لا خير في كلمة ضحيتها الوطن
في أي بلد ديمقراطي، تعد الصحافة إحدى أذرع الإصلاح التي ترتكز عليها الحكومات لتلمُّس مواطن الخلل وتحسُّس هموم الناس ومشكلاتهم، والوقوف على مكامن التسيب الإداري، وتعطيل الخدمات وتأخير تنفيذ المشروعات في وقتها المحدد.
وقد يصل الأمر إلى حد تغيير وزراء من مواقعهم إن أثبتت الصحافة بالأدلة القاطعة والبراهين، تقصيرهم في أداء واجباتهم تجاه المواطنين والمقيمين على أكمل وجه.
ومن أجل ذلك تُسنُّ التشريعات والقوانين التي تمكِّن الصحافة من القيام بدورها الرقابي كسلطة رابعة من دون التعرض للمساءلة والملاحقة، فضلاً عن حماية الصحافيين من التعرض للسجن بسبب تعبيرهم عن آرائهم أو تطرقهم للملفات والقضايا الملحّة والحسّاسة التي تهمّ أفراد المجتمع.
غير أن الصحافة في الدول العربية والنامية لا تمارس هذا الدور بحرفية ومهنية عالية، ففي البحرين على سبيل المثال هناك صُحف يحلو لها استغلال المساحة المتاحة من الحرية لضرب الوحدة الوطنية وإصابتها في مقتل، والإمعان قسراً في كيل التهم لكل من يخالفها التوجه والأيديولوجية وأسلوب العمل، إلى حد الاستهداف ونصب العداء.
من حق أي صحيفة توجيه النقد البناء لأي جهة أو كيان أو مؤسسة ترى أن عملها خرج عن إطار المصلحة العامة، وبات من الضرورة الوقوف وتوجيه كلمة حق مسئولة تبنى عليها خطوات تصحيحية لاحقة، أما أن تُنصِّب نفسها مفسراً لتصرفات البشر وحَكَماً على نواياهم قبل إقدامهم على أي فعل، فذلك تعدٍّ صارخ على أخلاقيات المهنة التي تستوجب في أبسط الحالات الأخذ بالرأي والرأي الآخر، وعدم الانفراد بإصدار أحكام ضد هذا الطرف أو ذاك من دون إتاحة الفرصة له ليفنِّد ما وُجّه إليه من اتهامات.
وهذا العُرف منطقي ويجري حتى في قاعات المحاكم، فلا يجوز محاكمة متهم من دون تعيين محامٍ يمثله أمام القضاء ليرد على لائحة الاتهام ويوفر الأدلة والشهود إن وُجدوا لإثبات براءة موكله، أما أن تجري الأمور استناداً على أقوال المدّعي فقط، فلم يسبق أن أسست كنهج في أي دستور من دساتير العالم.
الأمر الآخر، أن الله سبحانه وتعالى لا يحاسب الخلق إلا على أعمالهم وليس نواياهم، فإن نوى أحد السرقة ولم يقدم عليها فلا يعاقب على الفعل لأنه أساساً لم يقع، فكيف تُنصب جلسات للنيل من الأشخاص ومن كرامتهم وسمعتهم، واستهدافهم مباشرة على الورق وفي صدر صفحات الصحف، فيما نعيش في مملكة دستورية تقوم على مبدأ دولة المؤسسات والقانون الذي ينظم العلاقة بين جميع مكونات المجتمع؟
هناك قنوات رسمية يجب اللجوء إليها لمحاسبة أي متهم وفرض العقوبات التي يستحقها بما يتوافق وحجم خطئه أو جرمه، لا أن يشهر به علناً أمام الملأ دون قيد أو سند أو دليل، فقد يكون بريئاً وواجب على من تعرض له بالإساءة جهراً أن يرد له اعتباره بحسب القانون.
الصحافة أداة بناء لا معول هدم أو سيف يسلط على رقاب العباد، والمسئولية التاريخية والوطنية في هذه المرحلة المهمة التي يمر بها الوطن العزيز، يحتاج فيها إلى تكاتف جميع أبنائه على اختلاف مشاربهم، ومن الضرورة أن يتحلى صاحب كل قلم بالشجاعة لقول كلمة توحد وتلمّ شمل البحرينيين تحت مظلة الوطن وحبه والتضحية من أجله، بعيداً عن التأثر بأفكار وتوجهات دعاة التناحر الطائفي والتأزيم والتحريض على الكراهية.
الدين لله والوطن للجميع، فكل من على هذه الأرض مدعوون للمشاركة بفكرهم وعقلهم وروحهم وأبدانهم، في بناء مستقبل قائم على المحبة والسلم والوئام بين جميع المكونات الاجتماعية، نورثه لأبنائنا جيلاً بعد جيل، نبعاً هادراً من الماء ينهلون منه العبرة والموعظة فيستقوون به على نوائب الدهر ومصائبه
أحمد الصفار
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3239 - الخميس 21 يوليو 2011م الموافق 19 شعبان 1432هـ