شبكة النبأ: منذ بدء التغييرات السياسية المضطردة في منطقة الشرق الاوسط خلال السنوات القليلة الماضية، برزت المملكة العربية السعودية من جديد كلاعب قوي في المنطقة لتحقيق غايات الهيمنة وفقا لمصالحها الاستراتيجية، والسعي لبسط النفوذ السعودي في الدول التي تشهد اضطرابات كبرى كسوريا ومصر وهذا ماترجمته سياستها الخارجية المتناقضة خلال الاونة الاخيرة وخاصة مع حليفها الغرب. حيث أوضحت التطورات والأحداث السياسية والامنية الاخيرة في قلب الشرق الاوسط وعلى الساحة السورية تحديدا، المخاوف السعودية من تهدد الانتصارات العسكرية للجيش السوري ومرونة الغرب تجاه القضية السورية بضرب أجنداتها وتقويض نفوذها في المنطقة، مما دفع بهم للشعور بخطر فقدان فرصة الهيمنة، وبالتالي دعاهم هذا الشعور الى اتخاذ عدة إجراءات تعتمد على سياسة الدعم الاستراتجي في العمليات العسكرية. فمنذ بداية الحرب السورية قبل عامين ونصف العام، دعمت المملكة المسلحين في سوريا دعما لوجستيا وعسكريا استثنائيا، كمحاولة لقلب موازين القوى العسكرية على الارض لصالح المعارضة المسلحة. لكن التطورات الجديدة التي تمثلت في خطوة مفاجئة وغير مسبوقة من لدن السعودية برفضها ان تشغل مقعدا في مجلس الامن الذي اتهمته بازدواجية المعايير، اوضح مدى اقصى درجات الاستياء ازاء فشل المجتمع الدولي وخاصة امريكا من القضية السورية وازاء التقارب بين الغرب وايران. ويرى بعض المراقبين ان هذا التغير في الموقف السعودي تحول كبير في السياسية الخارجية قد يمهد لتباعد متزايد بين الولايات المتحدة والسعودية الذي بدأت مؤشراته تتضح عندما، انتقد أمير سعودي رفيع سياسات أوباما في الشرق الأوسط واتهمه بالتردد فيما يتصل بالوضع في سوريا ومساعي السلام الإسرائيلية الفلسطينية، ويقول المحللون الذين يحاولون فك طلاسم غموض عالم العائلات الملكية الخليجية ان هذه الاجراءات ليست دليلا على ارتفاع ثقة السعوديين بانفسهم فحسب، ولكنها نتيجة التغييرات المحورية التي حصلت مؤخرا على الصعيد الاقليمي والدولي. وقد زاد غضب السعودية بعد ان تخلت الولايات المتحدة عن التهديد بتوجيه ضربة عسكرية لسوريا ردا على هجوم بالغاز السام في دمشق في اغسطس آب، وجاء تراجع الولايات المتحدة في اعقاب موافقة دمشق على التخلي عن ترسانة اسلحتها الكيماوية. كما تشعر السعودية أيضا بالقلق من الدلائل على وجود مصالحة مبدئية بين واشنطن وطهران وهو امر تخشى الرياض ان يؤدي إلى "صفقة كبرى" بشأن البرنامج النووي الإيراني تجعلها في وضع سيء. في ظل مشاعر الاستياء من سياسات الرئيس باراك أوباما بشأن سوريا وإيران يقول أعضاء في الأسرة الحاكمة في السعودية إن الرياض قد تبتعد عن الولايات المتحدة في تحول قد يكون إيذانا بانحسار التحالف بين واشنطن والمملكة إلى أدنى مستوياته في سنوات. حيث تخوض السعودية وايران صراعا شرسا على قيادة الشرق الأوسط ، وخلافا للسنوات الماضية لا يقتصر غضب السعوديين على الصين وروسيا العضوين الدائمين بمجلس الأمن الدولي بل يشمل أيضا الولايات المتحدة التي يعتقدون أنها خذلت اصدقاءها العرب مرارا باتباع سياسات يرونها ضعيفة وساذجة. ومثل إسرائيل الحليف الرئيسي الآخر للولايات المتحدة في الشرق الأوسط يخشى السعوديون أن يسمح الرئيس الأمريكي باراك أوباما بهذه