حديث الجمعة 25/ ذو القعدة/1422هـ - 8/2/2002م لسماحة الشيخ عبد الأمير الجمري في جامع الإمام الصادق(ع) -القفول -المنامة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمدٍ وآله الطاهرين، وأصحابه المنتجبين، والتابعين بإحسان إلى يوم الدين.
أيها الإخوة والأخوات،أيها الأبناء والبنات، سلامٌ من الله عليكم ورحمةٌ وبركات، وبعدُ:
فقد قال الله تعالى:{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} (الروم:54) صدق الله العلي العظيم.
أيها الأحبة تكلَّمنا في الأسبوعين الماضيين عن مشكلتين من مشاكل الشباب وهما:
1) مشكلة غياب أسلوب الحوار بين الآباء والأبناء.
2) مشكلة إحساس الشباب بأنَّ قدراتهم ومؤهلاتهم غير محترمة. وطالبنا في الثانية أن يكون هناك احترام للطاقات والمؤهلات من قبلنا كآباء وعلماء ومثقفين. وقلنا يجب أن لا يكون هناك رفضٌ مطلق لكل ما يصدر من الشباب، واليوم نريد أن نقف عند نقطة رئيسية يثيرها الآباء حول الشباب وهي: 1) حالة الارتجال في القرارات والمواقف عند الشباب. وهي مشكلة تحتاج للمعالجة. وهذه المشكلة ليست مختصَّة فقط بالشباب لكنَّها فيهم تكون أكثر بروزاً للأسباب الآتية:أ)الحماس الزائد عند الشباب. ب) الانفعال وعدم التريُّث في الأمور. ج) السطحية وعدم التعمُّق في القضايا. د) قلَّة الخبرة عند جيل الشباب. مثال لحالة الإرتجال في القرارات والمواقف عند الشباب:التعامل مع الشعارات المطروحة:والشعارات مثل: حقوق الإنسان، حقوق المرأة، الدفاع عن العمال. لاشكَّ أنَّ هذه شعارات مطلوبة ومهمة ولكن تحتاج للدراسة من حيث محتواها، وأهدافها، وتوقيت رفعها، ومعرفة القائمين عليها. فبعض الشعارات- عندما ترفع-حقيقية، وبعضها مزيَّفة وراءها أهداف. كذلك الوسائل المستخدمة ينبغي أن تُدرس، وتُفحص، و يتأكَّد من شرعيتها. والأخطاء تقع حين التفاعل معها بحماس زائد، وانفعال شديد دون دراسة، أو دراستها بسطحية. فلا بدَّ من التريُّث والاستشارة والتعمُّق في الأمور وعلى الشباب تحديداً معالجة الأسباب المذكورة لحالة الإرتجال في القرارات والمواقف. أيها الأحبة: وحيث جدَّت أمور هامَّة في البلد فإني أستميحكم العذر لأنقل الكلام إليها، وفيما يأتي من الأسابيع أواصل الكلام عن الشباب،وقبل ذلك يحسن أن أُبلِّغكم سلام إخوتكم من أهل القطيف، فقد وُفِّقتُ ليلة ما قبل البارحة(الخميس) لزيارة هذا البلد العزيز، تلبية لدعوةٍ كريمة تلقيَّتُها من الأخ العزيز سماحة العلاَّمة الجليل الشيخ حسن موسى الصفَّار(حفظه الله) وأيَّده، واجتمعتُ في منزله العامر بعددٍ كبير من الإخوة المؤمنين، علماء وأدباء وأساتذة ومفكِّرين، وشخصيات بارزة، وزرتُ بيت المرحوم سماحة العلاَّمة الجليل الشيخ منصور البيات(طيب الله ثراه) لتقديم التعزية لأهله، ولقد رأيتُ من الإخوة هناك ما هم أهله من التقدير والإحترام والإكرام والخُلُق العالي، بل ما أُعبِّر عنه احتضاناً منهم لي، جزاهم الله خير جزاء المحسنين. ولقد تجشَّمَ عدد غير قليل من الشخصيات المؤمنة من أهالي الإحساء، وصفوة، وسيهات، وعدد من المدن والقرى، تجشَّموا أجزل الله أجرهم زيارتي من أماكنهم البعيدة وقدَّموا دعواتهم لزيارتهم، وكان الساعات الأربع التي قضيتُها بين هؤلاء الإخوة الطيبين النبلاء من أسعد ساعاتي، جزى الله الجميع خيراً. فأقول:
خطاب سمو الأمير: ورد في خطاب سمو الأمير بتاريخ 5 فبراير 2002 أمران هامان:
الأول يتعلَّق بتخفيف القروض الإسكانية وإلغاء بعضها، مما يستفيد منه قرابة 30 ألف عائلة بحرينية، وهذا أمرٌ محمود ويشكر عليه سمو الأمير لم تحدث في تاريخ البحرين سابقاً.
