واشنطن ملتزمة بالأمن والاستقرار والتنمية في الخليج (2)
المبدأ الثاني: الشراكة الأمنية، لاسيما في مواجهة تهديدات جديدة ومعقدة:
إن أهم معيار لنجاح شراكاتنا هو ما إذا كانت ستساعدنا على حماية شعوب هذه المنطقة والولايات المتحدة وأماكن أخرى من الأذى. وكما قال آخرون، فإن خطر الجماعات المتطرفة والعنيفة - سواء داخل الدول أم عبر الحدود - وخطر الدول التي تنتهج أعمالا تزعزع استقرار جيرانها هما من بين أكثر التحديات المباشرة لهذه المنطقة.
هذه التحديات، شأنها شأن المخاطر العصرية الأخرى، تستدعي حلولا مشتركة تستدعي بدورها التعاون على جميع المستويات: سياسيا واقتصاديا واستراتيجيا وكذلك بين قواتنا العسكرية.
لقد توسعت شراكاتنا الأمنية مع دول المنطقة وتعمقت استجابة للبيئة الأمنية.
في السنة الماضية، تحدث الجنرال باتريوس في هذا المؤتمر عن تعاوننا المتزايد في مضمار الدفاع الجوي والصواريخ البالستية (الموجهة) والإنذار المبكر ومنع انتشار السلاح النووي، ووضع صورة مشتركة لتنفيذ العمليات، واستراتيجيات ذات قاعدة عريضة للتصدي للتطرف العنيف.
وشهدت السنة الماضية مزيداً من التقدم على هذه الجبهات.
إن تعاوننا يتجاوز المسرح الراهن أيضا. فدول الخليج والدول العربية الأخرى هي من بين أقوى شركائنا في مهمتنا المشتركة ضد شبكات التطرف العنيف في أفغانستان. مضيّفونا في البحرين، والإمارات العربية المتحدة والأردن ومصر، كلهم يستحقون تنويها خاصا لتقديمهم مساعدات مدنية وإنسانية كبيرة في مجالات تتراوح من تدريب الشرطة إلى تطوير الخدمة المدنية، ومن التعليم إلى صحة المرأة. ونحن ممتنون لمجلس التعاون الخليجي لعرضه استضافة اجتماع في مدينة جدة لمجموعة الاتصال الدولية لأفغانستان وباكستان في العام القادم.
ولكنْ هناك الكثير والكثير مما ينبغي علينا إنجازه معا. ومن جملة ذلك، نسعى إلى تعزيز الحوار الأمني لمنطقة الخليج الذي يشكل الآلية الرئيسية للتنسيق الأمني مع دول مجلس التعاون الخليجي. ويستهدف الحوار دعم قدرات شركائنا في مجلس التعاون الخليجي للتصدي وردع التهديدات التقليدية وغير التقليدية، وتحسين التشغيل المتكامل مع الولايات المتحدة وفيما بينهم.
وجميعنا يعلم أن مساعي تعميق التعاون والتنسيق والشفافية بين القوات العسكرية لهذه المنطقة ستثمر مزايا جمة وواسعة تطال النطاق الكامل للمخاطر العصرية. إنها تسهل معالجة الحوادث التي تقع في عرض البحار، كما سيقلل احتمال حدوث أخطاء خطيرة وتصاعدات لا داعي لها. ناهيك عن أن نجاح العمليات العسكرية المشتركة سيرتفع.
وباختصار، فإن التعاون بين دول المنطقة في هذا الحيز ليس مجرد أمر مفيد فحسب - إنه أمر حيوي؛ لأنه ما من دولة بمفردها تستطيع أن تحارب بفعالية التحديات الأمنية للقرن الحادي والعشرين.
المبدأ الثالث المتعلق بالموضوع نفسه هو حرية الملاحة:
إن الهبة الوفيرة من الموارد الطبيعية الموجودة في الخليج وحوله تعطي المنطقة مكانة خاصة في الاقتصاد العالمي. فدول الخليج ينبغي أن يكون بمقدورها شحن البترول والبضائع الأخرى بحرية وأمن، بالطرق البرية والبحرية في جميع أرجاء المنطقة. ومن المهم والحيوي أن نتعاون من أجل حماية النقل العابر الحر والمفتوح، ولكي نعزز الأمن البحري. ولطالما ساندت الولايات المتحدة هذا المبدأ.
