أعمدة
غياب الرؤيـة
جمال السلمان
جمال السلمان
أحد الإشكالات الكبرى التي لم تغادرها دول الخليج جميعها، هو غياب الرؤية المستقبلية في كيفية معالجة الظواهر الاجتماعية والاقتصادية، لذا نجد كثيراً من الإشكالات التي تعيشها مجتمعاتنا حالياً هي نتاج غياب الرؤية الاستراتيجية، ولن نذهب بعيداً لنرى كيف تعاملت دول الخليج مع الطفرة النفطية الأولى وعدم استثمارها لبناء قوة إنتاجية يمكن أن تخلق تراكماً وقيمة مضافة للناتج المحلي من خلال مشروعات إنتاجية واعدة بدلاً من البذخ وزيادة الإنفاق الاستهلاكي، حتى انتهت الطفرة النفطية الأولى ومرت دول المجلس بمرحلة ركود وصعوبات اقتصادية فرفعت شعار تنويع مصادر الدخل القومي، ما لبثت بعده أن جاءت الطفرة النفطية الثانية، فغاب شعار تنويع مصادر الدخل، وضخت كل إيرادات وترليونات الطفرة النفطية الثانية في بناء الأبراج والعمارات والتسابق لدفن الخلجان والمياه لبناء مدن الحلم الذي يأتي ولا يأتي، ويبحث المستثمرون عن سكان لملء تلك الأبراج والمنتجعات، من دون أن ننظر إلى تداعيات كل ذلك على الهوية الوطنية والقومية لهذه الدول ولا إلى ما تحمله تلك الاستثمارات العقارية من إفقار للأغلبية من محدودي الدخل بل ومتوسطيه عن إيجاد المسكن اللائق لهم ولعائلاتهم.
في هذا السياق نفسه، فقد حذرت الحركة الوطنية منذ الطفرة النفطية الأولى في سبعينات القرن الماضي من التداعيات والأزمات المؤجلة للاستخدام المفرط للعمالة الأجنبية وتأثيراتها على تنمية القوى العاملة الوطنية وعلى الاستخدام الأمثل لها، وعلى اعتماد النشاط الاقتصادي في المنافسة على عنصر وحيد يتمثل في رخص العمالة من دون النظر إلى ما يحمله المستقبل في هذا الشأن، والأدهى والأمر هو تأثيرات هذا الاستخدام المفرط على الهوية الوطنية والقومية لهذه الدول، والتي دفعت أحد المسؤولين في دولة الإمارات إلى التصريح علناً في مؤتمر عن الهوية الوطنية في الإمارات بقوله «أخشى أننا نتوسع في بناء العمارات ونضيع الإمارات».
ولنا أن نتساءل كيف لدولنا أن تسمح بأن تتجاوز معدلات العمالة الوافدة إليها نسب 70 إلى 80% في بعض الدول، من دون أن تتخذ خطوات استثنائية في هذا الشأن، في الوقت الذي يذكر خبراء الهجرة الأوروبيون أن الدول الأوروبية تتخذ إجراءات استثنائية إذا تجاوزت نسب الأجانب في أي دولة عتبة 12% من عدد السكان، أين تنفيذ الاستراتيجية السكانية لدول المجلس التي اعتمدها قادة دول المجلس في العام 1998 ووضعت في الأدراج، إن السياسات الوطنية في دول العالم قاطبة تتعامل مع قضايا الهجرة من خلال الاستناد إلى أسس ثلاثة: الحفاظ على الهوية الوطنية، صيانة الأمن الوطني، الحرص على التوازن الديموغرافي، ويفترض أن تكون لدول المجلس - كغيرها من الدول - الحق في إقامة سياستها الوطنية على هذه الأسس، لماذا تكون الرؤية اقتصادية سطحية وحاكمة في ظل تحمّل دولنا كلفة جميع الخدمات التي تقدم للعمالة وما يشكله ذلك من ضغط على الموازنات العامة للدول وتدني مستوى الخدمات نتيجة ذلك.
إن الواقع الحالي لطبيعة إقامة العمالة الوافدة وميلها إلى الاستقرار لفترات طويلة، سوف يخلق لدول المجلس وضعاً مقلقاً من حيث تهيئة الظروف لهذه العمالة للمطالبة باكتساب الجنسية، وإن اتفاقية الأمم المتحدة لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، وإن كانت تخلو من نصوص تقر للمهاجرين بالحق في اكتساب جنسية دولة الاستقبال، إلا أن التصديق عليها يعزز الظروف التي تشجع على تجنيس المهاجرين، نتيجة الإقامة فترات طويلة من الزمن بهدف اكتساب الحقوق المترتبة على الخدمة الطويلة وفقاً لأحكام قانون العمل والتأمينات الاجتماعية وقوانين الجنسية، وكذلك نتيجة لمّ شمل أسر المهاجرين ومن ثم ولادة «الأجيال الثانية» من المهاجرين على أرض دولة الاستقبال، بل إن إحدى توصيات العمل الدولية في مجال الهجرة الدائمة أو المؤقتة قد حثت الدول الأعضاء في منظمة العمل الدولية في اتفاق نموذجي مرفق بتلك التوصية على أن تتخذ السلطة المختصة في إقليم المهجر تدابير لتسهيل تكيف المهاجرين وأفراد أسرهم مع الظروف المناخية والاقتصادية والاجتماعية السائدة فيه، ولتسهيل إجراءات تجنسهم.
إذا استمرت دولنا تتعامل بالمنطق نفسه من دون الاحتراز للمستقبل، فسوف نشهد في الفترات المقبلة تداعيات مقلقة على هوية المنطقة ووضعها السكاني، خصوصاً في ظل تكثيف المنظمات الدولية لمتابعتها للاتفاقيات الدولية في مجال الهجرة وتتابع التقارير المختلفة المسميات في هذا المجال.
- كاتب بحريني