لنقسم الوطن... هذا لنا وذاك لكم!
هاني الفردان ... كاتب بحريني
hani.alfardan [at] alwasatnews.com
تصغير الخطتكبير الخط
بعضهم يريد للوطن أن يقسم إلى «كنتونات» محصورة على فئات، وتمنع عنها فئات. والبعض يريد لهذا الوطن أن يكون عبارةً عن «فيدراليات» (تخضع لحكومة إقليمية) يسمح فيها بالبيع والشراء بحسب الولاءات والانتماءات!
والبعض يرى في نفسه أنه أصبح يملك ويحكم في منطقته الخاصة، ولذلك أباح لنفسه طرد مواطن، ومنع آخر من دخول مناطق، وحصرها على فئته فقط.
لا نستغرب عندما يخرج علينا مجلس بلدي، وعضو فيه، يطالب بطرد مستثمر بحريني، وعدم السماح له بالاستثمار في منطقتهم. ولن نستغرب عندما يقول عضو بلدي بمنطق «همجي» و «إقصائي» و «طائفي» وبشكل علني «لا نريد أن يستثمروا في المحرق... وإلا سأذهب إلى الملك»!
ماذا يقصد ذلك العضو البلدي بكلمة «يستثمروا»؟ يا ترى لمن هذه الإشارة؟ هل هي لفئةٍ من أبناء هذا الوطن؟
ما طُرح في مجلس بلدي المحرق، لا يمت للوحدة الوطنية في شيء أبداً، ولا للروح الوطنية، بل كان واضحاً فيه حس الطائفية، والنعرات الدونية التي من شأنها أن تزيد من تمزق المجتمع ووحدته.
ما طرح في مجلس بلدي المحرق، يستحق من أعضاء المجلس أنفسهم التحقيق فيه، والمحاسبة عليه، قبل أن يكون للدولة موقف واضح فيما قيل، لتمنع أي منزلق قد يحدث، ولتؤكد لنا أنها جادة في محاربة الطائفية والوقوف بوجه من يسعى لتقسيم وتشطير المجتمع.
ولن نستغرب أن تكون هذه اللغة موجودة في وطن شحن بـ «الحقد» و «الكره» لتقال فيه أيضاً «فليذهب ويأخذ أراضي في مناطقه، وهو غير مرغوب به في المحرق»، فقد تكون المحرق مفتوحة للأجنبي ليستثمر فيها، ولكنها ستُحرّم على البحريني، كما حُرّم الشراء والبيع من قبل على فئات من أبناء هذا الوطن في مناطق أخرى.
ماذا لو قيلت هذه الكلمة من طرف آخر؟ ماذا سيحدث؟ سنرى التحقيق، والضجيج، والتهويل، والتصعيد، وسنرى هجوماً إعلامياً، وتسقيطاً وتكفيريين. وسنرى كل جهات الدولة تستنكر ذلك الفعل المشين، ولن نستغرب إذا ما وجدنا عرائض توقع، وبرامج في تلفزيون العائلة تناقش القضية، حتى تصل القضية لاستنكار إقليمي، وصدور بيانات تضامنية، وتدخل جامعة الدول العربية!
بعضهم يريد لهذا الوطن أن يكون كل شيء فيه مقسّماً لنا ولكم، فالمستشفيات هذه لنا وتلك لكم، والمدارس لنا وأخرى لكم، والأسواق بيننا منها لنا ومنها لكم، وأن تفصل المحلات في المجمعات بين ما هو لنا وما هو لكم. وأن تكون الشوارع ذات مسارات لنا ومسارات لكم، وأن تقسم الوزارات والمؤسسات بحيث تبنى في كل منطقة لتخدم فئةً منا وفئةً منكم.
البعض يريد أن يكون لهذا الوطن قسمان متخاصمان، مبتعدان عن بعضهما، ليحققوا بذلك مآربهم.
لست من أهل المحرق، ولا أتردد عليها بحكم سكني بعيداً عنها، إلا أن المحرق تبقى جزءاً من وطني وبلدي، وأهلها أهلي جميعاً بسنتهم وشيعتهم ودون التمييز بينهم.
المحرق، بعبقها وتراثها وتاريخها، كانت الحاضنة لكل تلاوين الشعب، والمثال البارز على أصالة المواطن البحريني الذي لا يفرق بين أهله، فتجد القرى والمناطق والفرجان مختلطة، والناس مندمجين، لا فوارق بينهم ولا تمييز بينهم ولا ضغائن.
تاريخ المحرق شاهد، لا يمكن لأحد أن ينفرد به، أو التخندق خلفه، أو جر المدينة التاريخية بعبقها إلى هواه، ونزعاته الآثمة الهادفة لتمزيق هذا الوطن من خلال أفكاره المسمومة والممقوتة.
ستبقى المحرق كما كانت رمزاً للمدينة الحاضنة لكل تلاوين المجتمع البحريني، وعظْمة في حلق كل من يريد ويهدف لتمزيق المجتمع وتحويله إلى تجمعات منعزلة وكانتونات، ليحقق بذلك مخططاته الفئوية والطائفية، ولضمان موقعه ومكانه.
المحرق عصية على كل من يريد لها الانكسار، التمزق، التخندق، ولن تكون هناك جدران فاصلة بين «فرقان»، ولن تعزل المحرق عن باقي الوطن.
وستبقى البيوت مفتوحة على بعضها بعضاً، وستبقى المحرق كما عودتنا للجميع، ولن تنجح تلك الأفكار المسمومة في تحويل المحرق لكانتونة بأسوار عالية، أو فيدرالية تحكم فيها فئة مريضة.
ولن يقسم الوطن أبداً، وسيبقى لنا ولكم نحن جميعاً، أبناء أوال ودلمون، شاء من شاء وأبى من أبى.
هاني الفردان
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3745 - السبت 08 ديسمبر 2012م الموافق 24 محرم 1434هـ