تاكسي الوفاق .. و"عبرية" الشعب !!
تاريخ: 2010-06-21 - وقت النشر: 04:06:06 ص - قراءات: 934 - تعليقات: 33
تابعت الحوار الذي أجراه رئيس تحرير صحيفة "البلاد" مع سماحة النائب الشيخ علي سلمان الأمين العام لجمعية الوفاق الإسلامية، ويبدو ان الحوار تابعته شريحة عريضة من مختلف التيارات السياسية في البحرين! فقد أكد الشيخ علي سلمان في حديثه الصريح عن جملة من القضايا السياسية التي يشهدها الشارع السياسي في البحرين، وبخصوص الشارع، أسهب سماحته مستعرضاً حركة الشارع السياسي في الوقت الحالي وما غزاها من تحولات دراماتيكية في العقد المنصرم، وموقف سماحته من حركة الشارع الجديدة.
فيرى سماحته أن حركة الشارع لم تعد ورقة مجدية في الضغط على السلطة لتحريك الملفات العالقة، ولا يخفي ان دوره الآني أشبه بدور المرشد والناصح لشريحة من الشباب الذين يرون بأن حركة الشارع هي الورقة الرابحة والضاغطة، وأن الوصول لحالة من التأزيم السياسي سبيل لتحقيق المطالب، وانفراج بعد انغلاق!
فيؤكد سماحته في حواره الصحافي دوره الرئيسي ودور جمعية الوفاق، ونزوله أكثر من مرة إلى الشارع وأخذ المتظاهرين الذين اختاروا لغة الشارع لتحقيق مطالبهم إلى منازلهم، حتى تنتهي جمعية الوفاق من تنفيذ برنامجها السياسي الذي قد يحقق ما يطلبه الشباب من غير النزول للشارع، وذلك عبر منفذ السلطة الرسمي، وتحت مظلة البرلمان بدستوره الجديد!
يأتي هذا الموقف السياسي بعكس ما كان يفتخر به سماحته من أساليب مشابهه تماماً بل كانت أشد وطأة في الانتفاضة التسعينية! ويتجلى هذا الفخر في خطابه الشهير إبان الانتخابات النيابية 2006، وتحديداً ما بين منطقتي السنابس والديه، ، فكان سماحته يفتخر بكل تفاصيل الانتفاضة التسعينية ((بسلندراتها وبشيطانها))!! ولكنه اليوم يشجب ويستنكر هذه الأعمال ويصفها بأعمال عنف، ويحمل الشباب دوامة الاعتقال المركب بدون هدف! وراح يحلل نفسية المتظاهرين ويشكك في تقواهم الإيمانية، ومستواهم الدراسي، وكأن العنف -إن اتفق الجميع على هذا المسمى- في تسعينيات القرن الماضي مباح لأنه خرج من أيدي مؤمنة، فكانت أسطوانة الغاز التي تنفجر مسددة من قبضة إيمانية، وصاحبها تلا عليها سورة النصر، وجهر بنية الانفجار..!! ولا ندري هل الذين يحرقون الإطارات والحاويات في وسط الشارع يحملون شهادات الدكتوراة والماجستير أم لهم رسائل علمية معتبرة في فن إشعال الإطارات والحاويات!!
لا نعلم حقيقة من هم الذين يخرجون اليوم وسط الشارع السياسي؟! هل هم امتداد لتلك الحقبة أم هم فئة ضالة كما يصرح في الإعلام الرسمي؟! هل الأسلوب الذي يتعاملون معه اليوم أسلوب شاذ يجب التصدي له، أم أن هذا الأسلوب لا يخرج إلا من يد إيمانية و متعلمة أكاديمياً ؟!! فلو كان الأسلوب شاذاً فمن باب أولى أن تكون الإدانة لمرحلة التسعينات، لا الفخر بـ"سلندراتها وبشيطانها"!! أما ما نراه اليوم فهو فسخ عقد الإيمان والعلم من هذا الجيل الذي أستخدم لغة الجيل السابق، وآمن بمن يفتخرون بكل تفاصيل تلك المرحلة من آباءه !!
وهذا ما يؤكده أيضاً في حواره الأخير..
فيقول سماحته ((بسبب وجود الوفاق وغير الوفاق من القوى السياسية داخل البرلمان وخارج البرلمان، وتقوم بجهد سياسي سلمي ومُنظم في القضايا المختلفة، هذا السبب هو الذي يجعل عدد الناس التي تشترك في مثل هذه الأمور عدداً محدوداً، فلو لم تكن هذه القوى السياسية موجودة وفي مقدمتها الوفاق، لما كنت تتكلم عن هذا العدد وهذه المناطق، هذا هو الجزء الأول الذي تلعبه الوفاق أنك أصبحت ترى خمسة أو عشرة أشخاص في الشارع، هذا ولله الحمد ما قامت به الوفاق وهي مستمرة ومعها قوى سياسية أخرى))
ويتابع ((الزاوية الثانية أنا شخصياً كنت أنزل كثيراً لهذا الشارع وكنت آخذ المتظاهرين وأعيدهم إلى بيوتهم، لكني فعلت هذا مرة واثنتين وثلاثًا وأربع مرات، يجب أن نقول إن هناك قضايا إذا لم يتم حلها فإن النزول الى الشارع لا يكفي، أنا حينما أقوم بإرجاع العاطلين عن العمل الى البيت ولا أوجد لهم وظائف بعد ذلك، يمكن لي ارجاعهم مرة أو مرتين أو ثلاثًا أو أربعًا، وفي المرة الخامسة سيقولون لي: شيخ نحن لم نحصل على وظائف، ولم يتم حل مشكلتنا.))