الثاني يتعلَّق بحديث سموه عن إصدار دستور معدّل. وعُلِم أن هناك نيةً لطرح الدستور المعدل للاستفتاء العام. وفي هذا الصدد فإن هناك رأيين مختلفين حول طريقة التعديل الدستوري، الطريقة الأولى هي تعديل الدستور من خلال الطريقة الدستورية المنصوص عليها في المادة 104، ويكون التعديل جزئياً وفق المادة واحد فقرة "و"، وإذا كان هناك صعوبة في تطبيق المادة 104 فإنه يلزم أن تكون هناك هيئة منتخبة لإقرار التعديلات، وهو ما كنا ندعو إليه وقد طرحنا هذا الرأي على سمو الأمير. ولنا كلمة حول الاستفتاء للتعديل الدستوري وهي: أنَّ جميع الدول العريقة لا تذهب إلى الاستفتاء إلا بعد أن تُجري حواراً عاماً وطنياً ومفتوحاً، بحيث يشترك فيه ممثلو القوى السياسية بطريقة ديمقراطية مقبولة، وتشترك الصحافة بصورة أساسية في طرح الأفكار والحوارات والآراء المتضادَّة والتعديلات، وبعد أن تمر التعديلات بهذه العملية الحوارية، وتستكمل أخذ الآراء المختلفة تُطرح التعديلات للاستفتاء العام، وهي أيضاً في هذا الوقت وفي هذه الحالة لا تستغني عن موافقة المجلس المنتخب، سواء قبل أو بعد إجراء الاستفتاء. والفرق بين الاستفتاء العام والتصويت داخل هيئة منتخبة هو أنَّ الهيئة المنتخبة تُمثِّل زبدة المجتمع التي تُعبِّر بصورة أصدق عن مصالح الناس الحالية والمستقبلية. أما إجراء الاستفتاء بصورة أوحادية – يعني بلا حوار ومن طرف واحد- فهو يُحدث خللاً إجرائيا يحتاج علاجه إلى دقة وبعد نظر، لكي لا نقع مستقبلاً في أزمة دستورية. وبودنا أن نُؤكِّد وقوفنا من سمو الأمير حول مشروع التعديل الدستوري حسبما تم الإتفاق عليه قُبَيْل التصديق على الميثاق، حيث تم الاتفاق على أن الحاكمية للدستور، وأن السلطة التشريعية بيد المجلس المنتخب فقط، وقد صدر بهذا الشأن عدة تصريحات علنية. ولكن، ولكي نتمكَّنَ من مساندة سمو الأمير في التعديلات فإننا بحاجة للمشاركة الفعلية والعلنية في الحوار الوطني العام من خلال وسائل الصحافة، و الهيئات المعتبرة قانونياً، لكي يكون الدستور عقداً اجتماعياً تقبله جميع الأطراف داخل مجتمع البحرين. ولذا فإنَّنا ندعو لفتح الحوار الصريح حول التعديلات الدستورية لكي نبعد الهواجس، ونواصل التلاحم الذي أعاد للبحرين عزتها ومجدها، ونحن واثقون أن هذا هو الذي يوافق حكمة سمو الأمير وتوجّهاته السديدة. القائمة السوداء: تفاجأ الجميع في الداخل والخارج حين سُمع بخبر استدعاء بعض الرموز الشعبية والإصلاحية لإخبارهم بأنهم