فصل الخطاب الفلسطيني ..
الرابط: فلسطين
بقلم : سعيد صبح
المرحلة لم تعد تحتمل أن يبقى الموقف الفلسطيني العام رماديا أو ساكنا في زواريب السياسة الضيقة أو العلاقات الإقليمية المحسوبة بدقة من كل طرف يدعي أهليته تمثيل الشعب الفلسطيني وقدرته على إنجاز مشروعه الوطني وفق أجندته ومصالح بنيته التنظيمية بينما الوطن كله في مهب الخلافات والمصالح فالأسود والأبيض في ظل ما يجري أصبح رماديا غير واضح إلا في شق المزايدة على الطرف الآخر وأحيانا تسجيل نقاط وليس أكثر .
ربما معادلة لم تشهدها الساحة الفلسطينية من قبل ولكن هذه الصورة السوداوية يرسمها المواطن العربي والفلسطيني الذي يراقب الأحداث على الأرض ولا يجد ما يشفي فضوله غير ما ُيشاع عن شماعة الانقسام الفلسطيني الغير مبررة من ناحية من يعتبر أن قضية فلسطين مقدسة ولا يجوز اللعب فيها وتحويلها لخلافات تنظيمية على المصالح .
صورة غير مفرحة ولا مقنعة في ظل تعارض الخيارات الفلسطينية بينما الطرف الصهيوني يقضم ويهود ويستوطن الأرض بكل الوسائل فيما بعضنا ما زال ممسكا بتلابيب الحلول الوهمية ومصرا على ضلالاته وعبثه أما البعض الآخر الذي يدعي معارضته وعدم قبوله لما يجري ويعتبر ذلك في خانة التخلي والخيانة ما زال غير قادر على إثبات أحقيته في قيادة العمل الوطني الفلسطيني ولا حتى إيقاف مسلسل التدهور السياسي بالحالة الفلسطينية بحدها الأدنى.
إن الأسباب التي جعلت الواقع في الساحة الفلسطينية بهذا السوء والتردد هي مجموعة معطيات لها علاقة بالتحالفات والتوازنات الإقليمية والدولية وتقاطع مصالح الجميع على الواقع الفلسطيني المأزوم بقيادته والتي لا ترى إلا كونها تمثل تلك المصالح .
فتح وحماس الحركتين اللتين انطلقتا على أساس أهداف ومبادئ وبين كل واحدة والأخرى سبق في إدارة الصراع ورؤية لكيفية الحل المستقبلي له، اصطدمتا بواقع اتفاقيات أوسلو التي حيدت العدو الصهيوني ونقلت التناقض معه إلى تناقض ثانوي يمكن تسويته بالمفاوضات بل أصبح تعاونا كاملا في محطاته الأمنية والتي لم يحلم فيها الاحتلال منذ قيامه حتى أصبح كل شيء مباحا ًفي ظل نهج سياسي خانع ومستسلم بل متواطئ بأشكال مختلفة لم تعد مفهومة على أساس سياسي أو نظري بينما تحولت التناقضات الثانوية بين إخوة المصير الواحد فتح وحماس إلى صراع على الوجود في السلطة من عدمه وتحت الاحتلال.
فخ سياسي بامتياز وقعت فيه الحركتين الرئيسيتين لكونه جاء ُطعما دسما ًبالسم الصهيوني للفريقين فاصطاد القدرة على الفعل والتأثير فيه من الجانبين اللذين يتلهيان بالمشاكل التي صارت يومية تنهش جسد الحركتين، فبدلا من الرؤية المشتركة في مواجهة الاحتلال والتهويد يسعى كل فريق وفق تحالفاته لبناء أدواته السياسية والتنظيمية في إدارة المناطق التي يسيطر عليها وهذا ما تحقق بفعل العوامل التي تشجع كل طرف خدمة لمصالحه الفئوية.
