حديث الجمعة 28/شهر رمضان/1422هـ/ 14/12/2001م لسماحة الشيخ عبد الأمير الجمري في جامع الإمام الصادق(ع) -القفول -المنامة

حديث الجمعة 28/شهر رمضان/1422هـ/ 14/12/2001م لسماحة الشيخ عبد الأمير الجمري في جامع الإمام الصادق(ع) -القفول -المنامة



بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، وأصحابه المنتجبين والتابعين بإحسان إلى يوم الدين.-أيهاالإخوة- والأخوات،أيها الأبناء والبنات،سلام من الله عليكم ورحمةٌ وبركات،وبعد:

فقد قال الله تعالى:{وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الأرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} (الأنبياء:71) . سوف يكون كلامنا-أيها الأحبَّة-على ضوء الآية المباركة وانطلاقاً منها،فنقول: الضمير في(وَنَجَّيْنَاهُ ) يعود إلى خليل الله إبراهيم(ع)،والآية تُصرِّح بنجاة إبراهيم ولوط، ووصولهما إلى الأرض المباركة،وما هي الأرض المباركة؟ الأرض المباركة في هذه الآية وفي عدَّة نصوص قرآنية أخرى لا تقل عن خمسة ،هي فلسطين. فلسطين التي أصبحت منذ حوالي سنة عشرين للهجرة 640 للميلاد جزءً من العالم الإسلامي،ودخل أكثر أهلها في الإسلام،والتي فتحت عاصمتها القدس سنة خمس عشرة للهجرة 635 للميلاد، وذلك حينما انتصر الجيش الإسلامي انتصاراً عظيماً في معركة اليرموك على البيزنطيين،وتابع المسلمون بعد هذه المعركة الحاسمة فتوحاتهم في فلسطين. وتنبع القيمة الدينية والأهمية الإسلامية للقدس من تصريح القرآن الكريم في عدَّة نصوص- كما أشرنا- من أنها الأرض المباركة،ومن كونها القبلة الأولى للمسلمين،ومن كونها تضمُّ الآثار المقدَّسة ،ومن كونها مسرى النبي الأعظم (ص)،فمن أرضها صَعَدَ(ص) إلى السماوات العُلى ورأى من آيات ربِّه الكبرى، وإنَّ للإسراء به(ص) من البيت الحرام إلى المسجد الأقصى لأبعاداً عظيمة،فالله سبحانه أراد أن يُبيِّن قُدسية القدس ومكانته في الإسلام،وأراد أن يربطَ بين المسجدين،ويوحي بوظيفة المسلمين ودورهم الإيجابي تجاه القدس ،فعلى من يُقدِّس ويُعظِّم ويقف ويُضحِّي من أجل المسجد الحرام،أن يقدِّس ويعظِّم،ويقف، ويضحِّي من أجل بيت المقدس ،وإنه سبحانه أراد أن يبيِّن للمسلمين ويوحي إليهم قبل أن ينكبوا في هذه الأرض بأربعة عشر قرناً ما يجب عليهم أن يفعلوه إذا نكبوا من التضحية بالأموال والأرواح بعيدين عن المساومة،والمهادنة،والسلم والسلام.



ماذا تُمثِّل مشكلة القدس؟

إنَّها تُمثِّل مظهراً عظيماً للمشكلة الأم،وهي انفصال الأمَّة عن رسالتها .وما النكسات السياسية والعسكرية وغيرها إلا مظاهر مختلفة للمشكلة الأم،مشكلة ذوبان المقوِّمات الحضارية في نفوس الكثيرين من أبناء الأمة.فالأمة برسالتها لا تُهزم، ولا تُذل، ولا تُستلب أراضيها، ولا تُنتهك كرامتها. وخذ مثلاً لما نقول: لقد وقف الفلسطينيون في وجه الغزاة ،وقاوموا في فلسطين بروح الإسلام،وتحت مظلَّته،وبروح الجهاد المقدَّس منذ سنة 1920م حتى سنة 1948م فاستطاعوا على ضعف إمكاناتهم أن يمنعوا قيام دولة اليهود إلى أن تمكَّن الإستكبار والقوى الكافرة بلُغَتِهم ووسائلهم المتنوِّعَة، وبمعونة القيادات والزعماء الخونة من تسليم فلسطين إلى اليهود رسمياً على أيدي وسائطَ خونة،أما والمسلمون متمسِّكون برسالتهم وصادقون معها فإنهم لن يُهزموا إطلاقاً،{وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} (النساء:141).وقال تعالى:{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}(المنافقون: ،وقال تعالى:{وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}(الروم: 47)، وقال تعالى:{وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (آل عمران:139).نعم تكفَّل الله للمؤمنين بالنصر والعزَّة والعلو بصفتهم مؤمنين.



