الموت وقوفاً.. شهادة
رضي الموسوي
<>مت وقوفاً كنخيل بلادك فالموت وقوفاً في هذا الوطن شهادة>>
كانت هذه كلمات الشاعرة فوزية السندي قبل ثلاثين عاما وهي ترثي المرحومة فتحية رضي التي ماتت على خشبة المسرح أثناء دراستها الأكاديمية في مصر. وبالأمس غادرنا واحد من أكثر النقابيين صلابة وإيمانا بمبادئه وقيمه <>عبدالجليل عمران الحوري>> الذي مات صلبا عنيدا حتى آخر رمق في حياته، متضامنا مع إخوته ورفاقه في القطاع المصرفي الذين نظموا احتجاجا على عمليات الفصل التعسفي من العمل دون أن تبدو حلول في الأفق المنظور. التسريح والفصل التعسفي من العمل هي محطات عاشها الحوري قبل رحيله، دافعا بذلك ثمن إيمانه بقضيته العمالية والنضالية، فنال نصيبه من السجن والاعتقال إلى جانب رفاقه العمال والناشطين السياسيين.
قبل التعرف على جليل الحوري، كان اسمه يتردّد في أدبيات الحركة الوطنية البحرينية، باعتباره واحدا من القيادات النقابية التي أسست اللجنة التأسيسية لاتحاد عمال وأصحاب المهن الحرة في البحرين إلى جانب مجموعة من رفاق دربه أبرزهم عبدالله مطيويع وعباس عواجي، وذاق الثلاثة ومعهم العشرات من كوادر الحركة العمالية البحرينية سوءات السجن والمطاردات والحرب ضد لقمة عيشهم، فكانوا نماذج ورموزا للحركة النقابية التي كانت تمارس نضالاتها بسرية قبل صدور قانون النقابات العمالية مطلع الألفية الثالثة، وتأسيس الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين ليشكل امتدادات لما أنجزه الحوري ورفاقه.
لم أجد الحوري إلا صلبا متحمسا للقضايا العمالية والوطنية العامة. ورغم معرفتي الحديثة به منتصف التسعينات، إلا أنه طبع شخصيته بتميّز في الأوساط التي يتواجد فيها وخصوصا في المسيرات العمالية والمطلبية التي لا أظن أنه غاب عن إحداها، بل كان يحرص على أن يهتف بما يؤمن به ويفتخر بقناعاته الطبقية دون مواربة، ما فرض احترامه على محدثيه حتى وإن اختلفوا معه في وجهات النظر. كان رجل موقف، ويؤمن بأن الحياة وقفة عز، والكلمة بالنسبة له موقف يفصح عنه دون أن يرتجف، رغم معرفته لما تسببه هذه المواقف من حرب ضده وضد لقمة عيشه.
لا نعرف إذا كان الفقيد قد سجّل وأرّخ الحقب التاريخية من النضال الوطني في البحرين التي أسهم فيها، كونه كان يملك تفاصيل كثيرة أهمها مرحلة المفاوضات بين قيادة اللجنة التأسيسية، وبين ممثلي الحكومة مطلع سبعينات القرن الماضي، قبيل وبعد الإضرابات العمالية الشهيرة التي قادتها اللجنة التأسيسية.
رحل الفقيد جليل الحوري وهو مؤمن بوحدة الحركة النقابية، إذ لم يشارك في اعتصام أو تجمّع إلا وكان يهتف <>الوحدة الوحدة يا عمال>>، ولا شك أنه كمناضل منذ الستينات سيكون أكثر رضا لو أن الحركة العمالية البحرينية تتمتع بحالة متقدمة من الوحدة الداخلية، وبمراكز قوة تمكّنها من الدفاع عن مصالح العمال وحقوقهم، حيث أفنى حياته في الدفاع عن مطالبهم.