التوصية رقم «11» لمجلس النواب
عباس المرشد
تابعت كما تابع غيري من المهتمين لشؤون مجلس النواب البحريني قضية مناقشة تقرير لجنة التحقيق في الدفان والنهاية المتوقعة لها ممثلة في تحويل الجلسة العلنية إلى جلسة سرية، فالمعلومات التي صارت بأيدي أعضاء اللجنة، وبالتالي لدى النواب تعتبر أرقاماً غير اعتيادية وتبعث على التساؤل عن الجزء المخفي من القضية، وهل فعلاً أن المبالغ المترتبة على الدفان هي مبالغ تكفي لموازنة خمسين عاماً بمعدل 2.3 مليار لكل موازنة تصديقاً للرقم الذي أوردته نشرة جمعية الوفاق في عددها الأخير (127) والبالغ نحو 109 مليارات دينار يمثل حجم المبالغ المحتسبة كقيمة لعملية الدفان ولم يدخل منها شيء في خزينة الدولة؟ الأمر المثير للقلق أن المساحات المدفونة - المعلومة طبعاً - هي الأخرى طارت بالتعبير الدارج، حيث لم يستفد منها المواطنون بحكم تحويل ملكياتها إلى ملكية فئة محدودة أو جرى استثمارها لفئة عليا داخل مجتمع الرأسمال. وربما كانت بعض النتائج التي وصل إليه تقرير لجنة الدفان قد دفعت ببعض النواب قبل مناقشة التقرير إلى طلب اللقاء بملك البلاد باعتبار حجم القضية وصعوبة توصل مجلس النواب إلى وضع حلول لها بتعبير النائب ناصر الفضالة.
مهما قيل عن حجم المعلومات المدرجة في تقرير لجنة الدفان أو نوعية الإجراءات التي ستتخذ في شأنها لاعتقادي بأن النتائج معروفة مسبقاً، إلا أن طلب رئيس المجلس خليفة الظهراني بتحويل الجلسة العلنية إلى جلسة سرية لمناقشة التصديق على مضبطة الجلسة هو أمر يدعو للتساؤل، وقبل ذلك فإن جملة رئيس المجلس خليفة الظهراني عندما قال «إن استرداد ما وهب ليس من شيم العرب» هي ما يدعو إلى مزيد من المناقشة.
طبعاً، من حق الظهراني أن يعبّر عن رأيه كنائب منتخب، إلا أن الأعراف البرلمانية لم تجرِ على أن يعطي رئيس المجلس رأيه الشخصي ويعمل على تنفيذه بعنوان الرئاسة، فكان بإمكان رئيس المجلس أن يفتح باب النقاش ويعبّر عن رأيه بكل صراحة، ولن تكون هناك أية مناقشة. إلا أن رد الفعل من قبل جهات متعددة والذي أثارته تلك الجملة تحيلنا إلى مناقشتها بالشكل الآتي:
فأولاً، تكلم الظهراني عن قاعدة لدى طبقة الشيوخ، في حين أن طبقة الشيوخ نفسها التزمت الصمت، ولم تطرح مثل هذه القاعدة أو المبدأ، بل إن تصريحات القيادة العليا تعارض مثل وجود هذه القاعدة وتؤكد في المضمار نفسه أن القانون هو السائد، وهو المرجعية وليس الأعراف الأخرى. ويمكن هنا الرجوع إلى حوادث تم سحب الهبات فيها لأسباب قانونية أو لأسباب أخرى.
وثانياً، بمقتضى جملة الظهراني فهو يعطي امتيازاً خاصاً لفئة وطبقة دون فئات وطبقات متضررة من الدفان والهبات، ومن المؤكد أن إمضاء هذا التمييز يؤسس لانعدام الثقة ليس في المؤسسة النيابية التي يفترض فيها أن تكون صوت المواطنين جميعاً بلا تمييز فحسب، وإنما في هيكلية الدولة وقدرتها على التزام الحياد أمام مواطنيها.
ثالثاً، إن هناك تعارضاً بين النظام البرلماني والمؤسساتي القائم على القانون وعلى فكرة المراقبة والتشريع، وهو ما استند إليه النائب الجمري في التوصية رقم 11 من التقرير، وبيّن النظامَ الذي تعمل فيه مثل تلك الجملة، وهو نظام شخصي يقوم على الأعراف الجماعية وله مجاله الخاص الذي يعمل من خلاله كالعلاقات الشخصية، ولا يمكن بأي حال من الأحوال مد هذا النظام الشخصي إلى المجال العمومي.
إن العمر الزمني للجنة التحقيق في الدفان يعتبر كافياً لإصدار تقريرها وتوصياتها، وقد تم تشكيل هذه اللجنة بموافقة رئاسة المجلس ودعمه لها، وكان متوقعاً أن تصل اللجنة في تقريرها إلى نتائج مثل النتائج التي حصلت عليها، خصوصاً أن هناك تقارير صحافية عدة نشرتها الصحف المحلية بشكل متواصل تلفت الأنظار إلى وجود مخالفات وتجاوزات في قضية الدفان، بل إن الأمر وصل في بعض الحالات إلى مواجهات بين الأهالي وبين شركات الدفان كما في حادثة سترة سنة 2009 وحادثة الهملة وحوادث القرى الشمالية وقيامهم باعتصامات متكررة ومتواصلة وهي أعمال احتجاج سلمي مرخص لها من قبل وزارة الداخلية. وإذا كانت نتائج لجان التحقيق ستواجه بالطعن من قبل أعضاء مجلس النواب أنفسهم فإن ذلك يشكل عرفاً جديداً يؤسس لانعدام الثقة في المؤسسات السياسية ويفقدها القدرة على تلبية مصالح المواطنين