شبكة النبأ: حين وصلت الى سوريا في العام 1997 والى السيدة زينب تحديدا، كانت الكثير من الحسينيات الشيعية تضم مكتبات فيها الكثير من الكتب والمؤلفات لمختلف الكتاب.. مكتبة الحوزة الزينبية واحدة منها، وكانت الاكبر في مساحتها وكتبها. للوهلة الاولى، وكخارج من العراق، تبادر الى ذهني ان كتب المكتبة تلك تحمل عناوينا دينية.. ولاشيء غير ذلك.. وهلة لم يتبق منها غير رمادها المحترق.. الكتب الدينية لا تحتل غير مساحة قليلة الى يمين الداخل الى المكتبة، اي نصف جدار وربما اكثر قليلا، قبل ان تتوسع وتفتح لها جدران اخرى في بناية الطابق الاول. كان المسؤول على المكتبة رجل دين لا يرتدي الزي الديني التقليدي، بل الدشداشة العراقية، واحيانا البنطلون والقميص.. لم يكن معرض من معارض الكتاب الذي تقيمه مكتبة الاسد، ويحمل عنوان معرض دمشق للكتاب الا وكانت للمكتبة الزينبية حصة كبيرة من الكتب والعناوين الجديدة في شتى المواضيع.. وكثيرا ما كنت أكلف بشراء مجموعة متنوعة من كتب المعرض. كثيرا ماكان بعض تلاميذ الامام الشيرازي الراحل، ايضا يطلبون مني شراء كتب متنوعة حول موضوع واحد او عدة مواضيع للسيد المرجع قبل وفاته، لا علاقة لها بالدين من قريب او بعيد.. تعودت على الاستغراب حين يطلب مني ذلك، كنت اتصور ان مرجع التقليد او رجل الدين لا حصة له في مثل تلك العناوين، او انه غير مهتم بها، بحكم توجهاته واهتماماته التي يستحوذ الدين على المجال الاوسع فيها.. تصوري مبني على وهم، احتجت لسنوات طويلة كي اتحرر منه ومن اوهام اخرى كثيرة.. في العام 2001 تقريبا وصلت الى مكتبة الحوزة الزينبية مجموعة من الكتب التي كانت موجودة في احدى المؤسسات التابعة للامام الشيرازي الراحل، وكان الختم عليها يحمل اسم مكتبة الامام الجواد.. وفيها كثير من العناوين التي قد لا تخطر على بال اي مثقف حداثوي عند حديثه عن الكتب والكتاب.. قبل ايام تذكرت تلك الكتب، وانا استمع لمعلومة يذكرها احد الاشخاص المقربين الى المرجع الراحل، وكنا نتحدث عن احدى الكاتبات العربيات، وهو يحتفظ بعدد من اصداراتها، ان هذه الكتب وغيرها من عناوين كانت عبارة عن ترشيحات يقدمها احد اخوة المرجع الراحل، وكانت تستقر على رفوف المكتبة التي حملت اسم الامام الجواد.. الحقيقة تحرر، ولا يمكن الوصول الى الحقيقة الا من خلال المعرفة، ولست في وارد الحديث عن الحقائق المطلقة او المعرفة الكاملة، الا ان عملية التحرر مطلوبة منا ولا يكون ذلك الا بالجري خلفها وامتلاك المعرفة للوصول اليها.. الكتاب هو تلك الوسيلة التي تقودنا لنحرر انفسنا من الجهل والوهم. من ضروريات الحياة والتي لا يمكن لاية قوة منعها، هي الكتاب والمجلة والصحيفة، كما يعبر عن ذلك الامام الراحل، وهو الذي عاش تجربة غنية من القراءة والكتابة، وعاش ظروف القمع والمنع والمصادرة لكتبه ولكتب اخرين غيره.. الوعي بأهمية الكتاب، كمنجز فكري وثقافي يساهم في ايقاظ الناس من سباتهم، متجذر بشدة في معظم ما كتبه الامام الراحل، فهو دليل حياة او موت بالنسبة للأمم والشعوب.. حياة لان (الامم الحية دائما تهتم بالكتاب كل الاهتمام)، وهو موت لان (الامم الميتة لا تهتم به اي اهتمام). وهو ايضا قد وعى تلك الحقيقة التاريخية للثقافة ودورها – ومن جملتها الكتاب – حيث يعتبرها من (اهم ما يحفظ الامم واستقلالها وصمودها امام غزو الاعداء). وهو قدس سره، يريد من الثقافة ان تكون فاعلة ومؤثرة في محيطها الذي توجد فيه، وان تأخذ دورها في ايقاظ الافهام وفي ترشيد الفكر، عن طريق منجزها الابرز وهو الكتاب. ويسترجع من ذاكرة التاريخ تجربة المسلمين السابقة في عصور ازدهارهم، حيث يرى من خلالها (ان من اسباب قوة المسلمين الاولين قوة الكتاب والعلماء عندهم). ثم هو (قدس سره) يستحضر تجربة قريبة معاصرة، حين يقارن وضعنا وما آلت اليه امور المسلمين، وتدهور الثقافة واحدة من تجليات هذه المآلات، يذكّر بالغرب ونهضته، حيث يقول: (انما نهض الغرب لاهتمامهم بالكتاب، ولم يصلوا الى مدارج الحضارة الا بالكتاب).. الكتاب عند الامام الراحل (قدس سره) في جميع اطار صناعته وتسويقه، ليس ترفا فكريا او حاجة كمالية، بل هو ضرورة قصوى من واجب الجميع العمل على تحقيقها، لما يشكله الكتاب من نافذة واسعة تنفتح وتدخل منها شمس المعرفة التي تفتقد اليها المجتمعات العربية والمسلمة في عصرنا الحالي.. اختم بفكرة قدمها الامام الشيرازي الراحل، حين هاجر الى الكويت في السبعينات، حيث عرض على مجموعة من الكويتيين انشاء مكتبات متنقلة في زوارق الصيد التي كانوا يجوبون بها مياه الخليج، وهي فكرة سابقة لزمانها ولم يستوعبها احد حتى الان رغم تطور اساليب الحياة.. |