كشكول رسائل ومشاركات القراء
لن ألبس بنطال عدوي!
من كان يصدق أن يوجد في هذه القرية النائية عن الحضارة الزائفة، شاب يحمل سلوكيات وفكر غريب عنها يقلد بها الآخرون أعداء اليوم، من كان يصدق أنه أيضا مولود من أبوين مسلمين، وكأنه غريب عن هذه القرية التي ولد فيها، ناسيا نفسه أنه زحف فوق ترابها، وربى بين أغنامها، وترعرع بين أنهارها، وشرب من لبن أبقارها، ولما وصلته الحضارة الزائفة تنكر لعقله ولأصله ولقريته بل لإسلامه، وزحف إليها زحفا يتبختر بها ليتشبه بلباس اليهود الذين حاربهم الرسول (ص) لسنوات طويلة حتى طأطأ رؤوسهم، وهدم حصونهم وهزم أبطالهم.
وأنت اليوم يا مروان تقوم بنفس الدور فتنصر الأعداء علينا وتقوي شوكتهم وترفع رايتهم، بتقليدك لهم في لباسهم، وتمييعك في سلوكك بكشفك عورتك، هذه كانت آخر نصيحة ذهبية تلقاها مروان من شقيقه عادل الذي يكبره بسنتين والذي كان قبله أيضا مقلدا لهذا السلوك، بناطيل قصيرة وشورتات أقصر مع فانيلات لويست والتي انتشرت في الأرياف، حتى أسف على أفعاله وعاد إلى رشده، بعد أن تلقى ضربة قاضية من داعية القرية في بيت الله عندما كان يصلي لله كاشفا نصف عورته للمأمومين بنفس اللباس، يا الله كم كان موقفا مخزيا مقابل ضربة قاضية، والتي لم ولن ينساها طيلة حياته، وكيف ينسى ذاك المشهد وهو بين خالقه، وبقي الزمن يعيد له مشهد الخزي والعار كلما مر أمام المسجد، وشقيقه مروان اليوم يرافق شابا متحررا من كل شيء، ويقلده في كل شيء وهو ليس بجميل الطلعة، ولا مرتب في هندامه وإذا ما مر بقربك كأنه شبح أو وحش هاربٌ من الأدغال... تاركا مدرسته كما هو تارك لصلاته، ولكنه يتفلسف بأفكار بين أصدقائه التي يحفظها من الكتب والتي رفضتها رفوف المكتبات، وتخلت عنها الأسواق، حتى بيعت بثمن الآيسكريم و(الأجباس)، وتفرد الشيطان الأكبر والأصغر من جديد بشبابنا في الميوعة وسياسة الإغواء.
وما بقيت له إلا أفكارهم البالية تدوي في أذنيه يتفلسف بها ويتشدق بقيمهم ومعتقداتهم بين الفينة والأخرى على صغار القرية، إلى أن ملوا منها ورفضوه وتخلى عنه عقله، حتى عاد مرة أخرى يتلبس بخرقة غيرهم الضيقة، التي لا تستره بنطال ساغي أو فانيلة لويست كي تكشف نصف جسده، كما هم شبابنا اليوم بأجسادهم فاعلون، ولعوراتهم كاشفون... بينما تعاقب هذه الدول المتحررة الشيطانية التي يصنع فيها هذه السروال من يرتدي «بنطال الساحل»، أو «سروال طيحني» أو الشورتات الذي يظهر الجسم أو الملابس الداخلية التحتية وذلك بحبسه ستة أشهر وبغرامة قدرها 500 دولار، وهو لا يزال يتشدق بها و يسميها موضة اليوم و يحلم ويمنِّي نفسه بذلك اليوم الذي ستقوى فيه رايتهم، ويرفرف فيه بنطالهم أو علمهم أسوة بعلم اليهود المرفوع في الكثير من عواصم الدول العربية مؤيدة لهم وداعمة لمجازرهم اليومية، حتى ترضى عنهم أميركا وتحمي سواحلهم إن بقيت هناك سواحل لشعوبهم.
جلس عادل في مقهى القرية الوحيد والمكتظ بالشباب، والذي لم ينجُ من مدوناتهم التي ملئوا بها جدرانه كشعار الصليب المعكوف، وأصحاب المطرقة والمنجل، التي عفى عليها الزمن وشرب، والنسر الأميركي الجبان الذين لم يصمدوا أمام لفظ الجلالة وسيف «ذو الفقار»... لكنه نجى هو الآخر من الموضة قبل أن تزحف عليه، حيث لا يزال مبقيا على مذياعه الكبير القديم والذي يعمل بضربة ويغلق بغيرها، وبـ «منيو» الطعام التي يقدمها للشباب كتبها ولصقها على الباب كالمأكولات الخفيفة كالفول والحمص والرغيف البلدي والشاي والحليب ويختمها بعبارة الدفع قبل الأكل، وهم لاهون في شجارهم اليومي الذي لا ينتهي، أفيونهم اليومي كرة القدم، هي الأخرى على من يكسب ومن يخسر هذه الليلة، ودخان أراجيلهم ترتفع لتلوث السماء الصافية، افتخارا وزهوا، وأراجيفهم الليلية المتكررة عن مشكلة الإسكان وانقراض الأسماك وارتفاع الأسعار، والبعض الآخر أنهوا أرجيفتهم وغطوا في قيلولة عميقة بين أطباقهم الخاوية لا يفصلهم عن الموتى إلا شخيرهم بسبب الديون التي أثقلتهم، إلى أن يوقظهم عموجابر بقطرات من الماء البارد، جلس عادل يفكر مليا في حال شقيقه وتقليده زميله، طارقا برهة من الزمن في حل أو طريقة يعود إلى صوابه وإلى رشده، إلى أن أيقظه هو الآخر مذياع المقهى تاليا نبأ عاجلا عن عطل فني طارئ تسبب في قطع البث اليومي عن جلسة البرلمان وهو يناقش سرقة الأراضي والسواحل!... حينها استرجع مروان لله سبحانه وتعالى من ذنوبه وخرج من المقهى مبكرا منهزما منكس الرأس! لائما ومحقرا نفسه التي كانت السبب في إراقة ماء وجهه أمام مجتمعه و في انحراف شقيقه إلى الأبد!
مهدي خليل
_________________
نحن انصار حر كة جعفر الخابوري الثقافيه