الإمام الخميني ويوم القدس العالمي:

وآخر يوم جمعةٍ من شهر رمضان المبارك جعله الإمام الخميني(طاب ثراه) يوماً عالمياً للقدس حيث قال في خطابه:{يجب على المسلمين إحياء يوم القدس}،



وقال أيضاً: فالذين لا يُشاركون في تكريم هذا اليوم وإحيائه هم مخالفون للإسلام وموافقون لإسرائيل}.وقد أسس هذا اليوم في أول رمضان بعد انتصار الثورة الإسلامية عام 1979م. أجل-نظراً لكون المسلمين في خضمِّ روحانية هذا الشهر الكريم جعل الإمام(قدس سره) هذا اليوم يوماً عالمياً للقدس،ولذلك أبعاد كبيرة، منها:إخراج قضية القدس عن النطاق الضيِّق والرؤية الضيِّقة الإستكبارية التي جعلت هذه القضية قضية الفلسطينيين وحدهم،وإعلانها قضية إسلامية،قضية كل المسلمين في العالم،إفشالاً للعبة الإستكبارية. ومنها:إعطاء قضية القدس حياة واستمرارية في ضمير الأمة،مقاومةً للخطط الهادفة لمحو هذه القضية،ومن هذه الخطط ما يُسمِّى بمحادثات السلام.ومنها:تنبيه المسلمين إلى أن من أعظم واجباتهم الإسناد المعنوي والمادي والسياسي للقدس وأهلها،وأن السلبيَّ تجاه هذه القضية إنما هو في الحقيقة مُسنِدٌ لإسرائيل ،ومُكرِّسٌ لوضع الكيان الصهيوني الغاصب.



أيها الأحبَّة: مرَّت القضية الفلسطينية بثلاث مراحل خطرة بدأتها إسرائيل بمرحلة الإبادة والتشريد، ثم مرحلة الإحتلال والاستيطان ،والمرحلة الثالثة والتي مازلنا نعيش في أجوائها وهي مرحلة انتزاع الاعتراف وانتزاع الشرعية،وهذه أخطر المراحل الثلاث،والتي بدأت من(مدريد) ثم (أوسلو) وتتالت بعدها الإجتماعات السريَّة والعلنية. وخطورة هذه المرحلة خصوصاً بعد أحداث التفجيرات في أمريكا.إنهم الآن يتلاعبون بالمفاهيم والقيم،يريدون أن يُحوِّلوا (الجلاَّد) إلى (ضحيَّة) والضحية إلى عنصر إرهابي،يريدون أن يُحوِّلوا مقاومة الإحتلال إلى أعمال(إرهابية وإجراميَّة) تسهيلاً لضربها.



أيها الأحبَّة: تصوَّروا أن أمريكا ومعها الإتِّحاد الأوربّي يطالبون(عرفات) بتفكيك ومحاربة حركتي حماس والجهاد الإسلاميَّتين بحجَّة أنهما منظمتان إرهابيتان؟! تصوَّروا أن أمريكا وبريطانيا الآن تقومان بالضغط على لبنان لتفكيك حزب الله بحجَّة أنه منظمة إرهابية.



أيها المؤمنون والمؤمنات: تصوَّروا لبنان أو فلسطين من دون حزب الله أو أمل أو حماس أو الجهاد أو حركة فتح أو أي حركة مقاومة... كيف سيكون الحال؟! هل كان الجنوب سيتحرَّر؟ تصوَّروا ماذا ستفعل إسرائيل بالفلسطينيين إذا لم تكن هناك مقاومة للإحتلال؟ أقول: صحيح أننا دولة صغيرة ،إلا أننا جزء من العالم الإسلامي، وإن موقفنا من قضية احتلال المقدَّسات واضحٌ يتلخَّص فيما يأتي:1-إن مقاومة الإحتلال الإسرائيلي مقاومة مشروعة في كلِّ الشرائع السماوية والأرضية وليست إرهاباً.

1. إن الاعتراف بالاحتلال خيانة للأمة حتى في زمن الضعف الذي نعيشه، فالضعف لا يُبرِّر الاعتراف بالاحتلال.

2. وإنَّ مستقبل فلسطين هو بيد الشعب الفلسطيني ،السكَّان الأصليين، وليس أولئك الذين جيء بهم من أصقاع الأرض،شرقها وغربها. وندائي من هذا المنبر والمكان المقدَّس،في هذا الشهر المبارك أرفعه للحكَّام أولاً والشعوب ،وفيهم العلماء والكتَّاب والأدباء:إن قضية القدس هي مسئوليتنا جميعاً.هي مسئولية أصحاب القرار،وأصحاب القلم ،وأصحاب الكلمة، وإن القدس هي قضية المسلمين الأولى،فلا ينبغي التفريط فيها مهما ازدادت الضغوط أو المغريات،فلا خيرَ في أمةٍ لا تحمي مقدساتها ورموزها. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم،وإلى أرواح شهدائنا الأبرار وجميع أموات الأمة الإسلامية رحم الله من قرأ الفاتحة تسبقها الصلوات على محمد وآل محمد.