ولهذا التصريح العديد من الإشارات:
أولاً: يدين سماحة الشيخ أسلوب الشارع من حركات عنف، ولكنه يفتخر بنفس العنف الذي كان يحرك الشارع في الانتفاضة التسعينية.. ونحن نتسائل ما حدا مما بدا يا سماحة الشيخ؟! ففي مرحلة التسعينيات كانت هذه الإدانات تخرج من جماعة محددة، تم عزلهم اجتماعياً، لأنهم أدانوا لغة الشارع ووقفوا ضد حركته ليصفوه بالفوضى و أعمال عنف، وكان الساسة والرموز المحسوبين على حركة الشارع يستنكرون أشد الاستنكار من هذه الجماعة،حتى راح البعض يطلق عليهم بجماعة "التل"، لأنهم لم يكونوا مع حركة الشارع!
واليوم نتابع خطاباً مستنسخاً من تلك الجماعة، و نقرأ مثل الجُمل وذات الكلمات من تيار يدعي أنه خرج من رحم الانتفاضة التسعينية!! ومن كان ملعوناً في ذاك الوقت أصبح مرحوماً في هذه المرحلة!! فما الذي حدث؟! وما الذي تغير يا ترى؟؟!
لا يعني أبداً أن كل ما يفرزه الشارع وحركته هو عين الصواب فالأخطاء واردة، ولا التحامل الذي يسوقه البعض لأجندات ومكاسب سياسية صوب نبض الشارع عملاً رشيداً! وفي كل الأحوال فالعنف مرفوض رفضاً تاماً أياً كان مصدره !
ثانياً: يقلل سماحة الشيخ من تأثير حركة الشارع السياسي، ويحجم دورها القيادي الذي كانت تلعبه في مرحلة هامة جداً من مراحل البحرين السياسي، فما تحقق من باحة ومتنفس محدود جاء بفضل الشارع، وحركته الخلاقة وأساليبه المتعددة! حتى البرلمان الذي ينعم فيه البعض ويعده استثماراً مالياً، وتسديداً لفواتير سياسية سابقة، وشهادات تقدير لخدمة الشعب في مرحلة من المراحل، جاء من جهد وعناء، ومن دم الشهداء الذين تتقاتل بعض القوى للف عمائمها من أكفان الشهداء! فما الذي حدث يا سماحة النائب؟! تسحبون قوة هذا الشارع وتشكلونها حسب مزاجية دكاكينكم السياسية؟!!
ثالثاً: تعمل المؤسسة الوفاقية وبتصريح من سماحة الشيخ كتاكسي سياسي، لإيصال "عبرية"* هذا الشعب من الشارع إلى منازلهم، وهذه الخدمة مجانية إرضاءً للطرف الحكومي الذي صرح سماحته في نفس المناسبة التي ذكرنها أنه يمسك العصا من الوسط!! الشعب لا يريدك يا سماحة الشيخ ان تمسك العصا من الوسط، يريدك هذا الشعب ان تكون معه لا ان تكون في طرف السلطة! الجانب الآخر ما هذا الفخر يا سماحة الشيخ بأنك تنزل للشارع لترجع المتظاهرين؟!! لا يجدر بالوفاق أن تعمل تاكسي بالأجرة لصالح الحكومة، فالعاطلون عن العمل، ومحدودي الدخل ليسوا "عبرية" على الرصيف السياسي، ينتظرون سيارات الوفاق لإيصالهم! لو نظرتم بتمعن وبإدراك فستجدونهم وسط الشارع! إن لم تحل مشاكلهم لن تصمد مركبات السلطة ولا مركبات الجمعيات والقوى السياسية ودكاكينها من دهسهم فهم بالآلاف !!
يكفي يا سعادة النائب أن تعلم بأن نصف هذا الشعب تحت خط الفقر، يعاني من قلة الأجور وانعدام السكن ومن التمييز ومهدد بضياع هويته، وبتقليص حريته الدينية شيئاً فشيئاً.. عندما يسمع كلامك بعض الشباب وتقوم بإيصالهم إلى منازلهم فمن باب التوقير لشخصك الكريم! ومكانتك الاجتماعية.. ولكن عذراً سماحة الشيخ فهم ليسوا مقتنعين ببرنامجك السياسي!
اليوم سمعوا ما تريده وأطاعوك.. لكن نصف هذا الشعب سيخرج للشارع يوماً إن لم تحل مشاكله وقضاياه، ولن يكفي تاكسي الوفاق لإيصال هذه الجماهير لبيوتاتها، وإن أسست جمعية الوفاق شركة "تاكسي" سياسي، فالعدد كبير جداً، والفاتورة السياسية باهضة الثمن يا سماحة الشيخ لا تستطيع الوفاق والقوى السياسية الأخرى أن تدفعها!!
______________
*عبرية:مصطلح يستخدمه سائقي الأجرة على وجه خاص، والعبرية هم الأشخاص الذين يستقلون وسائل المواصلات بالإجرة.