إنه الإنجاز الأهم الذي حققه المشروع الصهيوني رغم أزمة الكيان المتفاقمة عن هويته التي يفتقدها لكونه يمثل حالة غير صحية في محيطه الإقليمي الذي لم ولن يتقبله الواقع الشعبي العربي مهما حصل من تطبيع وتعاون من قبل الواقع الرسمي العربي المتواطئ معه.
لقد استطاع هذا السرطان الصهيوني أن يزرع بذور الفتنة بين مكونات الشعب الفلسطيني الأساسية من خلال الوهم الذي أصاب طرفي المعادلة الفلسطينية في موضوع إدارة الحكم المحلي الناتج عن اتفاقيات أوسلو، فصحيح أن قطاع غزة محرر من الداخل بحدود سيطرة المقاومة وقوى الأمن الوطني بقيادة حماس فيما فتح مستعبدة وهي التي تعتبر ذاتها أنها صاحبة السلطة دون غيرها.
معادلة تطورت مفاعيلها على الأرض بحكم الواقع فأصبحت قائمة في غزة دون الضفة المشمولة بأوسلو من الناحية النظرية ولكن حركة فتح ترفض هيمنة حماس على القطاع وتعتبرها كيانا معاديا أكثر من العدو الصهيوني وتوجه الاتهامات لسوريا وإيران أنهما وراء ما حدث في غزة وهذا المنطق السياسي السائد تدعمه كل عواصم الاعتدال العربية وفي المقدمة النظام المصري الذي يلتزم مع الصهاينة باتفاقيات كامب ديفيد ولا يجد غضاضة في معاداته لكل قوى المقاومة.
بالمقابل الضفة الغربية محتلة بالكامل وأكثر من ستمائة حاجز تقطع أوصالها والاستيطان والتهويد للأرض لم يتوقف بل يتزايد بوتيرة غير مسبوقة وكل شيء مباح للاحتلال في كل مراكز السلطة وأماكن سيطرتها ولا تجرؤ أجهزة الأمن الفلسطينية على اعتراض أي تدخل للاحتلال بكل التفاصيل الدقيقة والتعاون الوظيفي والأمني على أعلى المستويات في ظل المداهمات الصهيونية المتواصلة وتصفية كل من يعتقد أن له علاقة بالمقاومة .
ما يسمى السلطة الفعلية أو الشرعية الفلسطينية وفق الاعتراف الدولي والإقليمي هي سلطة رام الله في المقاطعة وكل المؤسسات العاملة هناك تتلقى تعليماتها من سلطة التعيينات أي الرئيس الذي لا يجد غضاضة في بقاء الحال الفلسطيني على ما هو عليه، بينما يدعي في كل مناسبة أنه وحده المؤتمن على القضية رغم عدم شرعيته بحكم القانون الفلسطيني الذي جاء فيه لأن ولايته منتهية ولكنه يحكم ويفاوض عن الشعب الفلسطيني من المقاطعة التي لم يعد فيها شيء يدلل على السيادة بحدودها ويدعي تمثيله للداخل والخارج الفلسطيني بقوة الإرادة الإقليمية والدولية.
أما المعادلة الأخطر في الحكم الإداري وكيفية اتخاذ القرار فإنها موزعة وفق أجندة دولية راعت أسباب وجود رئيس من فتح على رأس السلطة مؤتمن سياسيا وفق المعايير الأوسلوية بينما رئيس الحكومة الفلسطينية موظف لدى أصحاب القرار الدوليين وهذا الأمر خلق نوع من التوازن السياسي المحلي حيث تم إبعاد الحالة الوطنية في فتح لأخذ دورها بعد الفشل الأول الذي صادف الحكومة الأولى في عهد الراحل عرفات .
فالمسألة لها علاقة مباشرة في صنع القرار داخل حركة فتح لذلك تم تدجين الجهد الوطني في هذه الحركة العريقة ليتم استغلاله واستخدامه في الأزمات ولتكون فعاليته في نطاق ضيق خدمة لمشروع أوسلو المقبور عمليا ولتوفير الغطاء لحكومة غير شرعية متعاونة بالكامل مع الاحتلال.
