مسيرة الديمقراطية والحريات
شهد شارع البديع عصر الجمعة الماضي عودة المسيرات الشعبية التي دعت إليها الجمعيات السياسية المعارضة، أكثر من شهرين من منع الداخلية للحراك السياسي العلني.
قرار المنع لقي اعتراضاً داخلياً وخارجياً، باعتباره تضييقاً إضافياً على حرية الرأي، وحتى من قبل الدول الحليفة والصديقة، بمنطق: «ماذا أبقيتم للمعارضة من هامش حرية وحراك»؟
وكما كان متوقعاً، عادت المسيرة هذه المرة إلى الشارع بزخمٍ قوي، وكما يحصل للماء الذي يُمنع من التدفق والجريان، حرص الألوف، من مختلف الشرائح والمناطق والأعمار، على المشاركة في هذه المسيرة.
المسيرة تقدّمها عددٌ من قيادات الجمعيات السياسية والشخصيات الوطنية والدينية، وتمحورت أكثر الشعارات حول المطالبة بإطلاق سراح السجناء السياسيين والنشطاء الحقوقيين، باعتبارهم معتقلي رأي. وهو ما يلتقي مع الدعوات التي أطلقتها بعض عواصم الدول الكبرى والاتحاد الأوروبي، فضلاً عن المنظمات الحقوقية كمنظمة العفو الدولية، التي كان موقفها واضحاً في اعتبار محاكمة الناشط الحقوقي البحريني يوماً أسود للعدالة.
في هذا الإطار، حمل المتظاهرون لوحات مكتوبة باللغتين العربية والانجليزية تنادي بإطلاق سجناء الرأي، بعضها يجمع صور بعض الرموز السياسيين المعروفين، وبعضها جمع صور معتقلين أو سجناء آخرين من مناطق معينة، من بين مئاتٍ يتوزّعون على خريطة الوطن.
في هذه المسيرة، استمرت المرأة في تسجيل حضورها القوي ضمن هذا الحراك الشعبي الذي تفجّر مع انطلاقة الربيع العربي في عددٍ من بلدان المنطقة. والحضور وبهذه الصورة، يبدو للمراقب حدثاً يحمل دلالةً سياسيةً عميقة ويثير الكثير من التساؤلات. فليس عادياً اجتماع هذا العدد الكبير بعد ظهر يوم العطلة الأسبوعية التي تجتمع فيها العائلة البحرينية، وقطع مسافة كيلومترين بين دواري جنوسان وسار سيراً على الأقدام، في درجة حرارة بلغت 42 درجة مئوية. وما حدث أن أهالي القرى التي مرت عليها المسيرة استقبلوا الجمهور بالماء البارد والعصائر، بينما دار آخرون وسطها وهم يرشون الماء لتلطيف الجو الحار.
في دول خليجية أخرى، ترد أخبارٌ متفرقةٌ عن حوادث اعتقال بين فترات متباعدة، لكن الحراك الذي تشهده البحرين له إيقاعٌ آخر، أكثر حركيةً ونشاطاً وانسجاماً مع حراك ما يسمى بالربيع العربي. ومشاهدتك لسيداتٍ في خريف العمر يحملن صور معتقلين ويردّدن شعارات سياسية في شارع خليجي، يحمل أكثر من دلالةٍ وإيحاء، وخصوصاً أن هذا الحراك الشعبي تعرض لحملةٍ شرسةٍ من التخوين والسباب الإعلامي الذي تجاوز كل الأعراف والأخلاق، حتى انحدر سفلاً إلى تخوين الناس وطعنهم في أعراضهم والمسّ بدينهم وهدم مساجدهم وقطع أرزاقهم، في حملةٍ غير مسبوقة على مستوى العالم العربي كله. فإذا استمر مثل هذا الحراك بعد كل هذه الضغوطات والاستباحات، فذلك يعني أن الحركة متجذرةٌ في الأرض، ولها مطالب حقيقية وتطلعات سياسية مشروعة، كما يحدث لبقية شعوب الأرض المتطلعة نحو مستقبل أكثر عدلاً وإنسانيةً وإشراقاً.
في هذه المسيرة، لوحظ وجود كثير من الأطفال أيضاً، وبعضهم حمل صور المعتقلين أو بعض الرموز الدالة على السجون كالقضبان. هؤلاء ربما لديهم أب أو جد أو أخ يقبع في السجن، وربما تعرض بعض أقاربهم الأقربين لإصابة أو كان أحد الضحايا الذين زاد عددهم على المئة الآن. إلى جانب ذلك هناك أعدادٌ متزايدةٌ من الأطفال من ضحايا النزاع السياسي، بعضهم فقد عينه وبعضهم تعرّض لتجربة اعتقال وهو لم يتجاوز الرابعة عشرة من عمره، وبعضهم قُدّم لمحاكمةٍ وهو مازال حدثاً بحسب القانون المحلي والدولي.
قاسم حسين
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3648 - الأحد 02 سبتمبر 2012م الموافق 15 شوال 1433هـ