إسرائيل: عقاب الجنود على استخدام الطفل كـ "درع بشري" غير كافي
خفض رتبة رقيبين وفرض عقوبات عليهما مع وقف التنفيذ
November 26, 2010
الضرب الخفيف على أيدي هؤلاء الجنود هو صفعة جديدة لوجه ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان أثناء عملية الرصاص المصبوب. إذ لا يقتصر الأمر على أن هذه العقوبات تبدو مُخففة بشكل غير مبرر، بل أيضاً أنه وبعد مرور سنتين على انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة وسط مزاعم كثيرة ظهرت أثناء الهجوم على غزة، فهذه هي الأحكام الوحيدة التي ظهرت.
.سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا .
(القدس) - قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن حُكم المحكمة العسكرية الإسرائيلية في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2010 على جنديين أُدينا باستخدام طفل فلسطيني كـ "درع بشري" أثناء اعتداء 2008 و2009 على قطاع غزة، يبدو أنه عقاب غير كافي ولا يتناسب مع جسامة الجريمة.
وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "الضرب الخفيف على أيدي هؤلاء الجنود هو صفعة جديدة لوجه ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان أثناء عملية الرصاص المصبوب. إذ لا يقتصر الأمر على أن هذه العقوبات تبدو مُخففة بشكل غير مبرر، بل أيضاً أنه وبعد مرور سنتين على انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة وسط مزاعم كثيرة ظهرت أثناء الهجوم على غزة، فهذه هي الأحكام الوحيدة التي ظهرت".
حُكم المحكمة، الذي خفض رتبة رقيبين مع إنزال عقوبات بحقهما بالحبس مع إيقاف التنفيذ، يُرسل رسالة خطيرة مفادها أن نظام العدالة العسكرية الإسرائيلي لن يعاقب الجنود بجدية، من المُدانين بجرائم تعتبر جرائم حرب بموجب القانون الدولي، حسب ما قالت هيومن رايتس ووتش.
حُكم المحكمة العسكرية أخذ في الاعتبار سجلات الجنديين الخاصة بحسن السلوك أثناء الخدمة العسكرية و"الأوضاع الصعبة التي كان يعملان في ظلها". قالت تقارير إعلامية إسرائيلية إن الجنديين، الذين لم يتم الكشف عن هويتهما علناً، أتمّا خدمتهما العسكرية الإلزامية لكن ما زالا سيخدمان في الجيش إذا تم استدعاءهما من قوة الاحتياط في أي وقت.
المحكمة العسكرية للقيادة الإسرائيلية الجنوبية أدانت الجنديين في مارس/آذار بتهمة فصل الصبي البالغ من العمر 9 أعوام، المدعو ماجد ر. عن أمه وأمره تحت تهديد السلاح بفتح حقائب مُتشبه في أن داخلها قنابل، في حي تل الهوى، جنوبي مدينة غزة، في 15 يناير/كانون الثاني. لم يتم العثور على متفجرات. أدانت المحكمة الجنود في أكتوبر/تشرين الأول بتهمة "تجاوز السلطات الممنوحة لدرجة تعريض الحياة أو الصحة للخطر" وهو ما تبلغ عقوبته القصوى السجن ثلاث سنوات، وأدانتهما بمخالفة قواعد الانضباط، بـ "انتهاج سلوك لا يليق بجنود".
قوانين الحرب المنطبقة أثناء هجوم غزة تحظر الاستخدام المتعمد للمدنيين في الاحتماء من هجمات العدو، وتعتبر هذا العمل جريمة حرب. اتخاذ الدروع البشرية محظور بموجب المادة 28 من اتفاقية جنيف الرابعة، المنطبقة على غزة بصفتها منطقة محتلة. البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، الذي يعكس قواعد القانون الدولي العرفي بشكل عام، ورد فيه فيما يخص هذه الحالة تحديداً "يجب ألا يتم استخدام المدنيين للتحصن في مناطق أو نقاط بعينها تدور فيها عمليات عسكرية، لا سيما في محاولات لحماية الأهداف العسكرية من الهجمات أو الاحتماء بالمدنيين، لصالح عمليات عسكرية أو لعرقلة عمليات عسكرية".