إنها رؤية الرئيس المتمسك بالسلطة وليس كما يدعي أنه زاهدا فيها من أجل خدمة الشعب الفلسطيني بينما في حقيقته يسعى لإدامة الحال الراهن لأطول فترة ممكنة وهذا ما نشهده من نشاط ضمن دائرته الضيقة التي يأتمنها على سياساته وعلاقاته التي توفر له غطاء ًكاملا ًمن خلال المال السياسي الذي يتدفق على سلطة الحكم الإداري المحلي.
للأسف أنه مازال البعض يعتبر الرئيس خياره الوحيد لأنه رئيس فتح وقائدها الذي جاء حسب رأيهم بعد مؤتمر بيت لحم ليصوب المسيرة داخل حركة فتح ويحارب الفساد المستشري لكن الحقيقة كل يوم تصفع هؤلاء المساكين الذين يحلمون بفتح موحدة وقوية ويتشبث هذا البعض في الدفاع عن رؤيا سياسية تتناقض مع كل الأدبيات السياسية والوطنية للحركة رغم تناقضها مع غالبية ما يعتقد فيه أبناء فتح الغيورين بخصوص التغيير وضرورة إعادة فتح لدورها.
أمام هذا المُعطى الخطير الماثل في كل تفاصيل حياتنا يتساءل كل الناس الذين يهتمون بالشأن الفلسطيني ولا يجدون إجابة شافية عما يحدث سوى ما يبرره كل طرف فلسطيني بمعادلة الصراع على السلطة الإدارية المحلية وكأننا أمام مشهد درامي متواصل لا تنقطع فصوله إلا في المناسبات التي يتمخض عنها لقاءات تعبر فقط عن طبيعة الأزمة وأدواتها.
إن المشهد بات مقززا مما ُيسمى الانقسام الفلسطيني والصراع على وهم السلطة الإدارية وغير ذي قيمة أمام هول المؤامرة وخطورتها المباشرة على كل تفاصيل القضية الفلسطينية فبعد كل ما قدمه الشعب الفلسطيني والعربي في سبيل فلسطين على امتداد الصراع مع الغزوة الصهيونية للأسف أصبحت الرؤيا لطبيعة المشروع الصهيوني عند الواهمين بالسلام ضبابية ومشوشة بل غير واقعية وبات الكيان يمثل جزءً من نسيج الكيانات العربية المتحالفة معه وهناك من الأنظمة من جند كل طاقاته العسكرية والأمنية لحمايته.
فكيف يكون الكلام أو الرأي الآخر بين طرفي النزاع مقنعا وحدود الفعل بين الحركتين حماس وفتح لا يساوي إلا الكلام والجمل الرنانة واللقاءات التي تظهر فيها جوانب الحرص بينهما لكنها باتت معروفة بأسبابها ونتائجها المفزعة على القضية ؟
فهذا المسلك الشائن الذي يتقنه بصورة أساسية فريق رهن حقوق الشعب الفلسطيني لأجندات خارجية وارتضى أن يكون ورقة ضعيفة بالمعادلة الإقليمية بعد أن أسقط كل أوراق القوة التي جعلته طرفا ولاعبا أساسيا، بات هذا الفريق هزيلا وغير ذي جدوى بعد أن خسر قدرته على التأثير والفعل فوقع في حبائل الاستكبار الغربي والأمريكي والصهيوني وتحول الجهد الوطني الذي كانت تمثله حركة فتح عبر تاريخها إلى جهد رخيص يرسم معالمه رئيس هذه الحركة.