وكل الدول، بما فيها إيران، يجب أن تقوم بدورها للتعاون في الدفاع المشترك عن الطرق المائية. وهذا مهم بشكل خاص ونحن نواجه مشكلة القرصنة الخطيرة في مياه القرن الإفريقي. فالقراصنة يعرقلون ممرات الشحن الحيوية، ويختطفون البحّارة، ويتدخلون في نقل مواد الإغاثة الإنسانية. ووقفُهم يتطلب انتهاج أسلوب شامل، ليس في البحر فحسب وإنما على البر أيضاً، حيث يعطي الفقر المدقع الباعث على اليأس والحكومات الفاشلة للقراصنة الفرصة لتنفيذ عملياتهم مع الإفلات من العقاب.
وقد بدأت دول عديدة في المنطقة المساهمة في هذا الجهد. فالبحرين أرسلت فرقاطة للمساعدة في مكافحة عمليات القرصنة كجزء من قوة العمل الموحّدة التي تتعامل مع القرصنة. واليمن تحاكم القراصنة أمام محاكمها. وإن عُمان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة واليمن من بين المشاركين الأصليين في مجموعة الاتصال حول القرصنة على سواحل الصومال، التي ساهمت في تشجيع استخدام أفضل ممارسات العاملين في مجال الشحن في حالة حدوث هجوم. وبفضل هذا التواصل، انخفض عدد هجمات القراصنة التي قدر لها النجاح بنسبة 20 في المئة خلال العامين الماضيين.
ولكن إجمالي عدد الهجمات قد ارتفع في نفس الوقت. فالمشكلة تتجاوز معدل سرعة استجابتنا لها. لذلك هناك حاجة ملحّة لتسريع جهودنا للقضاء على هذه العمليات الخطيرة بتحسين أمن البحار، واستهداف تمويل شبكات القراصنة، ومحاكمة المجرمين، ومواجهة الأحوال السائدة على أرض الواقع، التي تزيد من شأن القرصنة في المقام الأول.
والمبدأ الرابع هو الالتزام بأمن البشر :
وقد يكون من المغري الآن أن نستبعد هذه النوعية من الأمن واعتباره عاملا ضعيفا وبالتالي غير مهم. لكن البعد الإنساني غالبا ما يكون موجودا حيثما تؤتي الاستثمارات التي نضعها في معداتنا العسكرية، وفي عمليات تواصلنا الدبلوماسية ثمارها. لأن الأمن الحقيقي ليس محصورا في غياب العنف. لكنه أيضا في وجود الفرص، مثل توافر فرصة الحصول على التعليم والعثور على عمل. والعيش في بيئة آمنة. وإمكانية الحصول على الأساسيات - الغذاء والماء والرعاية الصحية والمسكن.
وهو أيضا فرصة المشاركة في صنع القرارات التي تشكل حياة الشخص ومستقبله وحرية الفرد في تكوين وجهة نظره والتعبير عنها.
كل هذه الجوانب لأمن البشر لا تتطلب دعما من القادة وحسب، وإنما تتطلب أيضا مساهمة المجتمع المدني. وليس بوسع أي بلد أن يستبعد هذا.
وأنا لا يسعني إلا أن أشدد على أهمية النساء كقائدات ومشاركات في السعي من أجل تحقيق الأمن البشري، فحينما تُحرم النساء من فرصة المشاركة كأعضاء كاملين في المجتمع - حينما تُحرم من الحصول على العدالة، وتُستبعد من الحياة المدنية لمجتمعها - فإن تأثير ذلك لا تستشعره المرأة فقط، وإنما تستشعره أسرتها لاسيما الأطفال.
إن أمن البشر ضرورة ملحة في الخليج على الأخص. فغالبية السكان في هذه المنطقة من العالم من الشباب. وهم الآن متواصلون. وهم يعرفون الآن ما يجري في العالم من خلال الشبكات الاجتماعية التي كانوا روادها وطوروها ويسيطرون عليها أساسا. وبقدر ما تستطيع دولهم أن تنجح في تهيئة الظروف التي تتيح لهم الفرص لعيش الحياة التي يشكلونها هم لأنفسهم، سيكون هناك أثر كبير على أمن البلد الذي يعيشون فيه.
هيلاري رودام كلينتون
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3014 - الثلثاء 07 ديسمبر 2010م الموافق 01 محرم 1432هـ