هل ما حدث كان استخفافاً أم أنه انحرافٌ خارج إطار القانون؟
علي محسن الورقاء
comments [at] alwasatnews.com
محامٍ بحريني
علي محسن الورقاء
تكبير الخطتصغير الخط
التعليقات
7
واقعةٌ كهذه قد تحدث في الزمن ما قبل السبعينات من القرن الماضي، أو قبل انتظام مؤسسات الدولة، حين كانت القرارات الإدارية التي يصدرها رؤساء المرافق العامة تصدر دون أن تمُرُّ عبر هيئة استشارية رسمية ودون أن يتم نشرها في الجريدة الرسمية، أما اليوم وبعد اكتمال مؤسسات الدولة وانتظامها فإن أي قرار إداري يمس مصالح الأمة وحقوق الأفراد ويتصل بالجوانب المعيشية أو الاقتصادية أو الاجتماعية وغيرها لا بد وأن يمُّر عبر هيئة استشارية قانونية رسمية أولاً، باعتبار أن القرار الإداري هو عمل قانوني قبل كل شيء، وأن يكون هذا القرار متطابقاً مع أحكام القانون وصادراً من مسئول لا تقل درجته عن درجة وزير أو ما يعادلها، وأن يُنشر في الجريدة الرسمية، وعلى أن تُعطى مهلة مناسبة لتطبيقه وتنفيذه، وفي غير ذلك سيكون هذا القرار معيباً أو عرضة للبطلان.
ولا نبالغ إن قلنا أننا في البحرين قد بلغنا مرحلة متقدمة، ووصلنا إلى مركز متميز في بناء مؤسسات الدولة عن طريق وسائل قانونية مكينة؛ ومنها القرارات الإدارية المنسجمة مع أحكام القانون التي أمست ظهيراً لهذه النهضة، بيد أن ما حدث بالأمس القريب كان بخلاف الواقع المنشود، بل كان واقعاً مراً يبعث على الحيرة والدهشة، ولا ندري لما حدثت هذه الواقعة في هذا الزمن... وكيف... ولماذا؟. وهل كان ذلك حقاً قراراً إدارياً ـ كما قِيل لنا ـ أم أنه تصرف فردي من لدن شخص غير مسئول وانحرافٌ خارج إطار القانون؟.
تتلخص وقائع هذه الواقعة (أو الحدث) فيما يأتي:
-المكان: جسر الملك فهد على أرض مملكة البحرين بالاتجاه إلى المملكة العربية السعودية.
-التاريخ: عصر يوم الأربعاء الموافق 14 ديسمبر/ كانون الأول من هذا العام (2016).
-الحدث: بعد أن تجمعت قرابة 40 حافلة محملة بالمعتمرين والمسافرين إلى دول الخليج، (وكنت أنا واحداً من المعتمرين) أُبلِغنا حينذاك بأن هناك قراراً إدارياً عاجلاً قد صدر ذلك اليوم يقضي بمنع أي حافلة (باص) من طراز 2009 وما دون ذلك من العبور إلى أراضي المملكة العربية السعودية، وقال لنا المشرفون على تنظيم عبور المسافرين حينذاك بأن هذا القرار قد طبق في حينه، الأمر الذي سبب ارباكاً شديداً وتراكماً للمسافرين غير مسبوق، لذلك عَلَت الأصوات محتجة بالقول: بأن مثل هذا القرار الخطير المتصل بمصالح الأفراد ويمس عقود نقل قد أُبرمت مع شركات النقل كان يلزم أن يصدر بالطرق القانونية وأن يُنشر بالجريدة الرسمية وأن تُعطى مهلة لبدء سريانه، غير أن تلك الأصوات لم تلقَ آذاناً صاغية إلّا الإصرار على تنفيذ القرار، لذلك اضطر بعض المقاولين لاستئجار عدد من السيارات الصغيرة (نوع جمسي) لنقل المعتمرين إلى مقصدهم.
غير أن ما حدث بعد ذلك كان بحق تصرفاً يثير الاشمئزاز، إذ إنه بعد وصول السيارات الصغيرة (بأجرة إضافية باهظة تكفل بها مقاول الحملة) وبعد ركوب المعتمرين فيها وتجاوزهم حدود البحرين، تصدر الأوامر بالسماح لذات الحافلات التي مُنعت من قبل من السفر بأن تواصل سيرها إلى وجهتها الأصلية.
