حدوتة رفع الدعم الحكومي!
فجأةً وخلال أيامٍ، أصبح رفع الدعم الحكومي للسلع، المعزوفة الأولى في الإعلام المحلي بإلحاح. ولأن الحكومة تريد ذلك، فسوف تأتي كل التحقيقات والتحليلات، والتقارير والمقابلات، لتزويق هذه السياسة التي ستتضرر منها الغالبية الكبرى من أبناء شعب البحرين.
الحدوتة بدأت مع اختتام مؤتمر «أمن الطاقة» الأربعاء قبل الماضي في أحد فنادق المنامة الفخمة، بحضور 150 خبيراً عربياً وأجنبياً لمناقشة موضوع الطاقة. وفي الجلسة الافتتاحية ألقى مستشار جلالة الملك للشؤون الدبلوماسية رئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات الإستراتيجية والدوليـة والطاقة محمد عبدالغفار كلمة، و وزير شؤون النفط والغاز رئيس الهيئة الوطنية للنفط والغاز عبدالحسين ميرزا كلمةً أخرى، تبعتها كلماتٌ أخرى عن النفط والغاز والطاقة. وفي المساء واليوم التالي كانت هناك جلساتٌ لمناقشة التفاصيل الفنية.
المؤتمر انفض دون أن يسمع بانعقاده 95 في المئة من البحرينيين، غير قراء الصحف، وأغلب هؤلاء لم يستوقفهم خبره أصلاً. ولكن بعد يومين تسرّب، وبطريقةٍ غامضةٍ، «رأيٌ» لخبيرٍ أجنبي يدعو دول الخليج إلى رفع الدعم عن المشتقات النفطية، حرصاً على مصلحتها القومية وموازين مدفوعاتها وتحقيق فائضٍ بملايين الدولارات لتوجيهه لخدمة شعوبها! فهذه الفكرة كانت غائبةً تماماً عن حكومات المنطقة بوزرائها ومستشاريها وكوادرها الوطنية العاملة بصناعة النفط منذ ستين عاماً. وجاء المنقذ والخبير لتقديم النصيحة التي ستخرجها مثل الشعرة من عجينة الأزمة المالية! وهي معالجةٌ تستلهم نصائح تُستهل دائماً برفع الدعم عن السلع والخدمات، فتزيد الفقراء جوعاً وفقراً.
الخبير الأجنبي لم يدلِ بنصيحته لصحافي محلي، بل نشره في الخارج عبر موقع «سي إن إن»، لتلتقطه «الوسط» والصحافة المحلية ليصل إلى آذان الجمهور الذي سيدفع ثمن هذه النصيحة المغشوشة. وكانت «الوسط» قد ذكرت في مطلع العام الجاري ان الحكومة تنوي رفع الدعم، ولكن صرخة النواب عطلت الخطة حتى الوقت الحالي.
المطلوب اليوم أن نرقص على أنغام معزوفة رفع الدعم الحكومي للمحروقات، والذي لن يتوقف عند رفع سعر النفط والكيروسين، بل ستتعداها إلى الرغيف والجبن والروب والخضراوات والفواكه وكلّ ما يخطر على البال. ويمكنكم أن تعودوا بالذاكرة إلى ما حدث قبل عام ونصف، من موجة غلاء بسبب عوامل خارجية، وكيف ارتفعت أسعار الرز والدهن والحليب... إلى الضعف. وحتى حين تحسّنت ظروف الإنتاج في دول التصدير لم تعد الأسعار إلى سابق عهدها كما تعرفون. وهي الظاهرة التي دفعت عدداً من الاقتصاديين حينها إلى القول بأن زمن الطعام الرخيص ولّى إلى الأبد.
اليوم هناك عوامل داخلية، حيث تسعى الدولة إلى التخلّي عن أحد أهم التزاماتها تجاه المواطن، بضمان حدٍّ معقولٍ من مستوى المعيشة، مقارنةً بالدول المجاورة، هو أقرب إلى الكفاف بالنسبة إلى الجزء الأكبر من الشعب، وهنا تكمن الخطورة. فلو طُرح هذا الرأي في الدول الخليجية الأقل حراكاً سياسياً والأرغد اقتصادياً لقُوبل بالرفض، فكيف بدولةٍ تتلقى فيها 13 ألف أسرة معونات «التنمية الاجتماعية»، ويعتمد ضعف ذلك على المعونات التي يقدّمها 84 صندوقاً خيرياً في مختلف المناطق والمحافظات؟
إن رفع الدعم عن السلع حديثٌ يأتي في مكانٍ وزمانٍ غير مناسبين بتاتاً، وخصوصاً مع إخفاقنا في تحقيق الحد الأدنى من المستوى المعيشي للمواطن.
قاسم حسين
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3000 - الثلثاء 23 نوفمبر 2010م الموافق 17 ذي الحجة 1431هـ