أضاحٍ أخرى في عيد الأضحيات
صدّرت «الوسط» أمس بـ «مانشيت» بيئي اقتصادي اجتماعي يقول: «الدفان قلّص الإنتاج السمكي في البحرين من 16 إلى 6 آلاف طن سنويّاً».
العنوان مستمدٌ من تصريحات عددٍ من النواب والصيادين والبيئيين، وسبق لهؤلاء أن كشفوا وبالأرقام تدهور الثروة السمكية في ندوةٍ نظّمتها «الوسط» قبل ثلاثة أشهر. الجديد أن التصريحات تأتي متزامنةً مع انتهاء إجازة عيد الأضحى، الذي اعتاد البحرينيون فيه بمختلف انتماءاتهم على ارتياد السواحل مع أطفالهم، في واحدةٍ من الظواهر الاحتفالية النادرة التي ترتبط بالدين والوجدان.
في هذا العيد تحديداً، يظهر أكثر وأكثر ما تتعرّض له السواحل من انتهاكات، تتزايد عاماً بعد عام على حساب الصالح العام. فقد بات الناس يتزاحمون على البقع الصغيرة التي بقيت ملكاً عاماً حتى الآن، ولا تزيد مساحتها على 3 في المئة من سواحل هذا الأرخبيل المعتّق. وهي ظاهرةٌ لن تجدوها في أيّ بلدٍ من بلدان العالم، بأن تُصادر السواحل وتتحوّل إلى أملاكٍ خاصةٍ خلال غمضة عين.
في السنوات الماضية، كانت هناك بقعٌ ساحليةٌ صغيرة، أخذت تتقلص أكثر وأكثر. وللوصول إلى ما تبقى منها، ستكون محظوظاً إذا وصلت لأقربها خلال ساعتين، بسبب ازدحام السيارات واحتشاد الناس. وهي مرشّحةٌ للاختفاء تماماً خلال الأعوام المقبلة، بما فيها ساحل المالكية وكرباباد بعدما اختفى ساحل البسيتين وقلالي والدير وسماهيج وحالة بوماهر وجنوسان وسنابس... انتهاءً بسواحل جزيرة سترة.
في جزيرة المحرق، وفي اعترافٍ رسمي باختفاء السواحل، لم يبقَ للاحتفال بالمهرجان الشعبي الكبير غير اللجوء إلى البقعة الوحيدة المتبقية، وهي ساحل الحوض الجاف. وهي رسالةٌ تعني اختفاء السواحل الطبيعية التي عاش على ضفافها البحريني لمئات القرون، ومن سوء حظ جيلنا أن يكون شاهد زورٍ أبكم على اختفائها خلال العقد الأخير.
في آخر أيام الإجازة، استجبت لرغبة أطفالي بالذهاب إلى الكورنيش الذي لم أزره قبل أكثر من عامٍ، وصدمني ما رأيت. كان الشارع الداخلي مليئاً بالحفر والمطبات، والعشب الأخضر انحسر عن الجزء الأكبر من المنتزه. كانت البقعة الرملية الصفراء أضعاف المساحة الخضراء، فيما اقتحمت السيارات الأماكن المخصّصة لجلوس العوائل. أتذكّر أن اللوحات الإرشادية كانت تمنع سابقاً دخول السيارات والدراجات إلى هذه الأماكن، التي أصبحت أطلالاً لأكبر منتزه مخضرٍّ في البحرين.
تركت العائلة جانباً وقطعت المنتزه من الشرق إلى الغرب. أين اختفى البحر الذي كان موجوداً قبل عامين؟ على اليمين امتد الدفان الأغبر. مبانٍ لم تكن موجودةً من قبل، كيف ظهرت كالتماسيح في البحر؟ وأين يذهب الناس؟ العوام؟ العامة؟ أين يذهب المرتاضون ومرضى السكر وحتى من يريدون أن يشمّوا هواءً نقياً؟ أم على هؤلاء أن يعيشوا في أقفاصهم الأسمنتية حتى تلتهمهم أمراض الضغط والسكّر والقلب؟
النافورة التي كان يتحلّق حولها الأطفال ويتطاير منها رذاذ الماء في ليالي الصيف جفّت. مجسّم الكرة الأرضية الذي أقامته «جمعية المرسم الحسيني» قبل خمسة أعوام في الاحتفال بيوم البيئة العالمي أصبح هيكلاً مهملاً من الحديد. المضمار الذي يمتد كيلومتراً واحداً بين نقطتين نصف دائريتين كانتا تشرفان على البحر، ابتعد عنهما البحر لتغرقا في لجّة الدفان. لم يبقَ غير لوحات جمعية مرضى السكر التي تحتوي على تعليمات صحية أولها الحث على التسخين لمدة خمس دقائق قبل مزاولة رياضة المشي.
لا حاجة لكم بالتسخين بعد اليوم في المنتزهات العامة! لا مقام لكم بها فارجعوا! إنه زمن «أمن الطاقة» لا أمن الإنسان
قاسم حسين
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 2998 - الأحد 21 نوفمبر 2010م الموافق 15 ذي الحجة 1431هـ