الثورة التونسية:الأسباب... القيادات... الرهانات... (3-4)
القيادات المهجرية والافتراضية
كما أسلفنا عرفت تونس ما بعد الاستقلال قيادات سياسية كثيرة لكن في فترة ابن علي ربما برزت على السطح أسماء لا تمثل قيادات مباشرة لثورة14يناير/ كانون الثاني 2011 وإنما هي أصوات للرفض كلما برزت في المنابر دعت التونسيين إلى رفض سياسة ابن علي واستعادة كرامته وحريته.
ولعل من أهم هذه الشخصيات الدكتور المنصف المرزوقي رئيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية.عانى من الاعتقال في زنزانة انفرادية، وقد أفرج عنه على خلفية حملة دولية وتدخل من نيلسون مانديلا .أسس مع ثلة من رفاقه المجلس الوطني للحريات.
كما نذكر شخصية الشيخ المفكر راشد الغنوشي الذي يرأس حالياً حركة النهضة ذات التوجه الإسلامي المعتدل ساهم في تشكيل حركة الاتجاه الإسلامي المعروفة بالنهضة وشهر بفشل النظام الحالي وتزوير الانتخابات الرئاسية وانتشار الفساد وانهيار صدقية الجهاز القضائي. حوكم الشيخ الغنوشي بسبب نشاطه الدعوي والسياسي بالسجن مدى الحياة، ومن مؤلفاته: حق الاختلاف وواجب وحدة الصف، وقد عاد كلاهما من المنفى في أعقاب الثورة المجيدة.
أما القيادات الافتراضية فهم صانعو الثورة الشبابية التي زاوجت الافتراضي والواقعي، التكنولوجيا العصرية والتظاهرات التقليدية. يقول أحد قادتها: في النهار نكون في الشارع وفي المساء أمام شاشة الحاسوب وهكذا أصبح اسم المدونين سليم عمامو أو عبد العزيز عمامي أشهر من القادة النقابيين، وحلت عبارتهم «سيدي الرئيس، شعبك يحترق» التي يقرأها الجميع بنقرة حاسوب محل اللافتات المكتوبة في مقدمة التظاهرات.
وعلى صعيد آخر وعبر موقع الفيسبوك ظهرت شخصية طارق المكي وهو معارض تونسي أعجب به الشباب ففرض نفسه قائداً افتراضياً وهو خارج البلاد لم يكن مشهوراً سابقاً، لكنه استطاع عبر الفيسبوك أن يؤثر في الشباب بخطابه الواضح وتحديه العلني للرئيس السابق وفضح جرائمه وهو مقيم بكندا. في سنة 2007، أعلن معارضته للرئيس المخلوع .
وقد كان طارق المكي يصوغ الكثير من الشعارات التي ينادي بها الشباب في التظاهرات مثل النداء للجمهورية الثانية وكذلك تلك العبارة الشهيرة بالفرنسية «degage» والتي تعني ارحل وقد شدت العالم كله، خاصة بحركة اليد المصاحبة لها.
وهكذا يعتبر طارق المكي وراشد الغنوشي والمنصف المرزوقي، فضلا عن الشباب من المعارضين القلائل الذين دعوا إلى إقالة زين العابدين بن علي وإنهاء حكمه، وتحويله للمحاكمة أمام محكمة دولية بتهمة الفساد وارتكاب أعمال تعذيب ومعاملات لا إنسانية على مواطنين تونسيين.
إذاً كان الفيسبوك من أهم أدوات تشكيل الرأي العام لهذه الثورة، ولكن الثابت أن النخبة السياسية «المعارضة» داخل البلاد لم تكن قادرة على استيعاب التحولات في المطالب، ولم تكن مستعدة أيضا بالبدائل التي يدعو إليها الشارع حيث لا نجد رمزاً سياسياً يجمع عليه التونسيون. وبذلك تطرح الثورة التونسية سؤالاً آخر على مستوى مراجعة المفاهيم فالثورة قد انطلقت دون قائد كلاسيكي ولا يمكن أن يدعي شخص أنه قائد لها، فهل يعني ذلك أن ثورة دون قائد أفضل من ثورة بقائد يحوّله أتباعه بعد نجاح الثورة إلى صنم جديد فيعيدون تشكيل نفس الوضع القديم بوجوه جديدة؟
إذاً، القائد في الثورة التونسية هو الشعب وسيظل متحكماً في اللعبة السياسية الآن وضاغطاً على كل من تتجرأ نفسه بإعادة إنتاج أشكال جديدة من الاستبداد في تونس والدليل على ذلك رفضه للمغالطة الدستورية على مستوى الرئاسة أولاً، ثم رفضه للحكومة الانتقالية الأولى وها هو اليوم يعلن بقوة رفضه لبقاء حزب التجمع الحاكم سابقاً كما يعلن للحكومة الجديدة رفضه لتعيين محافظين تجمعيّين وهاهي الحكومة تستجيب لمطالبهم الواحد بعد الآخر.
إنّ هذا الشعب كما يرى المفكر العربي برهان غليون قد كتب بثورته الفصل الأول من تاريخ العرب الحديث, تاريخ الحداثة السياسية التي لم يعرفوها من قبل.
سليم مصطفى بودبوس
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3077 - الثلثاء 08 فبراير 2011م الموافق 05 ربيع الاول 1432هـ