا انتخاب كتلة إسلامية ثالثة، وعلى الجميع احترام خيارات الناخبين.
هناك تغيراتٌ مهمةٌ طرأت على المزاج العام، لم يستوعبها البعض، خصوصاً مدرسة «الحشو» و«الحش» الصحافي، فيخدعون أنفسهم ويضلّلون الرأي العام. والانتخابات أثبتت بُعْدهم عن تطلعات الشارع، وبراءة الشارع مما يطرحون، فمَن روَّجت لهم طوال عام كامل، سقط نصفهم في الدور الأول، وانتقل نصفهم إلى الدور الثاني. هذه الصدمة من شأنها أن تعيد الوعي لفاقده، ليراجع حساباته إلا هؤلاء، وفيهم صغارٌ وكبارٌ ومتقاعدون.
جمال كل صحيفةٍ موضوعيتها وتنوّع الآراء فيها، أما إذا تحوّلت إلى عدوانٍ على بعض أطراف المجتمع واستباحة غير أخلاقية لبعض مكوناته، فهذا يكشف ضعفها وهشاشة مهنيتها وينفّر عنها الجمهور.
منذ مطلع العام، اتضح للمراقبين وجود خطة استهدافٍ لقوى المعارضة، بطريقة تكسير العظام. وفي الأشهر الأخيرة، تركّز الهجوم على تحالف «وعد» و»الوفاق» من أجل تفكيكه. مئات المقالات وغير المقالات صبّت في هذا الاتجاه دون أن تحقّق هدفها بفضل تماسك «وعد» ووعيها للفخ.
ما جرى يوم 23 أكتوبر/ تشرين الأول، كان نكسةً لخيار التحريض على تشطير المجتمع، وهزيمةً لدعاة نظرية «مساجدنا ومساجدكم» التي تقسّم الشعب الواحد على أساس الطوائف والقبائل والمناطق و(الزرانيق). فبعد عامٍ من التهييج، تكشّف للجميع أن هذا الطرح التشطيري لا يلقى صدى لدى الشارع البحريني الذي يميل بفطرته نحو الائتلاف، ويميل بمشاعره نحو التقارب والتواد... إرثاً كريماً نتفاخر به جميعاً، ورثناه من الأجداد.
ما جرى كان صدمةً لأنها جاءت على غير هوى وتوقعات مدرسة التحريض والتهييج، فمنهم من تحدّث عن واقعٍ سياسي مقيت، ومنهم من اعتبره زلزالاً، ومنهم من اعتبره عاصفةً استوائية، مع أنه - موضوعياً - لا يزيد على حركةٍ تصحيحيةٍ، عبّر فيها الشارع عن رأيه في أداء الجمعيات الدينية التي دخلت السياسة على كِبَر.
الطاحونة التي روّجت لأشخاصٍ سقط أغلبهم يوم الانتخابات، وفاز كل من ناصبتهم العداء، لم تستوعب الدرس، وعادت للهرج من جديد... فـ «قرار الشارع (الشيعي) متروكٌ لرجال الدين، ولا تنفع مناقشة الوعي أو عدم الوعي»! ولتبدأ سيمفونية التشهير والشتائم التي يستمرئونها كل صباح، مع الاستهانة بتوزيع نعوت الجهل والتخلف على مَنْ مارسوا حريتهم في اختيار مَنْ يريدون. هذه هي الديمقراطية وقواعدها... فلماذا تمارسون الوصاية التوتاليتارية على الناس؟ وكيف نصّبتم أنفسكم أوصياء على نصف سكان البحرين وقد خلقهم الله أحراراً فيما يختارون؟
«الوفاق» ليست جمعيةً معصومةً، ولا مرشّحوها هم أفضل الكفاءات بالضرورة، ولكن علينا أن نحترم خيارات الناس.
الكثير من الهرج سيستمر لأسابيع قادمة، وبِودِّي لو يخرج من طلبة علم النفس والاجتماع الشباب بالجامعة، من يرصد أسباب فوز «الوفاق» الكاسح ومن الدور الأول، لنعرف العوامل حسب أهميتها: دور الفتوى الدينية في رفع نسبة المشاركة في هذه الانتخابات؛ الحدث الأمني في مستهل الشهر الكريم وتداعياته؛ الإجراءات اللاحقة حقوقياً وصحافياً ومدنياً؛ الحملات الإعلامية التي أديرت بحماقةٍ لتضر الوفاق فنفعتها؛ حتى اقترح أحدهم أن تقوم بحفل لتكريم من أسدَوا لها بشتائمهم أكبر الخدمات!
قاسم حسين
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 2974 - الخميس 28 أكتوبر 2010م الموافق 20 ذي القعدة 1431هـ