نعم... ارفعوا الدعم!
الأصل في نشأة الحكومات، أنها تدير وتنظم ثروة الشعوب ولا تملكها، والأساس في هذه الفكرة أن المالك الحقيقي للثروات هم الناس، وما الحكومات إلا مدراء بالوكالة عنهم، أي أنهم يمثلونهم وليسوا فوقهم أو أوصياء عليهم، وبالتالي فليس من المنطق في شيء أن يتحكم الوكيل في الأصيل ويقرر له خلاف إرادته ومصلحته فينغص عليه لقمة عيشه أو مسكنه أو صحته أو تعليمه أو غير ذلك.
المقدمة السابقة، تقودني مباشرة إلى ما دأب البعض على إثارته، بين فينة وأخرى من حديثٍ عن رفعٍ للدعم، أو المصطلحات المغلّفة بذات المعنى من خلال ما تشير إلى أنه سيتم توجيه الدعم لمستحقيه، ولسنا نعلم إذا كان ذلك ينطلق من الموقع الذي من المفترض أن تكون فيه، وهو إدارة ثروتنا، أم من خلال المنطق الآخر الذي يشير إلى أن الحكومات تملك وتتحكم، ومن حقها أن تهب من تشاء أو تمنع من تريد؟
وفي حقيقة الأمر، فإن فكرة رفع الدعم أو إعادة توجيهه عن الخدمات الأساسية ليست فكرة وليدة اليوم عند حكومتنا الموقرة، فقد عملت بها لتقليل عدد المستفيدين من الخدمات الإسكانية، حينما قامت بتحديد أقل من 900 دينار دخلاً لكامل الأسرة لتقديم طلبات الوحدات الإسكانية، وأقل من 1200 دينار للقروض، وهو نظام معمول به منذ قرابة خمس سنوات، فأصبح من راتبه وزوجته 901 دينار مثلاً غير مستحق للوحدة الإسكانية، أو من راتبه وزوجته 1201 دينار لا يستطيع أن يحصل أصلاً على أية خدمةٍ إسكانية، رغم أن واقعنا يؤكد، بل ويبصم بالأصابع العشر على أنه حتى من راتبه مع زوجته يتعدى الـ 1500 دينار لا يستطيع حتى أن يشتري له قطعة أرض، فكيف له أن يبنيها حتى، ومن عدالة الحكومة الموقرة أنها حرمت آلافاً من المواطنين من الوحدات السكنية بسبب دينار واحد أو اثنين!
والغريب في رفع الدعم في الملف الإسكاني عبر الآلية المذكورة أنه جاء متزامناً مع استفحال أكبر أزمة إسكانية تمر بها البلاد، فهل كان هذا الأمر إعادة توجيه للثروة أم تخلٍّ عن مسئوليات وطنية؟، وهل تم توجيه الدعم الإسكاني إلى مستحقيه فعلاً؟
وفي ذروة الطفرة النفطية قبل عامين، اشتدت أزمة غلاء المعيشة على المواطنين، فتمت المعادلة الغريبة أيضاً، ففي الوقت الذي كانت الحكومة تقبض المزيد من أموال النفط، وحققت فوائض مالية بلغت 372 مليون دينار العام 2008، ثم حققت فوائض أخرى في موازنة 2009، كان المواطنون في الجانب الآخر يلعنون اليوم الذي ارتفعت فيه أسعار النفط، لأنهم لم ينالوا من ذلك إلا الغلاء وارتفاع الأسعار، وحتى علاوة الغلاء التي خرجت من حكومتنا بشق الأنفس، سرعان ما وضعت لها معايير الـ 700 دينار لتقليص ما أمكن من المستفيدين منها، فمن راتبه 701 دينار لا يستحقها، فأصبح العدل عند الحكومة أن يقفز من راتبه 699 ديناراً إلى 749، فيما يظل صاحب الـ 701 على حاله!
اليوم، وبسبب سياسات الحكومة الموقرة في خصخصة قطاعات حيوية من القطاع العام، وهي سياسةٌ أخرى لتوجيه وإعادة هيكلة الدعم الوظيفي، أصبح المئات من البحرينيين يحلمون بوظيفة «فرّاشٍ» أو «ناطور» في أي وزارةٍ كانت، وأصبح من ينالها ذا حظٍّ عظيم، ولا أدري إلى أين سيصل بنا الحال مع كل سياسة جديدة، تغلق الباب على الشعب ولقمة عيشه دون أن توفر بديلاً وطنياً مقبولاً أو متوافقاً عليه، ولا أدري ما علاقة تلك السياسات الحكومية بمفاهيم الكرامة والعزة والعيش الرغيد التي أصبح المواطنون يفتقدونها.
اليوم، آلافٌ من المواطنين من الطبقة الوسطى أصبحوا يصنفون على أنهم من الفقراء بسبب سياسات الحكومة الموقرة في إعادة توجيه الدعم كما تسميه، فما فائدة أن يكون راتبك 1200 دينار مثلاً وأنت غير قادر على أن تحظى ببيت لك ولأبنائك؟ وما فائدة الخصخصة إذا لم يكن هناك مردودٌ إيجابيٌ لها على الناس، وما فائدة ارتفاع أسعار النفط إذا كنا لا ننال منه إلا الغلاء! وإذا كان هذا حال الطبقة الوسطى في البلاد، فما بالك بالفقراء والمعدمين!
نعم ارفعوا الدعم، وحوّلوا شعبكم إلى حالٍ أسوأ مما هم عليه، وهنيئاً لكم بالفوائض المالية، وهنيئاً للناس بالمزيد من الشقاء!
حسن المدحوب
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3009 - الخميس 02 ديسمبر 2010م الموافق 26 ذي الحجة 1431هـ