فضيحة القرن!
في عددٍ من كتب محمد حسنين هيكل الثمانينية، استشهد بتصريحٍ لأحد الرؤساء الأميركيين، مفاده أنه لم يجد أسراراً في البيت الأبيض بعد فوزه بالرئاسة، أكثر من 5 في المئة، أما 95 في المئة من المعلومات فيعرفها الجمهور من خلال الصحافة!
الغريب أن هيكل روّج لهذا التصريح غير المتماسك، رغم أن جزءاً كبيراً من مجده الصحافي أقامه على استقصاء المعلومات من مصادرها الأجنبية غالباً، وساعده في ذلك تمكنه من اللغة الأجنبية التي يكتبها بطلاقة ورشاقة لا تقل عن كتابته العربية.
اليوم، يشهد العالم تفجر أكبر فضيحةٍ، لأكبر قوة امبراطورية على وجه الأرض، في فضاءٍ لم تعد تتحكم فيه. وبينما كانت الدول الكبرى فيما مضى، بحاجةٍ إلى زرع أجهزة تنصت، وزرع عملاء وإقامة قواعد تجسس متقدمة على الحدود، للحصول على بعض المعلومات السرية، فإن العالم اليوم يستيقظ على ملايين الوثائق السرية، متاحة في كل قارات الأرض، بنقراتٍ بسيطة على بعض أزرار الكمبيوتر.
قبل أسابيع أصدر جورج بوش مذكراته، فأثار بعض الضجيج، وسبقه إلى ذلك زميله طوني بلير، الذي قوبل بالسخرية في صحف بلاده، وحاول بعض الجمهور رميه بالأحذية يوم توقيع كتابه. هذان الكتابان كان يُنتظر أن يظلا لفترة طويلة، على رأس قائمة الكتب الأكثر مبيعاً، لكنهما يواجهان تحدياً مصيرياً من جانب وثائق «ويكيليكس»، إن من ناحية السعر، أو المضمون، أو حجم الفضائحيات.
من التقاليد التي أرستها الدول الأوروبية عبر القرون التي اشتد فيها هياجها لافتراس دول القارات الأخرى، أن فرضت حجاباً على الوثائق والمراسلات السياسية، ووضعت قوانين تمنع نشرها قبل مرور عقود طويلة، يكون فيها الأبطال المتورطون قد ذهبوا إلى الجنة أو الجحيم! أما هذه الوثائق فستظل مصدراً ثرياً مباحاً للجميع، ومعيناً لا ينضب للمعلومات المعروضة مجاناً على قارعة الطريق!
مشكلة هذه الوثائق أنها لم تعد بالمئات ولا بالآلاف ولا بعشرات الآلاف، وإنّما تحولت إلى خانة الملايين! ولعل من أكثر ما سرّبه موقع «ويكيليكس» إثارةً، المراسلات الدبلوماسية السرية وآراء بعض السفراء والساسة الأميركيين في زعماء الدول الأخرى.
وكما تتباين تقييمات الدبلوماسيين الأميركيين لزعماء العالم الثالث، تتباين في تقييم زعماء الدول الكبرى، فبينما اكتفت بوصف المستشارة الألمانية انجيلا ميركل بأنها «قليلة الإبداع»، وصفت الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف بأنه «تابع» لرئيس وزرائه فلاديمير بوتين، وهو وصفٌ ليس بالسر ولا بالجديد. أما أشد الأوصاف المتسرّبة قذعاً فكانت من نصيب الإيطالي برلسكوني، فهو «غير مسئول، ومعتدٌ بنفسه، وهو زعيمٌ منهكٌ جسدياً وسياسياً، فهو لا يستريح كثيراً بسبب المغامرات والسهر الطويل». وهي رسالةٌ لا تساوي صفراً من المعلومات، فمثل هذه المعلومات تنشرها الصحافة الإيطالية عن زعيمهم، على هامش قصص مغامراته النسائية التي لا تنتهي، حتى طلبت امرأته وشريكة عمره الطلاق والتعويض شهرياً بثلاثة ملايين يورو ونصف.
صناعةٌ قامت على تتبع الأسرار ونشر فضائح الكبار، أصبحت اليوم مهددةً بالبوار بسبب فضيحة القرن.
قاسم حسين
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3007 - الثلثاء 30 نوفمبر 2010م الموافق 24 ذي الحجة 1431هـ