فلا يجد غضاضة من استمراره في نهجه المتصالح مع الاحتلال والاغتصاب لأنه ُيدر عليه امتيازا ذا قيمة اعتبارية من الناحية الشخصية وحرية في التنقل والحركة خاصة أن أحدا من المعارضين لنهجهم لا يمثل بديلا لهم بعد أن ضمنوا اعترافا دوليا وعربيا فلا يزعجهم كلام الاستنكارات والرفض ما دام الأمر تحت السيطرة.
ولأن المطلوب في هذه المرحلة الدقيقة والخطيرة من الفلسطيني صاحب القضية والأرض أن ينسى فلسطين كوطن، إلا ما يتعلق ببطاقة الهوية التي ُتعرف عنه مرحليا لأن ذلك يجعله من الناحية النفسية حسب الاعتقاد لدى البعض يتغير وينسلخ عن محيطه وتاريخه وذاكرته وفق هذا الخيار المعقد ...!
فالمواطن الفلسطيني والعربي يتعرض في هذا الزمن الرديء لشلل في تفكيره وقدرته على الفرز ويقع اليوم ضمن دائرة الشك والتساؤلات عما يحدث في خضم التآمر الرسمي العربي والمساهمة في إذكاء الفتنة بين فتح وحماس والتي أصبحت خبرا شبه يومي في الفضائيات العربية فيما تحللها وتعللها كل نشرة إخبارية على ضوء المصالح الفئوية والعلاقات السياسية مع هذا الطرف أو ذاك بينما تنصب الجهود الدولية كلها في خدمة المشروع الصهيوني .
إن من أسباب الشك الدائم الذي يساور كل حريص على القضية الفلسطينية هو جدوى التبريرات التي يسوقها كل طرف عن الخلاف والمصالحة وكأننا أمام مشهد مسرحي ينتهي ليبدأ بفصل جديد لا يختلف عن سوابقه فما يراه كل مشاهد أو متابع من الطرفين حتى لو كان منحازا لأحدهما سياسيا لا يستطيع إلا ويحمل الفئتين قدرا ًمن المسؤولية ولكن ليس بالتساوي لأن في ذلك ظلم .
فما يجري اليوم على الأرض من أخطار جمة تحيق بالقضية الفلسطينية وبالمسار التفاوضي الذي لم تعد له كوابح أو ضوابط وطنية عامة متفق عليها بل أصبحت رؤيا شخصية للنزعة الفردية والديكتاتورية وكأن فلسطين ُملك ذاتي لفئات أو لأشخاص محدودين يمثلون الشعب بينما هم لا يمتلكون أي رصيد شعبي يؤهلهم لذلك.
فلا بد لهذا الجنوح السياسي أن يتوقف عند حدوده الطبيعية بينما واقع الحال يعبر عن ذاته خاصة أمام ما نشهده من صلف وغرور صهيوني وصل إلى حدود لم ُتبقي حتى لأي طرف واهم بالسلام والمفاوضات أي ماء وجه ولا حد أدنى من الغيرة الوطنية بل أصبحت كل المواقف من المفاوضات مثار ريبة ودعوات لتخوين هذه الظواهر ومحاسبتها .
لقد حاق بقضية فلسطين إجحاف وظلم وصل إلى أقدس حقوق الشعب الفلسطيني رغم الجراح النازفة على حد المقصلة الصهيونية التي تستنزف طاقات الشعب الفلسطيني يوميا من خلال المداهمات الليلية الدموية والعدوانية والغارات على مساكن المواطنين في قطاع غزة والاعتداءات المتكررة على دور العبادة والمساجد وهدم البيوت في النقب وسياسة التهجير لأهلنا هناك.
فالإجراءات الصهيونية على الأرض أخذت مداها التصاعدي وتطورت بمفاعيل مباشرة من خلال تهويد القدس ومحيط المسجد الأقصى وتعزيز الاستيطان فالكارثة أكبر من كل تصور يعتقد فيه البعض ممن يحلمون بالتصالح مع المشروع الصهيوني لأن جريمة العدوان تتكرر يوميا بأشكال متعددة فوق كل الأرض الفلسطينية فيما ردة الفعل الفلسطيني دون المستوى سوى الاستنكار والتنديد والتعويل على أمريكا والغرب والاعتدال الرسمي العربي.
