إشراقةٌ مَعرفيّة وعلميَّةٌ مِن سيرة الإمام جعفر الصادق
(عليه السلام) :
لقد عاصر الإمام جعفر الصادق(عليه السلام) جواً علميَّاً ، شغلته مختلف التيارات والمذاهب الفكريّة والعلميّة والفلسفيّة والثقافية ، حتى وصل الأمر إلى غزو الإلحاد والكفر والزندقة
منظومة المسلمين أنذاك .
ومن هنا انبرى الإمام الصادق كإمام معصوم وأستاذ مكين وعالم فذ ، لايُدانيه أحدٌ مِن العلماء على الاطلاق .
فأسس جامعة أهل البيت في المسجد النبوي الشريف
، وقام بنشر العلم والمعرفة من هناك للعالم أجمع .
ويمكن إجمال حَرَاكِ الإمام جعفر الصادق العلميَّ في أمرين:
الأمر الأول - كان الإمام الصادق يهدف بتحرّكه العلمي الواسع على مستوى المدينة المنورة والعراق والشام ،
أنذاك إلى حماية العقيدة الإسلامية الحقة من التيارات العقدية والفلسفية الإلحادية، والمقولات الباطلة كالزندقة والغلو والثقافات التي لاتنسجم مع عقيدة التوحيد الأصيل والصحيح في الإسلام الأصيل .
والدليل على سعة نشاطه العلمي والمعرفي هذا، هو كثرة طلّابه والعلماء الذين تخرجوا من مدرسته العلميّة والفقهيّة والكلاميّة والفلسفيّة .
وحتى ( أنّ الحافظ ابن عقدة الزيدي جمعَ في كتاب رجاله
أربعة آلاف رجل من الثقات الّذين رووا عن الإمام جعفر الصادق، فضلاً عن غيرهم وذكر مصنفاتهم)
: أعيان الشيعة : السيد محسن الأمين ، ج1 ، ص661.
( وقد سُئِل أبو حنيفة عن أفقه مَن رأى؟ فقال: جعفر بن محمد الصادق.
وعن مالك بن أنس قال : ما رأتْ عينٌ ، ولا سمعتْ أُذنٌ ، ولا خطرَ على قلب بشر ، أفضل من جعفر الصادق، فضلاً وعلماً وعبادةً وورعا)
: مناقب آل أبي طالب: ابن شهر آشوب ، ج4 ، ص247.
وهاتات الشهادتان الأخيرتان تمثّلان اعترافاً حقيقياً من فقهاءٍ ، تتلمذوا على يد استاذهم المعصوم الإمام جعفر الصادق(عليه السلام) بعلو درجته وحقانيّة إمامته الدينيّة والدنيوية.
الأمر الثاني - العمل على نشر الإسلام الأصيل وتوسيع دائرة الفقه والتشريع ، وتثبيت معالم مدرسة أهل البيت المعصومين( عليهم السلام) والمحافظة على اصالتها القيميَّة وديمومتها الوجودية تشريعاً وطريقاً وتطبيقا.
وتَمثلَ هذا العمل الذي قام به الإمام الصادق بإعداد العلماء والفقهاء والمتكلمين ، وتربيتهم تربيةً علميّةً وأخلاقيّةً وفق منهاج أهل البيت المعصومين.
وكشاهد تأريخي على هذه الحقيقة ، هو بروز تلامذةٌ مُمََيَّزين معرفيّا وعلميّاً على يد الإمام الصادق .
مثل التلميذ الأوّل - هشام بن الحكم في وقته وتفوّقه علميّاً ومعرفيّاً على كلّ متكلمي زمانه .
(وهو أبو محمّد هشام بن الحكم الكوفي الشيباني ،حدَّثَ عن الإمامين الصادق والكاظم ، عليهما السلام، وكان عالي المنزلة عندهما ، رويتْ له عنهما مدائح كثيرة ، برع في الكلام ، ففتق الكلام ،وكان فيه حاذقا حاضر الجواب ، له مناظرات عديدة ، نقل الكشي بعضها في رجاله،وله كتب كثيرة ، توفي سنة 199 هجريّة)
: رجال العلّامة الحلي : 178 .
- وتم تأسيس علم الكلام عند الشيعة ، الذي يقوم بمهمة الدفاع عن المذهب ، في بغداد على يد العالم والمُتكلّم
هشام بن الحكم - بفضل تتلمذه عند الإمام الصادق -:
انظر: الرسائل العشر: الطوسي : ص16.
والتلميذ الثاني - الذي برز بروزا مُميزا على يد الإمام الصادق في الفقه والحديث ، هو - زرارة بن أعين - والذي عاصر الإمامين الباقر والصادق معاً.
وعنه قال العالم الرجالي، النجاشي:
( زرارة بن أعين ، هو أبو الحسن الشيباني ، شيخ أصحابنا في زمانه ، ومتقدّمهم ، وكان قارئا ، فقيهاً ، مُتكلّما ، شاعرا ،أديباً ،
قد اجتمعتْ فيه خلال الفضل والدّين ، صادقاً فيما يرويه،
مات سنة خمسين ومائة للهجرة )
: رجال النجاشي: ص 175 .
وهذا غيضٌ مِن فيضٍ كبير ، ذكرناه اختصارا ، ومَن شاءَ التوسعة ، فليُراجع المُطوّلاتِ مِن الكتب المعتبرة.
مرتضى علي الحلي - النجف الأشرف .