وليت الأمر قد بلغ إلى هذا الحد وحسب، بل ان ما يزيد الأمر اشمئزازاً وسخرية، أنْ فُرِض على المقاول الذي استأجر السيارات الصغيرة بإعادة هذه السيارات إلى حيث أتت، وأن يُعيد المسافرين (المعتمرين) الذي رحلوا من جديد إلى حيث كانوا في الحافلات، وإلّا لن يُسمح لهم بالعبور، الأمر الذي اضطره ثانية إلى إعادة من رحل، وإلغاء عقود النقل التي أبرمها مع أصحاب السيارات الصغيرة، وبقينا على هذا الحال نخرج من قرار إلى قرار، بل من عقدة إلى أخرى، وكأننا في وسط رياح عاصفة تقلبنا ذات اليمين وذات الشمال لمدة تجاوزت ساعات طويلة، حتى ساد الظلام دون أن نعلم أسباب تلك القرارات المتتالية وما الغاية منها.
ولكن كل ما ندركه تماماً أننا لم نكن أمام قرار إداري كما قيل لنا، وإنما كنا أمام قرار صادر من شخص لا خبرة له بالقانون، بدليل:
أولاً: من المقرر قانوناً أن القرار الإداري (كالقرار بالحجم السالف ذكره وخطورته) له شروط أشرنا إليها من قبل، ومنها: ألا يصدر إلَّا عن مسئول لا تقل درجته عن درجة وزير، وأن يُنشر في الجريدة الرسمية، وأن تُعطى مهلة لتنفيذه بعد نشره، وهذه الشروط غير متوافرة بحسب الظاهر.
ثانياً: إذا افترضنا جدلاً أن هذه الشروط كانت متوافرة، وأن ذلك القرار الإداري بات قراراً قانونياً وملزماً لتوافر شروطه، فلِمَ إذاً تقرر إلغاء هذا القرار ارتجالاً بعد ساعات فقط من تبليغه، إذ إنه ـ طبقاً للقانون ـ لا يملك أي فرد مهما علت درجته حق إلغاء أي قرار إداري إلّا الشخص الذي أصدره (وهو بالطبع الوزير أو من هو في درجته كما أشرنا) وأن يكون الإلغاء بذات الشكل الذي صدر فيه القرار.
فلو قيل لنا بخلاف ما تقدم؛ أي بجواز إلغاء القرار الإداري من قِبَل غير الذي أصدره، وبأي شكل من الأشكال، فهذا يعني أننا لسنا أمام دولة قانون.
ثالثاً: حتى وإنْ تجاوزنا الفرض السابق وحملناه على علته، فلا يحق لأي سلطة مهما علت أن تجبر مقاول سفر على إلغاء عقود نقل فردية أبرمها مع آخرين دون أن يكون لذلك مقتض، وهي العقود التي أشرنا إليها في صدر هذا المقال. فلو قيل لنا أن ذلك جائز فهذا يؤكد من جديد أننا لسنا في دولة قانون.
ونافلة القول: أن ما تعلمناه ونحيط به هو أنه «وإنْ كان القرار الإداري في نشأته وحياته وزواله يخضع لمشيئة السلطة الإدارية المخولة وحدها، فإنه يفترض عدم اساءة استعمال هذه السلطة وعدم الإضرار بالأفراد وبمصالحهم وحياتهم وأموالهم دون مقتضى، وعلى أن توضع ضوابط توازن بين سلطة الإدارة ومصالح الأفراد بما يحقق الهدف الاجتماعي العام».
وحيث بيّنا فيما تقدم أن الشروط المشار إليها أعلاه غير متوافرة، وأن الفروض السابقة غير مقبولة، ننتهي بالقول إلى أن الواقعة التي نحن في صددها لم تكن في صلب قرار إداري قانوني كما قِيل لنا، إنما نظنه ونتصوره بأنه لم يكن إلّا قراراً فردياً قد استخف بمصالح الناس، وأنه لا يعدو سوى انحراف خارج إطار القانون.
وقد نكون على خطأ في هذا التصور، لذا نناشد من يهمه الأمر بتوضيح أسباب ما حدث وبيان دواعيه والغاية منه كي لا يمر هذا الحدث نسياً منسيا غير آبهين به.
إقرأ أيضا لـ "علي محسن الورقاء"
العدد 5224 - الأحد 25 ديسمبر 2016م الموافق 25 ربيع الاول 1438هـ