فماذا يفعل طرفي المعادلة الفلسطينية المنقسمة بين خيارين ؟
الحقيقة المرة والقاسية التي تصفع الجميع دون استثناء أحد هي أن لاشيء يذكر سوى بيانات الاستنكار والاعتراض مع عدو لا يفهم غير لغة الكفاح المسلح والمقاومة بكل أشكالها كطريق وحيد، فحتى ما ُيسمى المقاومة السلمية لفريق أوسلو لم تعد ذات قيمة أو خيار لأنها ُمجربة واللي بجرب المجرب بكون عقله مخرب .
أما الفريق الذي يحمل لواء المقاومة ويدعيها أصبح يجتر التاريخ ولم ُيفلت نفسه من قبضة أمن سلطة الحكم الإداري، فكل خياراته باتت ضيقة بعد أن كبل نفسه بالمراقبة عن ُبعد بحكم تركيبة الحل السياسي المطروح فلسطينيا، أما غزة التي تعرضت لعدوان همجي ونازي خلال العدوان فإنها ما زالت تلملم جراحاتها والمقاومة فيها لم تعد ذات تأثير مباشر على الاحتلال لأنها أصبحت مكبلة بالدفاع ضمن حدود القطاع.
الواجب الوطني اليوم لكل أصحاب المشروع المقاوم في فتح وحماس ومعهم كل الفصائل والحركات الإسلامية والوطنية المقاومة أن لا نترك مجالا للتردد في موضوع الوحدة وأن لا نفسح مجالا للاختلاف يصل إلى حد الصراع مهما كانت الأولويات لأنها ستكون ثانوية أمام عظم المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتق الجميع ولا يجوز بقاء أحد في الخندق الرمادي ما دام عدونا واضح في خياراته فلا مجال أمامنا سوى التوحد على خيار المقاومة والمواجهة بكل أشكالها.
المرحلة بما تحمله من معطيات أصبحت واضحة لكل ذي عقل راجح يؤمن بالتغيير والثورة على المفاهيم البالية التي غزت العقول في مراحل الوهم والتطفل السياسي، لذلك لا بد من الارتقاء بالأساسيات والأولويات لتكون فوق كل الهوامش الثانوية والفرعية وبهذه السمات العامة التي لا يختلف عليها أحد ممن يدعون لفكر الثورة والمقاومة يمكن فرض وانجاز الحتمية التاريخية التي تقول بضرورة الوحدة الوطنية الفلسطينية دون تردد أو تلكؤ.
الوحدة الوطنية المقاومة هي هم كل مواطن فلسطيني وعربي يؤمن بأن فلسطين قضيته المركزية، فإذا كانت المفاوضات بما حملته من مآسي وظلم على القضية وأعادتها إلى نطاق إقليمي ضيق ساعد على محاصرتها وتدجين قادتها الرسميين الذين أصبح همهم فقط المفاوضات، فإن من الضرورات المرحلية والإستراتيجية والتكتيكية أن يضغط جميع الوطنيين باتجاه تحقيق مهمة الوحدة على ثوابت الميثاق الفلسطيني الذي أجمع عليه كل قوى وفصائل وأحزاب العمل الوطني الفلسطيني والعربي.
اليوم مهمتنا الوطنية الأساسية وأكثر من أي مناسبة ماضية أن يكون في سلم أولوياتنا وحدتنا المصيرية التي تجعلنا أقوياء مجتمعين على كلمة سواء، خاصة أن مسار المؤامرة على القضية الفلسطينية بدأ يأخذ منحى تصاعدي وخطير باتجاه التصالح مع الغزوة العنصرية الصهيونية حتى لو كان الثمن كل رأس فلسطيني مقاوم .