السياسات للأعداء المشتركين بامتلاك اليد العليا. ولا يوشك التحالف بين الولايات المتحدة والسعودية على الانهيار. لكن السعودية مستعدة - مثلما حدث قبل نحو 40 عاما عندما فرضت منظمة البلدان المصدرة للبترول (اوبك) حظرا نفطيا بسبب دعم الولايات المتحدة لإسرائيل في حرب عام 1973 - لتحدي واشنطن دفاعا عن مصالحها الاقليمية ولو دون المساس بامدادات الطاقة. وقد اختلفت معها بشأن مصر منذ الربيع العربي ويتزايد الخلاف بينهما أيضا حول سوريا حيث يمكن أن تزيد السعودية الآن جهودها لتسليح المعارضين السنة. وكان حكام السعودية يشعرون بالفعل بالقلق من تردد الولايات المتحدة في دعم المعارضين الساعين للاطاحة بالرئيس بشار الأسد أقوى خليف عربي لطهران. لكن القلق اشتد وهم يرون واشنطن تتواصل مع الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني الشهر الماضي. ويخشى السعوديون الآن أن ينجذب أوباما إلى تحسين العلاقات مع طهران من خلال إبرام صفقة تسمح بتوسيع تفتيش مواقعها النووية مقابل السماح لحلفائها بالمضي قدما في الهيمنة على دول عربية مثل لبنان وسوريا والعراق. ورغم أن مثل هذه الصفقة لم تطرح علنا قط من داخل إدارة أوباما فلم يمنع هذا السعوديين من إبداء مخاوفهم. واتضحت مخاوفهم عندما اشارت الخارجية السعودية في بيان الى ان اعتذار المملكة غداة انتخابها لشغل مقعد غير دائم في الهيئة الدولية، سببه خصوصا فشل المجلس في حل القضية الفلسطينية والنزاع السوري وجعل الشرق الاوسط خاليا من اسلحة الدمار الشامل. وقال المحلل السعودي البارز والقريب من الدوائر السياسية في المملكة عبدالعزيز بن صقر ان السعودية ارادت ان تعبر عن "الاستياء الشديد"، لاسيما ازاء حليفتها الكبيرة واشنطن التي تتقارب مع ايران وتوافق على منحها دورا في شؤون المنطقة بينما تدعم ايران النظام السوري و"تتدخل" في شؤون دول المنطقة بحسب قوله. وتمثل هذه الخطوة بحسب بن صقر تكريسا "لانتقال المملكة من الدبلوماسية الهادئة التي تنتهجها تقليديا الى الدبلوماسية الواضحة" التي تعبر بوضوح عن مصالحها، وذكر بيان للخارجية السعودية نشرته وكالة الانباء الرسمية ان "آليات العمل وازدواجية المعايير الحالية في مجلس الأمن تحول دون قيام المجلس بأداء واجباته وتحمل مسؤولياته تجاه حفظ الأمن والسلم العالميين على النحو المطلوب". واشارت الخارجية خصوصا الى "بقاء القضية الفلسطينية بدون حل عادل ودائم لخمسة وستين عاما" معتبرة ان ذلك نجم عنه "عدة حروب هددت الأمن والسلم العالميين"، كما اشارت الى "فشل مجلس الأمن في جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من جميع أسلحة الدمار الشامل سواء بسبب عدم قدرته على إخضاع البرامج النووية لجميع دول المنطقة دون استثناء للمراقبة والتفتيش الدولي أو الحيلولة دون سعي أي دولة في المنطقة لامتلاك الأسلحة النووية"، في اشارة ضمنية الى اسرائيل وايران. وتعد السعودية من اهم الداعمين للمعارضة السورية، وياتي قرار السعودية بعد ان رفض زير الخارجية الامير سعود الفيصل خلال الجمعية العامة للامم المتحدة التحدث من على المنصة احتجاجا على عدم تحرك المجلس في الشأن السوري والاراضي الفلسطينية، في ما اعتبر حينها علامة استياء واضحة من المملكة. وفي نيويورك، اكد الامين العام للامم المتحدة