على قائمة الأسماء المطلوبة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، المتعلِّقة بأحداث 11 سبتمبر، ولي حول هذا الموضوع عدة نقاط:1)إنَّ البحرين تعيش منذ فبراير الماضي عمليةً إصلاحية جدّية بقيادة سمو الأمير، ومشاركةِ القوى السياسيةِ المُمثِّلةِ للشعب، وإنَّ أي محاولة لحرف هذه المسيرة الإصلاحية عن اتجاهها الصحيح هي محاولة مشبوهة مرفوضة سواء جاءت من أطراف داخلية أو خارجية، إقليمية أو دولية والتعامل معها يجب أن يكون بأسلوب موضوعي يطوِّقها ويعزلها بعيداً عن مسار الإصلاح. 2)إنَّ ما قاله المسئول الأمني في استدعائه لبعض الرموز ثبت بطلانه جملةً وتفصيلاً، حيث تم نفيه من قبل الإدارة الأمريكية نفياً قاطعاً كما نُشر في الصحف المحلية، وبالتالي فإنَّ وزارة الداخلية مازالت مُطاَلَبةً بمعالجة الموضوع بصورة أكثرَ شفافية، لأنَّ الموضوع يمسّ أمن المواطن واستقراره، وليس صحيحاً أن الدولة لا تضمن لمواطنيها حياتهم إذا غادروا البلد كما قال المسئول الأمني للأخوة الذين استدعاهم، فكما على المواطنين الدفاع عن بلدهم بالنفس والنفيس، فإنَّ على الحكومة أن تدافع عن مواطنيها في الداخل والخارج، وأن تطالب بالدليل، وتحتج على الآخرين، لأن ذلك –لو كان ما قِيل صحيحاً- يُعتبر تدخُّلاً في شئوننا الداخلية.
1) إنَّ الإخوة والأبناء الذين تم استدعاؤهم يوم الثلاثاء 5 فبراير هم رموز شعبية شاركوا في العملية الإصلاحية بوضوح وإخلاص، ووضعُهم ومساهماتُهم معروفة لدى المسئولين وعند عموم الشعب، ومن هنا فإن مجرد توجيه التهم لهم بهذا الخصوص هو مثار استغراب واستنكار منّا جميعاً.إنَّ توجيه مثل هذا الاتهام لهذه النخبة من شأنه إلصاقُ تُهم منفِّرة بهم، ووضعُهم في موقف الدفاع عن أنفسهم، وتقييدُ حركتهم، وفي ذلك تفويت لكثير من مصالحهم كأفراد، ومصالح هذا الشعب الذي سيخسر كثيراً بتقييد حركة هذه الجماعة المخلصة والمعروفة لدى الأمة. إننا بحاجة إلى استمرار عطاء هذه الجماعة، لدفع المسيرة الإصلاحية التي يقودها سمو الأمير، وللمشاركة في الحوار الوطني البنّاء، وللتواجد المستمر في الساحة. ونتمنَّى أن يكون للمسئولين موقفٌ مساندٌ لهؤلاء، ومدافعٌ عنهم، وهذا هو المؤمل في دولة تعيش عرساً ديمقراطياً، وعلاقة طيبة بين الحاكم والمحكوم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وإلى أرواح الشهداء وجميع أموات الأمة الإسلامية رحم الله من قرأ الفاتحة تسبقها الصلوات على محمد وآل محمد.