الأزمة الاقتصادية.. القادم أسوأ
إبراهيم شريف السيد
لم يعد من الممكن أن نكون متفرجين، فقد أصبحنا من دون رغبة منا لاعبين في وسط بحر عالمي متلاطم الأمواج تعمه الفوضى ويفتقد لقيادة ربان ماهر.
في هذا السوق الذي أنفرط عقده، أصبح المستحيل ممكنا، والممكن حقيقة. وقت كتابتي لهذا المقال مساء الجمعة كان سعر سهم سيتي بنك، أكبر البنوك العالمية، قد أنخفض إلى أقل من 4 دولارات أي أنه خسر أكثر من 90% من قيمته منذ منتصف العام الماضي، وتزايد الحديث عن إمكان إفلاسه أو بيعه. وقبل أكثر من شهر، أعلن إفلاس أكبر ثلاثة بنوك في آيسلندا، إحدى الدول الصغيرة المتقدمة اقتصادياً، التي يعتمد اقتصادها بشكل كبير- مثل الاقتصاد البحريني- على القطاع المصرفي، وقامت حكومتها بطلب مساعدة عالمية لإنقاذها من الإفلاس.
عنوان صحيفة الإيكونومست لعددها الصادر هذا الأسبوع كان: ''كل ما تحتاجه هو النقود''. النقد أصبح ملك الملوك بعد أن كان ينظر إليه بريبة بسبب قلة العائد عليه. وأصبح العقار وسوق الأسهم في ليلة وضحاها موضة قديمة يسرع المستثمرون في التخلص منها. أحد المصرفيين قال لي إن أعدادا متزايدة من أصحاب الثروات أخذوا يخزنون دولارات نقدية بعشرات الألوف في ''التجوري'' تحسباً لأي طارئ.
الخسائر في سوق الأسهم كبيرة، فقد انخفضت أسواق الأسهم الخليجية أشد مما انخفضت في نيويورك ولندن وهما مصدر أكبر المصائب في قطاع العقار. أصبح الأمر أشبه بمجزرة أسهم، حيث فقد مؤشر الأسهم السعودية 55% من قيمته هذا العام، بينما انخفض مؤشر سوق دبي 66%، علما أن أسعار الأسهم في كلا السوقين لا تزيد عن ربع قيمتهما في بداية .2006 البحرين كانت من أقل الأسواق تضررا حتى الآن بسبب أنها كذلك كانت أقلها ارتفاعاً. البحرينيون لا يحسون ''بمصيبة'' أسواق الأسهم في المنطقة لأن الغالبية الساحقة لا تملك أو تتداول الأسهم- جزئياً بسبب ضعف الدخل- بينما حمى الأسهم تسيطر على قطاعات واسعة من مواطني دول الخليج الذين يتداولون أسهما بمئات الملايين كل يوم.
قطاع العقار هو المتضرر الأبرز مع قطاع الأسهم. ومن طبيعة هذا القطاع أن يأخذ الانحدار فيه وقتا لكي يحس به. ولكن هذه المرة بدأ السقوط أسرع من الصعود، والأخبار تفيد أن بعض عقارات دبي قد أنخفض 40% في شهرين. ويمكن أن نأخذ مؤشر أسهم قطاع العقار في سوق دبي للأوراق المالية دليلا على سرعة الانهيار؛ حيث فقد المؤشر 78% من قيمته هذا العام، بينما أنخفض السهم العقاري الأول في منطقة الخليج، وهو سهم شركة إعمار الضخمة، إلى أقل من 3 دراهم بعد أن كان يتجاوز 15 درهما بداية العام. العقارات في البحرين ودول المنطقة هي في حالة ''سقوط حر'' ولا أحد يستطيع أن يتنبأ بالقاع، فهذا مرهون بارتفاع أسعار النفط من جهة، وعودة الاستقرار للأسواق العالمية وهما أمران لن يحدثا في أسابيع، وربما لن يحدثا قبل عام أو أكثر، وفي هذه الحالة لن يكون مستغربا أن يفقد العقار أكثر من نصف قيمته تماما، كما حدث في قيمة الأسهم وأن يستمر الهبوط طوال العام المقبل وربما العام الذي يليه.