بان كي مون امام الصحافيين ان الرياض لم تبلغ الامم المتحدة بعد رفضها شغل مقعد في مجلس الامن، وقال بان كي مون في تصريح صحافي من نيويورك ان الاستبدال المحتمل للعربية السعودية في مجلس الامن "قرار يعود الى الدول الاعضاء" الا ان الامم المتحدة "لم تتلق بعد بلاغا رسميا بهذا الشأن". اما تركيا التي انتقدت قصور الامم المتحدة حيال الازمة السورية، فاعتبرت ان رفض المملكة العربية السعودية الدخول الى مجلس الامن الدولي يجعل المنظمة الدولية "تفقد من مصداقيتها"، وسبق ان عبرت الرياض باستمرار عن امتعاضها من الفيتو الروسي والصيني المتكرر ازاء اي قرار في مجلس الامن ضد النظام السوري الى ان اعتمد قرار يتعامل فقط مع جانب الاسلحة الكيماوية ويغفل مطالب المعارضة. لكن بحسب بعض المحللين فان قرار السعودية يعبر خصوصا عن "عدم ارتياح للسياسة الجديدة في واشنطن وبالذات مواقف الرئيس باراك اوباما في المواضيع الخاصة بالمنطقة" من ايران الى اليمن مرورا بسوريا ومصر والعراق والبحرين. واضاف "عندما تكون امام دولة حليفة وقريبة، ويكون هناك عدم تنسيق وعدم احترام للعلاقة القديمة والمتجذرة، فهذا بالطبع يدفع المملكة الى الاعتذار عن الجلوس في مجلس الامن"، وشدد المحلل على ان "السعودية ترى ان ايران تتدخل في سوريا والعراق ومع الحوثيين في اليمن وفي البحرين، وتطالب بان يكون لها دور، في ظل كل هذا، اميركا تقبل بمنح ايران دورا في قضايا المنطقة"، واذا كانت السعودية ودول الخليج لا تمانع من حيث المبدأ حصول تقارب بين الولايات المتحدة وايران، الا انها ترى بان ذلك "لا يجب ان يكون على حسابها". وانتقدت المملكة بقوة السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط منذ الربيع العربي لا فيما يتصل بسوريا وحسب بل وبمصر أيضا حيث جمدت واشنطن مساعدات بعد أن عزل الجيش الرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، ووصف عبد الله المعلمي سفير السعودية بالأمم المتحدة السياسة التي يجري اتباعها مع مصر بأنها سياسة "لوي ذراع" في إشارة إلى موقف الولايات المتحدة، ويدور جدل منذ فترة طويلة حول إصلاح مجلس الأمن. وتريد بعض الدول توسيع المجلس بينما تضغط ألمانيا والهند والبرازيل واليابان كي يصبحوا أعضاء دائمين في المجلس. بحسب رويترز. على الصعيد نفسه أظهرت برقيات دبلوماسية نشرها موقع ويكيليكس أن السعودية حثت واشنطن على "قطع رأس الأفعى" من خلال ضرب البرنامج النووي الإيراني الذي تخشى هي والدول الغربية أن يكون الهدف منه صنع قنبلة ذرية، وقال سفير جواتيمالا في الأمم المتحدة جيرت روزنتال ردا على سؤال عن بواعث القلق السعودية "كان عليهم أن يفكروا في ذلك قبل أن ينافسوا على المقعد"، وتشغل جواتيمالا حاليا أحد المقاعد غير الدائمة في مجلس الأمن. إذ شكل رفض السعودية شغل مقعدها في مجلس الامن سابقة فاجأت عددا كبيرا من الدبلوماسيين في المجلس، وقال دبلوماسي في المجلس "انه امر غير متوقع تماما، ولقد بحثنا جميعا في سجلات المجلس لايجاد سابقة فلم نجد". واضاف ان ترشيحا الى المجلس "يستغرق سنوات من الاستعداد"، وهذا ما يجعل خطوة الرياض بالتالي مفاجئة. ولأن انتخاب الاعضاء العشرة غير الدائمين في المجلس يتم على قاعدة اقليمية، فاذا ما تمسكت السعودية بقرارها، يعود للمجموعة العربية