رفع الدعم بين الأسعار والأجور
زينب الدرازي - عضوة المكتب السياسي - وعد (سياسي)
«11-ديسمبر-2010»
أعاد التوجه الحكومي لرفع الدعم عن المحروقات، ملفا قديما جديدا يتعلق بقلق وخوف المواطن المزمن على لقمة عيشه، في ظل وضع اقتصادي هلامي عالمي، لا يشي بأي ضمانات مستقبلية. ففي ظل أزمة مالية عالمية طاحنة، يظل المواطن محدود الدخل، رغم كل ما يقال عن عدم تأثر دول الخليج بهذه الأزمة أكبر الخاسرين والمطحونين نتيجتها، ولعل ما يتداول الآن على الصعيد الرسمي من رفع الدعم التدريجي عن عدد من السلع الأساسية ومنها المحروقات مثال على التوجه الليبرالي الجديد، الذي بدأت بعض الدول الغربية تعديل مساره نتيجة للأحداث المجتمعية التي نتجت عن اضطرابات حادة في الفترة الأخيرة. إن تأثر الاقتصاد البحريني بالأزمة المالية العالمية، وتداعياتها يعد أمرا طبيعيا بحكم ارتباط الاقتصاد البحريني بعجلة الاقتصاد العالمي. ولكنه ليس من الطبيعي أن يتحمل المواطن تبعات أخطاء الكبار وسياساتهم.
إن الأزمات الاقتصادية ليست بالأمر الجديد أو الغريب، فطبيعة الاقتصاد الحر يعبر عن حراكه من خلال دخوله بشكل دوري في أزمات باتت تكبر وتتعقد حسب طبيعة المرحلة حتى وصوله للمرحلة المالية، ولذا رأينا أن الأزمة الأخيرة انفجرت كفقاعة مالية ناتجة عن تغول رأس المال المالي وطمعه في خلق أرباح ناتجة عن أدوات مالية بنكية على شكل قروض، تداعى كل ذلك بسرعة على العكس من الاقتصاد الرأسمالي الذي يعتمد على دورة، سلعة، نقد سلعة، التي يلعب فيها الاقتصاد الصناعي دوره الكبير. ورغم أن الأزمة نتجت في أقوى الاقتصاديات الدولية (أميركا) إلا أنها نتيجة للطبيعة العالمية شكلت حركة تشبه حركة الدومينو في الاقتصاد العالمي، وما تعانيه دول (اليورو) اليوم (ايرلندا، اسبانيا، البرتغال) وما عانته دول اخرى من تداعيات الأزمة تعبير عن ذلك التأثير، وليست دول الخليج وإن ارتكزت على فائض مالي بخارجه من تلك الأزمة، ولعل مشاكل الشركات العقارية فيها، دليل على امتداد الأزمة رغم الفائض المالي الناتج من الاقتصاد الريعي.
إن أي متتبع لحركة الأزمة المالية الحالية، سيعرف أنها ليست مسألة جديدة على المواطن العادي الذي يواجه مسألة الكساد والتضخم في سعيه اليومي من اجل لقمة العيش، ويتطلع بشغف للمؤشرات الاقتصادية التي تتكلم عن التمويل بالعجز. والاتجاه نحو رفع الدعم عن السلع الأساسية ومنها الوقود، الذي سيرفع أسعار السلع والخدمات بنفس الوتيرة التي يساهم في إنتاجها، وبالتالي إن أي كلام عن ثبات الأسعار لا يتناسب مع ذلك التوجه، وبالرغم من تفهم مسألة الفئات المستفيدة، إلا أنها لن تستطيع إبقاء الأيدي العاملة الرخيصة في المنطقة باعتبارها نقطة فارقة في الاقتصاد وجاذبا مهما لرؤوس الأموال.
وعليه لن نستطيع أن نفترض ان من يقود الاقتصاد الوطني في كل مراحله تخفى عليه هذه المسألة، ورغم أننا نقول إن التاريخ هو مرآة نرى من خلالها أخطاءنا ونتعلم منها لمنع تكرارها، إلا أنه كما يبدو أن عملية التعلم من الأخطاء مسألة لا تتقاطع ومصيرنا. فرغم دروس الكساد الاقتصادي في العام 1929 التي أدت لحرب عالمية طاحنة، أعقبتها أزمة أكثر حدة أدت إلى خطة مارشال لحل الأزمة التي عادت ثانية في سبعينات القرن الماضي اضطرت على اثرها أميركا لفصل الدولار عن الذهب، ومنذ بداية التسعينات برزت العولمة الاقتصادية كمفهوم اقتصادي جديد، يعلى من الفكر الرأسمالي الجديد مقابل الاقتصاد المشترك الذي يوائم بين الاقتصاد الحر ودعم الدولة لمجموعة من القطاعات الخدمية والاجتماعية.
لقد جرت هذه السياسات إلى ما نواجهه اليوم من أزمة مالية خانقة، نحاول عوضا عن مواجهة الحقائق للخروج قدر الإمكان من قبضتها والتحرر من تبعيتها، بالاكتفاء بترقب الحلول من نفس المصدر المتسبب فيها. إن الانتظار أصبح هاجسنا وحلنا لكل ما يواجهنا من أزمات مهما كان نوعها ومن سيعاني منها ولا نفكر بالنواتج الاجتماعية التي تفرزها الأزمات خصوصا حين نفتقد الفاعلية الحقيقة التي تسبب التوازن بين الأسعار والأجور داخل المجتمعات وحصر النقابات على المؤسسات الخاصة في انتظار الخصخصة التي لم تؤطر تماما في ظل مطالب ملحة للحياة العامة.
البلاد - 11 ديسمبر 2010