إن قضيتنا أمام مفترق صعب ومعقد يتطلب الوحدة وكل من يعطلها ويرفضها على قاعدة العلاقات مع الاحتلال لا يجوز إبقائه ضمن دائرة العمل الوطني بل المطلوب التأشير عليه وتخوينه، لأن من يتشبث بخيار ثبت بطلانه وسقوطه هو كمن ينتحر عن سابق إصرار وترصد وهذه جريمة لا خيار في توصيفها إلا أنها تقع ضمن دائرة الاتهام .
إن الخطاب الوطني الفصل أصبح على المحك ولا يجوز بحال من الأحوال اعتبار ما يجري أنه يقع ضمن وجهات النظر المتباينة، فالمسألة لها محاذيرها بعدما تجاوز البعض الخطوط الحمر ولم يتم المحاسبة والمساءلة والعقاب حتى اليوم على من ارتكبوا حماقات إلا في حدود الاستنكار والرفض اللفظي وهذا ما يشجع الخطاب الآخر ليكون أكثر تماديا في تنازلاته لحدود الخيانة الوطنية ما دام الرد عليه في حدود احترام وجهات النظر .
إن من يتجاوز حدوده السياسية والوطنية وينزلق بلعبة المصالح الشخصية على قاعدة عدم المساءلة من أحد في ظل شطب الهوية السياسية الجامعة للشعب الفلسطيني والتي كانت منظمة التحرير الفلسطينية في زمن الثورة المعاصرة عنوانها بعد أن تم إسقاطها في الفخ الأمريكي الصهيوني بمنطق فيه من الخذلان والتآمر ما يكشف حقيقة العصابة التي تأخذ المنظمة كحصان طروادة ولا زالت هذه الفئات الضالة متمسكة بخيار التفريط والخيانة وتدعي تمسكها بالثوابت.
الثوابت الفلسطينية هي ميثاق الشعب الفلسطيني الذي كتبت كل حروفه بالدم ولا يجوز أن نقبل منطق نظام كامب ديفيد الذي يرعى حماية الكيان الصهيوني ويمهد لعقد صفقات مشبوهة على حساب الشعب الفلسطيني بعدما تبين انحيازه لفريق يعمل ضمن أجندته السياسية التي تقول :لا تضيعوا هذه الفرصة الثمينة بعلاقاتكم مع الغرب وأمريكا، وتعلموا من رفضكم قرار التقسيم لفلسطين، ولا تقدموا الشعب الفلسطيني قرابين للآخرين، ولا تنتحروا.
إنها أفكار يحملها الرئيس وجنوده من الجوقة المعروفة ويعزفون عليها بموال (يا وحدنا)بعد كل مرحلة من الانهيار والسقوط وكأن طريق النضال والكفاح مرتبط بأعداد الشهداء أو بفترة زمنية محددة.
معزوفة بالية من أشباه رجال اختاروا الطريق الأقصر لتبرير تخاذلهم وخيانتهم للقيم والمبادئ والشهداء وإن فصل الخطاب الفلسطيني يجب أن يكون واضحا لا لبس فيه بعد كل هذا الكم الهائل من المساومات والتنازلات الرخيصة التي بحجمها تمثل وعدا جديدا للصهاينة لا يختلف عن وعد بلفور.
فهل نبدأ مرحلة وطنية جديدة لا حياد فيها ولا مهادنة مع نهج ثبت بطلانه ونعود إلى أساسيات العمل الوطني التي تقوم على جمع كل فئات الشعب الفلسطيني والعربي تحت راية الثورة والتغيير، هي الفصل بين الخير والحق في مواجهة الباطل بكل قوة ومحاربة الفساد بلا هوادة وإسقاط كل الرموز الوثنية التي لا تقبل التنحي عن خياراتها الضالة وبناء أداة المقاومة في كل شبر مغتصب من أرض فلسطين وكل الأراضي العربية المحتلة.
_________________
نحن انصار حر كة جعفر الخابوري الثقافيه