ولكن ما دخل انخفاض قيمة الأصول من أسهم وعقارات على الاقتصاد الحقيقي وعلى المواطن البسيط الذي لم يحصد شيئا، من هذا الصعود الصاروخي للأسهم والعقارات، غير الغلاء والحسرة على الزمن الذي كان بالإمكان شراء أرض بعشرة آلاف دينار؟
الاقتصاد الحقيقي في دول الخليج يتأثر أولا بسعر النفط، لأن هذا يوثر على مصروفات الدولة. ولكن أي انخفاض سريع وكبير في قيمة الأصول سيؤدي إلى توقف تدفق الاستثمار في الاقتصاد وإفلاس أو خروج عدد كبير من المستثمرين والشركات في قطاع العقارات والبناء، وخصوصاً الشركات التجارية الصغيرة والمتوسطة وتكبد البنوك الاستثمارية والتجارية خسائر كبيرة جراء انخفاض أسعار العقارات وزيادة مبالغ القروض المعدومة. هذا سيؤدي إلى تسريح جزء من العاملين في قطاع الإنشاء ومواد البناء والمصارف وسيؤثر على جميع القطاعات الأخرى، وخصوصاً تجارة البضائع الاستهلاكية الفارهة والبضائع المعمرة (سيارات وأثاث وأجهزة منازل ومكاتب وغيرها) بسبب ترابطها. هناك جوانب إيجابية كذلك مثل توقف موجة الغلاء، وانخفاض أسعار الأراضي، ولكن المحصلة النهائية ستكون سلبية للغاية؛ حيث سيزيد عدد العاطلين وسيصبح من الصعب حصول الشباب على وظائف.
يمكن للدولة أن تخفف من هول الصدمة من خلال سياسات نقدية ومالية نشطة بدل سياسة الإنكار التي يمارسها المسؤولون في وزارة المالية والبنك المركزي والحكومة التي تدعي أن كل شيء على ما يرام. الوضع المالي للدولة مقلق، والمعادلة الحسابية لدخل الحكومة أمر في غاية البساطة في بلد تعتمد إيراداته بنسبة 80% على دخله من النفط والغاز. كل 10 دولارات انخفاض في أسعار النفط تكلف الخزينة العامة نحو 240 مليون دينار سنوياً. وقد بلغ متوسط أسعار خامات النفط لمنظمة ''الأوبك'' 44 دولارا للبرميل في نهاية التداول الخميس 20 نوفمبر/ تشرين الثاني، بينما وضعت الحكومة البحرينية موازنتها للعامين المقبلين على أساس سعر نفط يبلغ 60 دولاراً للبرميل، مقدرة العجز السنوي بأكثر من 200 مليون دينار.
الخسائر لا تتوقف عند النفط، فحكومة البحرين تملك 77% من مصنع الألمنيوم ألبا، وأسعار الألمنيوم انخفضت أكثر من 1000 دولار للطن في بضعة أشهر لتصل إلى نحو 1800 دولار للطن. ومن جراء ذلك، سينخفض دخل ألبا التي تنتج نحو 000,860 طن من الألمنيوم بأكثر من 300 مليون دينار سنوياً. الأمر نفسه ينطبق على أرباح الحكومة من قطاعات أخرى مثل الغاز المسال ومصنع البتروكيماويات وعلى استثماراتها.
الأسعار الحالية في سوق النفط ترجح أن يرتفع عجز الدولة إلى أكثر من 600 مليون دينار سنوياً، حتى لو استطاع النواب الكشف عن بضعة عشرات من الملايين المخبأة هنا وهناك (مثلا في هامش ربح المصفاة أو عوائد الاستثمار). مثل هذا العجز أمر لا تستطيع الدولة تحمله ما لم تكن لدينا احتياطيات كافية من السنوات السبع السمان الماضية. لكن هل احتاطت الحكومة للسبع العجاف، وماذا جرى للاحتياطي الذي من المفترض أنه زاد 1500 مليون دينار في السبع السمان؟ للحديث تتمة.