حقيقة أن المتفجرات لم يتم العثور عليها في حادث 2009 لا تغير من خرق قوانين الحرب أو النية الإجرامية وراء تصرف الجنود، على حد قول هيومن رايتس ووتش. ويظهر أن الجنود قد تعمدوا وضع الصبي بينهم والهجوم المحتمل، أو فعلوا هذا من واقع إهمال، مما ربما قد يؤدي إلى إصابة الصبي أو وفاته. اتفاقية جنيف الرابعة والقانون الدولي العرفي يحظران أيضاً الاستخدام الجبري للمدنيين في العمل أثناء عمليات عسكرية.
الجنود في لواء غيفاتي هما اثنان من أربعة أدانتهم السلطات العسكرية الإسرائيلية على خلفية مخالفات جنائية تم ارتكابها أثناء عملية الرصاص المصبوب، رغم وجود حالات جيدة التوثيق لشن هجمات متعمدة أو عشوائية الطابع على مدنيين وأعمال أخرى تخالف قوانين الحرب من قبل جنود آخرين. وقد فتحت إسرائيل نحو 48 تحقيقاً جنائياً بعد عملية الرصاص المصبوب، لكن حتى الآن فإن الجندي الوحيد المحكوم عليه بالحبس أدين بتهمة سرقة بطاقة ائتمانية ويقضي عقوبة بالحبس لمدة سبعة أشهر ونصف الشهر.
وقالت سارة ليا ويتسن: "من المقلق أن الجنود الذين خاطروا بحياة الطفل بطريقة غير قانونية بشكل واضح قد تلقوا عقوبة أخف من الجندي الذي سرق بطاقة ائتمان".
وقام الجيش الإسرائيلي بتأديب ستة جنود آخرين على أعمال لجأوا إليها أثناء هجوم غزة، بما في ذلك قائد فوج تلقى "إنذاراً" لتصريحه باستخدام رجل فلسطيني كدرع بشري في عزبة عبد ربه يوم 6 يناير/كانون الثاني 2009. وفي قضية أخرى، تم تأديب قائد فريق عسكري في غزة، البريغادير جنرال إيال أيزنبرغ، وقائد في لواء غيفاتي، الكولونيل إيلان مالكا، على خلفية قصف مقر الأونروا في مدينة غزة يوم 15 يناير/كانون الثاني 2009. وفي تحقيق جناي قائم، استجوبت الشرطة العسكرية الكولونيل مالكا في أكتوبر/تشرين الأول بتهمة التصريح بهجوم في 5 يناير/كانون الثاني 2009 أسفر عن مقتل 21 فرداً من عائلة السموني، رغم تلقي تحذيرات باحتمال وجود مدنيين في المنطقة، حسبما أفادت وسائل الإعلام الإسرائيلية.
وبينما أدان الجيش الإسرائيلي وأمر بتأديب عدة جنود، فإن سلطات حماس في غزة لم تتخذ أية خطوات ملموسة على الإطلاق للتحقيق مع قواتها أو عناصر الجماعات الفلسطينية المسلحة بتهم جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة أثناء النزاع، بما في ذلك تعمد إطلاق مئات الصواريخ على مراكز حضرية إسرائيلية والإعدام بمعزل عن القضاء بحق فلسطينيين مزعوم تعاونهم مع الطرف الإسرائيلي.
أثناء عملية الرصاص المصبوب، عرضت حماس في بعض الأحيان بشكل غير قانوني المدنيين لخطر لا ضرورة له بقتالها وسط مراكز سكانية مزدحمة بالسكان. وقد وصفت تقارير إعلامية دولية وتقارير لمنظمات غير حكومية حالتين على الأقل يظهر فيهما أن الجماعات المسلحة الفلسطينية قد تعمدت إطلاق الصواريخ من مناطق مأهولة بالسكان لتجنب التعرض لهجمات إسرائيلية مضادة، وهو ما يرقى لكونه جريمة حرب تتمثل في اتخاذ الدروع البشرية.