في الجمعية العامة ايجاد مرشح جديد يفترض ان يوافق عليه اعضاء الجمعية خلال عملية تصويت، كما حصل لدى اختيار الرياض. ردود دولية متفاوتة في السياق ذاته قللت الولايات المتحدة من اهمية رفض السعودية شغل منصب عضو في مجلس الامن الدولي، مؤكدة انها ستواصل العمل مع حليفتها الرياض، وقالت المتحدثة باسم الخارجية الاميركية جنيفر بساكي ردا على سؤال عن رأي واشنطن في الرفض السعودي "انه قرار يعود اليهم"، واضافت ان "مجلس الامن الدولي يمكنه لعب دور مهم بشأن عدد من المسائل، وقام بذلك قبل اسابيع"، في اشارة الى اول قرار تبناه مجلس الامن الدولي بشأن سوريا نهاية ايلول/سبتمبر، وتابعت "اتفهم ان يكون للبلدان ردود فعل مختلفة، لكننا سنواصل العمل (مع الرياض) بشأن المسائل ذات المنفعة المشتركة". بينما انتقدت روسيا قرار السعودية رفض دخول مجلس الامن الدولي، ووصفت الحجج التي قدمت في هذا الاطار في خضم الازمة السورية بأنها "غريبة جدا"، وقالت وزارة الخارجية الروسية في بيان "نستغرب هذا القرار غير المسبوق للسعودية"، مضيفة ان "حجج المملكة تثير الحيرة. ان المآخذ على مجلس الامن في اطار الازمة السورية تبدو غريبة جدا"، واضاف البيان ان "المملكة العربية السعودية بقرارها اخرجت نفسها من الجهود المشتركة في اطار مجلس الامن للحفاظ على السلام والامن الدوليين"، وتعتبر روسيا الحليف الدولي الرئيسي للنظام في سوريا، وهي تتهم السعودية بدعم المجموعات المعارضة في سوريا المرتبطة بالقاعدة. في حين اعلنت وزارة الخارجية الفرنسية تعليقا على رفض الرياض عضوية مجلس الامن، ان فرنسا تشاطر العربية السعودية "احباطها" ازاء شلل مجلس الامن في مواجهة الازمة في سوريا، وقال المتحدث باسم الخارجية الفرنسية رومان نادال "نشاطر (المملكة) احباطها امام شلل مجلس الامن، الا ان لدينا بالتحديد للرد على ذلك اقتراحا اصلاحيا لحق الفيتو"، وكانت فرنسا عرضت في ايلول/سبتمبر عدم استخدام اعضاء مجلس الامن الدائمين (الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين) لحق الفيتو في حال حصول "مجازر واسعة". بحسب رويترز. الى ذلك دعت الدول العربية في الامم المتحدة السعودية الى تغيير رأيها والقبول بمقعدها في مجلس الامن الدولي اعتبارا من الاول من كانون الثاني/يناير المقبل، ووجه سفراء الدول العربية في المنظمة الدولية هذا النداء في بيان في ختام اجتماع عقد بعد اعلان الرياض رفضها عضوية مجلس الامن وخصوصا بسبب خلافات حول كيفية التعامل مع النزاع السوري. واذا لم تتراجع السعودية عن قرارها، فسيعود للمجموعة العربية داخل الجمعية العامة للامم المتحدة ايجاد مرشح جديد تصادق عليه الجمعية في تصويت، ولو ان الدول الاعضاء الجديدة لن يكون لها النفوذ الذي تمارسه الدول الدائمة العضوية، الا ان بعضها قد يكون مؤثرا في ملفات يتابعها مجلس الامن من كثب. وقال دبلوماسي غربي ان "السعوديين تعرضوا لصدمة مزدوجة" حيث ان "الولايات المتحدة رفضت التحرك عسكريا في سوريا، وكل العالم قام بمجاملة (حسن) روحاني" الرئيس الايراني الجديد، ورأى فيليب بولوبيون من منظمة هيومن رايتس ووتش ان الطموحات السعودية "كانت ستصبح مقنعة اكثر لو ان هذه الدولة كانت تحترم اكثر حقوق الانسان لا سيما حقوق النساء ولا تقمع المدافعين عن هذه الحقوق". |