وقد تم من خلال تقارير منظمات إسرائيلية وفلسطينية لحقوق الإنسان وتقرير غولدستون المُكلف من قبل مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بالتحقيق، تم توثيق 21 حالة مزعومة على الأقل لاتخاذ الجنود الإسرائيليين لدروع بشرية أثناء الهجوم. ووثقت منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية عشرات الحالات التي استخدم فيها جنود إسرائيلين الدروع البشرية في السنوات السابقة على نزاع غزة.
وفي مايو/أيار 2002، أصدر الجيش الإسرائيلي "أمراً صريحاً" بحظر اتخاذ الجنود الإسرائيليين لدروع بشرية. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2005 قضت المحكمة الإسرائيلية العليا بأنه من غير القانوني أن يستخدم الجيش الإسرائيلي المدنيين الفلسطينيين أثناء العمليات العسكرية، رداً على شكوى مقدمة من منظمات حقوق إنسان إسرائيلية في عام 2002.
وقالت سارة ليا ويتسن: "لقد أخفق نظام العدالة العسكري الإسرائيلي في التصدي للعديد من الشكاوى الخاصة باتخاذ الجنود الإسرائيليين دروعاً بشرية قبل وأثناء عملية الرصاص المصبوب". وأضافت: "إذا لم يكن الجنود سيُعاقبون جدياً على هذا السلوك الإجرامي، فلنا أن نتوقع استمراره".
الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال - فرع فلسطين، وهو منظمة حقوقية مقرها الضفة الغربية وغزة، تقدمت بشكوى للسلطات العسكرية الإسرائيلية بالنيابة عن ماجد ر. في أبريل/نيسان 2009. ردت السلطات العسكرية الإسرائيلية في البداية على الشكوى في يونيو/حزيران 2009 وفيما بعد طلبت من الصبي الشهادة في التحقيق الجنائي. في نوفمبر/تشرين الثاني 2009 وافق الصبي وأمه على توفير معلومات لمحققي الشرطة العسكرية الإسرائيلية لدى معبر إيريز، الذي تديره إسرائيل على حدود غزة. قالت الحركة لـ هيومن رايتس ووتش إن السلطات العسكرية الإسرائيلية رفضت طلبهما بحضور محامي أثناء استجواب الصبي.
وفي تقرير تم نشره في يوليو/تموز 2010، قالت إسرائيل إنها ستحقق جنائياً في جميع مزاعم اتخاذ الدروع البشرية، لكنها نشرت معلومات عن 5 فقط من 21 قضية على الأقل أخطرت السلطات بها منظمات حقوق الإنسان وتقرير غولدستون، مما جعل من الصعب تقييم مدى كفاية أية تحقيقات أخرى أو معرفة ما إذا كانت التحقيقات قد أغلقت أو سبب غلقها.
أفادت لجنة خبراء مُعينة من قبل مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في سبتمبر/أيلول بأن التحقيقات الإسرائيلية في الانتهاكات أثناء "عملية الرصاص المصبوب" كانت غير كافية، بما أن السلطات لم تحقق في بعض مزاعم الانتهاكات أو فحصت المسؤولية المزعومة لـ "مسؤولين على أعلى مستويات". انتهت اللجنة إلى وجود تعارض في المصالح في دور المحامي العام العسكري، الذي وافق على خطط خاصة بالهجوم لكنه مسؤول في الوقت نفسه عن مقاضاة جنود إسرائيليين على مزاعم بارتكاب انتهاكات.
ودعت هيومن رايتس ووتش المجتمع الدولي إلى دعوة إسرائيل وحماس لإحقاق العدالة على الجناة في الانتهاكات الجسيمة لقوانين الحرب والقانون الدولي لحقوق الإنسان. وقالت هيومن رايتس ووتش إن إخفاق سلطات إسرائيل أو حماس في معاقبة المسؤولين عن انتهاكات قوانين الحرب يعني ضرورة البدء في ملاحقات قضائية دولية.